أما البرقيات التي ترسلها السفارات فهي أقل من مستوي الوثائق، وإنما هي كما سبق الاشارة تنقل معلومة محدودة القيمة من حيث الزمان والمكان والمحتوي. وهي تعبرعن رأي أو وجهة نظر أو رؤية معينة ومن ثم فهي قرينة علي موقف وليست وثيقة ذات مصداقية. ولعل اكبر الفضائح المعاصرة هو تصريحات رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأن العراق لديه قدرة شن حرب نووية خلال 54 دقيقة. أو الأدلة التي استند اليها وزير الخارجية الأمريكي الاسبق كولن باول في اجتماعات مجلس الأمن بالاممالمتحدة حول قدرات العراق في اوائل عام 3002، وعرض ذلك بالصور علي شاشة في الاجتماعات للتدليل علي وجود اسلحة دمار شامل لدي العراق. وكانت هذه معلومات اعطيت له من الاستخبارات الأمريكية، ولكنها كانت معلومات مغلوطة وخاطئة وقد صدق عدد من الناس تلك المعلومات باعتبار مصدرها ومكانته،ولكن ابسط تحليل لذلك كان يوضح عدم مصداقيتها. ونفس الشيء وبالنسبة لما ذكره بلير والذي اتضح بعد ذلك استناده علي رسالة دكتوراه لباحث عراقي موجودة علي الانترنت،ولكن عضوا في المخابرات البريطانية بدون قصد أو بقصد تصور انها معلومات جديدة خطيرة. ولقد كتبت مقالامن قبل بعد اجتماع مجلس الأمن الذي تحدث فيه كولن باول عن اسلحة الدمار الشامل في العراق في يناير عام 3002م،وذكرت فيه عدم مصداقية ذلك الكلام ووصفته بأنه جزء من الخيال العلمي والرغبات وليس تعبيرا عن حقائق. بالطبع كان ذلك فخا نصب لاجهزة الاستخبارات الامريكية عن طريق العراق بسيارات تمويه خاصة. ولست ادعي انه كانت لدي معلومات موثقة تؤكد أو تنفي،ولكنني استخدمت اساليب التحليل العلمي السياسي، وخلصت لعدم قدرة العراق علي انتاج مثل تلك الاسلحة واستخدمت الانترنت لاستخراج رسالة دكتواره الباحث العراقي واستخدامت منهج الذكاء المنطقي logical Intelligence لمعرفة عدم مصداقية الادعاء بقدرة العراق علي شن حرب نووية خلال 45 دقيقة. . ما نسعي لإبرازه هو ان ما يسمي بآلاف الوثائق الأمريكية التي نشرها موقع ويكيليكس ليست بالوثائق العملية، وإنما برقيات دبلوماسيين في كثير من الاحيان ليسوا مؤهلين بدقة، أو يفسرون باهوائهم، أو يقعون في خداع المتحدثين اليهم، ولعل فضيحة ما سمي »بالرجل الثاني في حركة الطالبان« وتعامله مع عدد من المؤسسات الامنية الامريكية والاوروبية وحكومة كارازاي والتي كشف عنها النقاب منذ بضعة ايام مضت اي في أواخر نوفمبر 0102 خير دليل علي ذلك المنهج من الخداع وعلي عدم دقة بعض المعلومات الدبلوماسية أو حتي الاستخباراتية مهما حملت من معان كبيرة لدلالات الالفاظ حيث ان كثيرا من الالفاظ والمصطلحات تستخدم للتمويه أوفي غير مواضعها، وهذا نشير إلي علم دلالات الالفاظ وأهميته في البحث العلمي والدبلوماسي وضرورة فهم الدبلوماسي والباحث لطبيعة هذا العلم في تعامله مع غيره. واذكر واقعة عندما كنت قائما بالاعمال بالإنابة لوفد مصر في الاممالمتحدة أن حضر إلي احد الزملاء، وكان من هواة كتابة البرقيات الكثيرة، ومعه مشروع برقية خظيرة في معلوماتها عن »أسلحة إسرائيلية لحكومة جنوب افريقيا العنصرية« وطلب ارسالها للقاهرة كبرقية سرية حصل علي معلوماتها من موظفة دبلوماسية في وفد جنوب افريقيا،وبعد قراءة سريعة لها قلت له انني لا ارسل مثل هذا الكلام الذي لا معني له. فأثار ذلك دهشته وغضبه، ولكي اهديء من روعه وغضبه استخرجت من درج مكتبي جريدة النيويورك تايمز لذلك اليوم وكنت حريصا علي قراءة الصحف مبكرا، وقلت له هذا مصدرالمعلومات، وأن الدبلوماسية من وفد جنوب افريقيا قبل سقوط نظامها العنصري قد خدعته فاسقط في يده. هذه نماذج للتدليل علي ان ما سمي وثائق ويكيليكس ليست معظمها وثائق ذات قيمة أو مصداقية وإنما هي كتابات دبلوماسية رديئة المستوي لملء الفراغ الدبلوماسي احيانا من قبل دبلوماسيين أو حتي افراد استخبارات غير اكفاء بالقدر الكافي. كاتب المقال :باحث في الشئون الاستراتيجية الدولية