وسط أزمة الإسكان والتي يُشعلها تصاعد التكلفة والأسعار فإنه ليس من حق أحد أن يمنع رب أي أسرة تتوافر لديه الإمكانات المادية من بناء أو شراء وحدات سكنية يخصصها لأولاده الذين قد يكون نسبة كبيرة منهم في أعمار مبكرة تجعلهم لا يحتاجون لها في الوقت الحالي وإنما علي مدي السنوات القادمة. حاولت الدولة من خلال قانون الإسكان الذي أعطي لأصحاب الوحدات الإسكانية تأجيرها لفترات محدودة بأسعار حرة يتم الاتفاق عليها إلا انه وحتي الآن لوحظ ان هذه الخطوة مازالت تلقي تحفظا وعدم ثقة من أصحاب هذه الوحدات رغم ما قضي به القانون من ضمانات وحقوق. إن الكثير من أصحاب الوحدات السكنية المغلقة ليسوا علي استعداد للدخول في قضايا »ووجع دماغ« في حالة الخلاف مع بعض المستأجرين.. هواة المشاكل والقضايا وعدم التسليم بالتحايل بما يقضي به القانون وما تتضمنه عقود الايجار. وكما هو معروف فإن كل قانون وأي قانون مهما كانت »الحرفنة« في إعداده يستطيع أي غاوي للمشاكل أن يستخدمه إما للحصول علي حق ليس من حقه أو التسويف ومضايقة الطرف الآخر الذي لا ذنب له سوي أن سوء الحظ قد دفعه إلي تأجيرها لهذا الشخص. كان من نتيجة هذا الوضع الذي أصبح ظاهرة خطيرة وصول عدد الوحدات السكنية المغلقة التي يرفض أصحابها تأجيرها للمحتاجين وفقا لقانون الايجارات الجديد.. إلي حدود 5 ملايين وحدة وفقا لإحصائيات جهاز التعبئة والإحصاء. بالطبع فإن عدم استثمار هذه الثروة الطائلة المعطلة والتي لا تقل قيمتها السوقية عن مئات المليارات من الجنيهات باعتبار ان متوسط قيمة الوحدة في حدود 051 ألف جنيه تمثل خسارة جسيمة للاقتصاد الوطني. لا جدال أن تفشي هذه الظاهرة في دولة مثل مصر تعاني من مشاكل توفير المتطلبات المعيشية لشعبها كان من الطبيعي ان يصل عجز ميزانيتها العامة إلي مئات المليارات من الجنيهات. هذا الوضع ساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تفاقم الأوضاع المالية الناتجة عن ضغوط الحاجة إلي سد الاحتياجات من الوحدات السكنية. وليس خافيا تداعيات استمرار هذه الأزمة علي الحياة الاجتماعية والسياسية بشكل عام وعلي خطط التنمية بصورة خاصة. الخروج من هذا المأزق يتطلب مبادرات خلاقة اعتقد ان المهندس أحمد المغربي وخبراء وزارة الإسكان والمرافق التي يتولي مسئوليتها كان عليهم أن يفكروا في اختيار أنسبها لمواجهة عدم جمود المشكلة السكانية علي ضوء الإمكانات المالية المتاحة للدولة. كم أرجو ان تكون من بين الأفكار التي يمكن دراستها وبحثها تقديم الضمانات والحوافز لأصحاب هذه الوحدات السكنية المغلقة لإقناعهم بعرضها للايجار بما يساهم في حل مشكلة الإسكان. هذه الضمانات يمكن ان تكون في صورة بوليصة تأمين تضمن حق صاحب الوحدة تجاه أي التزامات تقتضيها عملية تأجيرها بلا مشاكل. وفقا لهذه البوليصة فإن صاحب الوحدة سوف يضمن حصوله علي قيمة وحدته السوقية أو ما يساوي الخسارة التي يتكبدها في حالة نشوب نزاع بينه وبين المستأجر وبذلك تتحول مسئولية المواجهة القضائية إلي شركة التأمين بدلا عنه. من المؤكد انه من الممكن أن تمثل هذه المبادرة مساهمة ايجابية لحل أزمة الإسكان إذا ما لاقت موافقة وزارة الإسكان وشركات التأمين من خلال الاتفاق علي تقديم هذه الخدمة الفعالة لصالح المجتمع ولصالح الدولة في نفس الوقت. إنني أتوقع ان يكون لمثل هذه الخطوة إذا ما تم الترويج لها علي أسس سليمة وصادقة دور في معالجة أزمة ثقة أصحاب الشقق المغلقة. ان صاحب الشقة المغلقة في هذه الحالة سوف يكون عليه ان يدفع قسطا لبوليصة التأمين قد لا يتجاوز واحد علي عشرين من قيمة عائد ايجار الوحدة التي سيتم تأجيرها علي أساس قانون الايجارات الجديد، وهو ما يعد مكسبا اقتصاديا له. نجاح هذه المبادرة سيكون حافزا بعد ذلك للانتقال إلي مرحلة أخري منها تتعلق بوحدات قضاء الاجازات علي سواحلنا والتي لا يتم استخدامها سوي أسابيع قليلة من السنة بينما تظل باقي شهور السنة مغلقة. ان اقتناع جانب من ملاك هذه الوحدات بتأجيرها للاستغلال السياحي من خلال شركات محترمة ومتخصصة بضمان بوليصة التأمين المقترحة سوف يتيح له الحصول علي عائد مجز يضاف إليه ما سوف يتحقق للاقتصاد الوطني من فائدة تدعم مسيرته. إنني أعرض هذا الاقتراح لمشاركة جموع القراء بإبداء رأيهم سعيا إلي الوصول إلي توافق لفتح الباب أمام المساهمة في حل مشكلة الإسكان.