الآلاف يشاركون فى مسيرة مؤيدة لوحدة أوكرانيا فى شوارع كييف مباراة عض الأصابع اطلقتها بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، لكن من الأكثر تأهيلا لاحتمال الألم الناجم عن استخدام سلاح العقوبات ذات الطابع الاقتصادي عند النظرة الأولي إلا انها في جوهرها تمس ما هو أكثر عمقا علي الجبهة الروسية؟ انتهت مرحلة من الانقسام علي الساحة الاوروبية، لم تستمر طويلا، بعد أن حسم تردد بعض الاوروبيين حادثة اسقاط الطائرة الماليزية، ويشير الاتحاد الأوروبي بالاتهام لموسكو واتباعها من الانفصاليين الاوكرانيين، ليلحق بالحليف الاطلسي الأكبر، حيث لم تنتظر الولاياتالمتحدةالأمريكية التنسيق مع الجانب الآخر علي الاطلسي، فاستبقت بفرض حزمة من العقوبات صاحبتها حملة اعلامية ودبلوماسية شديدة الوطأة، واكبت التطورات المتصاعدة للصراع الدائر في اوكرانيا، التي تحولت بدورها الي نقطة ساخنة في جولة جديدة من الحرب البادرة بين روسيا والغرب بجناحيه الاوروبي والأمريكي. حديث العقوبات يستدعي بديهية معلومة للاطراف كافة، اذ انها سلاح ذو حدين يؤثر علي من يفرضه تماما مثلما يؤلم من يوجه إليه، وربما كانت روسيا تراهن علي عدم لجوء اوروبا لهذا السلاح مكتفية بالتلويح به، أو استخدامه بصورة رمزية، إلا انه يصعب تصور ان موسكو فوجئت تماما بالأمر. يبدو ذلك جليا في رد الفعل الروسي الذي وصف العقوبات الاوروبية بانها اجراء غير مسئول يضع عمليا التعاون الأمني الاقليمي والدولي في خطر، ولم تكتف موسكو باشارة تتسم بالعمومية، لكنها شاءت ان تفصل ما تعنيه عبر تحديد المجالات التي سوف تتأثر بالاجراء الاوروبي، بداية من الحرب ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل، مرورا بالارهاب وليس انتهاء بالجريمة المنظمة، اذ حرصت علي أن يظل الباب مفتوحا باشارة أكثر عمومية اجملتها ب «تحديات واخطار اخري». ربما يقصد الروس ان تكون تلويحاتهم غير المحددة، دافعا لان يراجع الاتحاد الاوروبي نواياه بالمزيد من التصعيد، اذ ان ثمة توقعات بأن يمضي الاوروبيون في مسارهم حتي النهاية، وان تشهد الأيام القريبة القادمة فرض عقوبات أكثر اتساعا، تتضمن اسواق المال، مبيعات الأسلحة، التكنولوجيا الحساسة في مجال الطاقة، السلع ذات الاستخدام المزدوج العسكري والمدني. وقد تكون الثغرة التي تتيح لموسكو قدرا من المناورة متمثلة في استبعاد الاتحاد الاوروبي للتقلبات الخاصة بقطاع الغاز، اذ انها المستفيد الأكبر من الغاز الروسي، من ثم فإن حفظ أمن الطاقة بالنسبة للاوروبيين يأتي بمثابة النقطة الرخوة التي يمكن لروسيا ان تستثمرها في صياغة منظومة من الضغوطات الرادعة لاوروبا. موسكو - أيضا - لم تقف مكتوفة الايدي بانتظار رد الفعل الاوروبي، لكنها كشفت - دون تفاصيل - عن إعداد خطة تستهدف رفع معدلات التعاون مع شركات نفط كبري حول العالم لتخفيف النتائج السلبية جراء العقوبات الأمريكية المصوبة تجاه قطاع النفط الروسي، وإذا ما نجحت موسكو في «جر» بكين إلي مباراة عض الأصابع إلي جانبها من جراء تأثر الصيني سلبا كنتيجة مباشرة لفرض العقوبات علي تقنيات ومعدات كان من المقرر استخدامها في مشروع روسي لتزويد الصين بالغاز، فإن رقما مهما سيضاف إلي المعادلة بتقاطع مصالح اخرين مع الاجراءات الاوروبية، مما يجعل الاستمرار في النهج التصاعدي للعقوبات ضد روسيا محل اعادة النظر. وأخيرا، فإن روسيا لن تغفر للغرب فرضه عقوبات يمكن أن تؤثر - وإن بشكل غير مباشر - علي مشروعاتها الخاصة بتطوير البنية التحتية الخاصة باستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2018، بالقدر ذاته الذي تتأثر به مشروعات في قطاعات استراتيجية كالدفاع والفضاء والطاقة، من ثم فإنه وعلي طريقة «رب ضارة نافعة»، فإن منظومة العقوبات الغربية، قد تدفع روسيا لتبني نهج يعفي اقتصادها من الاعتماد علي الخارج بالدرجة التي تجعله في لحظة تحت رحمة من يصنفها في أي لحظة في خانة الاعداء، وبالقدر نفسه يدفعها باتجاه مزيد من الاعتماد علي حلفائها التقليديين وفي مقدمتهم الصين ومجموعة بريكس وبعض بلدان امريكا اللاتينية. ويظل السؤال معلقا: من يصرخ أولا في المباراة الدامية لعض الأصابع المؤلمة؟