«أنا لست فقيراً فالفقراء هم الناس الذين يحتاجون الكثير، وهذا أمر مثير للضحك في الحقيقة، أنا شخص متقشف لا أحتاج الكثير للعيش، أعيش بنفس الطريقة التي كنت أعيش بها قبل أن أصبح رئيساً، في نفس الحي في نفس المنزل وبنفس الطريقة» هذه الكلمات كانت الرسالة التي وجهها خوسيه موخيكا رئيس أوروجواي - الذي توفي قبل أيام - للسياسيين الفاسدين. كان موخيكا من بين أول من وصلوا قبل وفاته إلي أحد مراكز الاقتراع للإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا واحتدم فيها التنافس بين 7 مرشحين لخلافته حيث ينص دستور أوروجواي علي تولي الرئيس منصبه لفترة واحدة فقط من أربع سنوات، لذلك لا يحق لموخيكا الترشح بعد أن قضي 4 سنوات في الحكم منذ 2010. وبانتهاء ولاية موخيكا ورحيله فتح الباب أمام نهاية حكم اليسار في اورجواي، بعد هيمنة من الائتلاف اليساري استمرت 10 سنوات في حكم هذا البلد الصغير في أمريكا الجنوبية. كان موخيكا يحتفظ لنفسه بنسبة 10 % فقط من راتبه الشهري البالغ 25824 بيزوس، أي 12 ألفا و500 دولار، ويتبرع بالباقي لجمعيات خيرية، ويقول: «أريد راحة البال والاستمتاع بوقتي في المزرعة مع زوجتي الآن وبعد انتهاء ولايتي». وكان كل ما يملكه من حطام الدنيا سيارة «فولكسفاجن» موديل 1987 اشتراها منذ 10 سنوات، ويقدر ثمنها الآن بنحو 1200 دولار. وحين وصل «موخيكا» إلي الرئاسة، اتبع نهج سلفه بل وعمل علي المزيد مويتميز موخيكا أيضا بأنه صريح في كلامه، ويتصرف ببساطة، وكان قليل الظهور في وسائل الإعلام ومنذ أول يوم تسلم فيه السلطة رفض موخيكا الإقامة بقصر «كاسا سواريث» الرئاسي في العاصمة مونتيفيديو، وطلب تخصيص بعض أجنحته كمأوي للمشردين في حالة عدم كفاية المراكز الموجودة بالعاصمة. وجاء قراره بعدما اطلع علي عدد مراكز الإيواء ونسبة المشردين بها ومعدلات الاشغال، فتبين له أن بعض المشردين سيبقون دون مأوي، لذلك فقد عرف عنه انه كان ينشغل في فصل الشتاء الذي عادة ما يكون باردا للغاية في أمريكا الجنوبية، بالتفكير في الفقراء من أبناء شعبه وخاصة المشردين منهم. ولا بد من الإشارة هنا إلي أنه لم يكن يصدر مثل هذه القرارات من باب التودد للغلابة او نيل اعجاب الرأي العام بل كانت شيئا متأصلا في طباعه ومبادئه ذات المرجعية الشيوعية، فقد سبق له أن اسكن في القصر الرئاسي امرأة وأبناءها المشردين حتي وجدت لهم الشئون الاجتماعية مأوي. وكان موخيكا يحرص دوما علي الابتعاد عن مظاهر الابهة، فلم يتحرك ابدا بحراسة مشددة كبقية رؤساء العالم. نجح موخيكا في تحقيق التقدم الاقتصادي لبلاده، ويرجع ذلك إلي انخفاض معدل الفساد في أوروجواي بشكل كبير خلال فترة رئاسته، حيث تحتل بلاده المرتبة الثانية في قائمة الدول الأقل فسادا في أمريكا اللاتينية، ومن أشهر مقولات موخيكا في هذا المجال: «أهم أمر في القيادة المثالية هو أن تبادر بالقيام بالفعل حتي يسهل علي الآخرين تطبيقه». ورغم كل محاسن رئيس اورجواي الراحل الا انه أصدرالعديد من القوانين المثيرة للجدل مثل التشريع الذي يبيح الإجهاض وزواج المثليين وإنتاج وتوزيع الماريجوانا بشكل شرعي. ولد خوسيه ألبرتو موخيكا كوردانو في 20 مايو عام 1935 من أب ينحدر من إقليم الباسك، وأم ابنة لمهاجرين من ايطاليا، كان والده عاملاً زراعياً بسيطاً، ولذلك عاش موخيكا طفولة بائسة خيم عليها الفقر. عمل موخيكا وزيرًا للثروة الحيوانية والزراعة والثروة السمكية ما بين عامي 2005 و2008.ويعد موخيكا مناضلًا عنيدا ضد الحكم المستبد، حيث كان عضوا في جماعة «توباماروس» الثورية اليسارية المسلحة التي استلهمت فكرها من الثورة الكوبية، وسجن 4 مرات أطولها لمدة 13 عاما، قبل أن يخرج في عام 1985 ويبدأ ممارسة السياسة مع عودة البلاد للحكم الدستوري. حصل موخيكا علي اعتراف دولي وعلي لقب «أفقر رئيس في العالم وأكثرهم سخاءً»، وظل موخيكا يعيش في بيت ريفي بمزرعته مع زوجته التي يساعدها في المطبخ، وينتعل أرخص الأحذية.