من أهم صفات العالِم الذكاء ، والذكاء نوعان : فيوجد الذكاء الفطري ، ثم الذكاء المكتسب، وفي جميع الأحوال فإن جميع البشر يتمتعون بملكات أساسية للذكاء، ولكن الذي لا شك فيه أن القدرات الذهنية للنوابغ والعباقرة قد تكون أعلي من غيرهم في نواح معينة ، تظهر في صورة استعداد متميز وتوجه واضح في النواحي العلمية ، وقدرات فائقة علي التحليل والربط والاستنتاج ، وهذا لا يقلل من القدرات الذهنية لبشر عاديين تمامًا ، قد يظهر من خلالها الذكاء في نواح أخري من الأنشطة والاهتمامات ، كما أن هذه القدرات الذهنية ليست بالفطرة فحسب ، بل إلي حد كبير فإنه يمكن تنميتها واستثمارها بالخبرات والتدريب والظروف المحيطة ، ومجالات الذكاء متعددة ، فكما يوجد الذكاء العلمي والرياضي، يوجد الذكاء الاجتماعي والذكاء السياسي والذكاء الحركي ، وغيره ، وقد تتوافر هذه النوعية من الذكاء عند بشر لا علاقة لهم بالعلم والرياضيات ، وقد تتناقص عند علماء أفنوا حياتهم في الاكتشافات العلمية والاختراعات ، ويمكن القول أن كل إنسان موهوب بطريقة معينة، والمهم هو اكتشاف هذه الموهبة ، ويُخطيء من يظن أن العالِم إنما أوتي موهبة فطرية فحسب ، بل إن العالِم يتميز بالقدرة علي العمل الشاق إلي الدرجة التي قد تنسيه نفسه، أحيانًا تنسيه الأكل والشراب وقد تنسيه أمورًا كثيرة في حياته بسبب الاستغراق الشديد في العمل ، هذه الصفة المؤكدة في حب العمل إلي درجة العبادة هي جواز المرور إلي نادي العلماء ، فلا يمكن أن يكون العلم مهنة ، ولا البحث العلمي وظيفة ، فإن الأمر يختلف تمامًا عندما نتكلم عن العلم ، إنه استحواذ Obsession يسيطر علي العالِم ، ويجد فيه متعة لا تعادلها متعة ، ولا يعادل ذلك إلا متعة الطفل ، وهو يلهو بلعبة جديدة محببة إلي نفسه ، تتملك عليه شعوره ، وتسيطر علي وجدانه ، فهذا العشق الشديد هو الذي يزيح عن كاهل العالِم مشقة العمل وتعب البدن ، ويضحي من أجله بكل شيء حوله ، ولأن العالِم يتعامل مع الحقائق فلا يمكن أن يكون الإنسان الذي ينتمي إلي العلم كاذبًا، لأن العلم لا يحتمل الافتراء أو التقول أو الخداع أو الغش ، والعالِم يعيش علي سمعته ، فإذا اقترنت سمعة العالِم بالشبهات لفظه المجتمع العلمي للأبد ، فلا يمكن أن تقوم له قائمة بعد ، فالعالِم إذا وعد أوفي ، وإذا تحدث صدق، والعالِم شديد النقد لذاته ، يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون، فهو شديد الحذر ، ويخشي علي سمعته بين أقرانه العلماء ، وإذا اطمأن العالِم وتواكل وتراخي قاده ذلك إلي الفشل الأكيد، أما إذا ظل حذرًا ، فإن فرصة نجاحه تزداد،ويتميز العالِم بالإرادة والعزيمة والمثابرة والصبر وطول البال والدآبة ، فلا ييأس ولا يضجر ، ولا يكل ، ولا يمل ، لقد ظلت هودكين Hodgkin تبحث في تركيب جزيء الإنسولين ثلاثين عامًا متصلة فالتفوق في المثابرة ، وعندما ينشغل العالِم بموضوع معين فإنه يسيطر عليه ، ويفكر فيه في كل الأوقات ، بل يؤرقه أحيانًا ويستكمل التفكير فيه حتي بين النوم واليقظة ، فإذا ما اهتدي إلي حل معين فإنه قد يقفز من سريره ويذهب ليكتبه ، ويتميز العالِم باحترام الدقة Precision في كل شيء : في الوصف ، وفي القياس ، وفي خطوات العمل ، وفي الاستنتاج ، والدقة انعكاس لعقل مرتب ، إلي جانب مهارة عالية في الأداء ، والدقة تتطلب الاستعداد ، وتُنميَّ بالتدريب ، ويتميز العالِم بدقة الملاحظة ودقة التعبير ، فالعالِم يهتم بأدق التفاصيل في الرصد ، والشرف من أهم الصفات التي يتميز بها العالِم ، وشرف المهنة وقدسية الانتماء لمجتمع العلم تتطلب من الإنسان مستوي عاليًا من الأخلاقيات Honor System والعالِم الحق لا يغتاب، ولا يثرثر ، فلا وقت عنده لذلك ، والعالِم الحق لا يخون ولا يغدر ، ولا يتهم بغير دليل ، ولا يحكم بالمظاهر وعنده من النزاهة ما يجعله حكمًا عادلاً أمينًا في كلامه وعمله ، ولا شك أن العالِم يأخذ مقابل عمله وتعبه ، وذلك في انتصاره ، ولا يتكالب علي متاع زائل ، لأن العالِم الحق يري نفسه أعلي قيمة من كنوز الدنيا ، فهو يحترم نفسه ، ويعرف قيمتها ، لا ينافق ولا يتذلل ، ولا يتقرب ، ولا يتكالب علي مكاسب أو مصالح شخصية ، ومن صفات العالِم العطاء والإغداق في العلم وتقديم يد العون ، فليس من صفات العالِم البخل والشح لقد كان أبو بكر الرازي يغنيّ لمرضاه ، وينفق عليهم ، ويتمتع العالِم بقدرة علي الرؤية Vision وعنده قدر كبير من الخيال الذي يدفع إلي الطموح والإنجاز ، ولقد كان هذا الخيال السبب في كثير من الاختراعات ، وقد يكون ملهم هذا الخيال حادث عابر أو أمر بسيط ، ولكنها عقلية العالِم التي تتفاعل بحساسية شديدة مع كل ما يجري من حوله ، ويتميز العالِم بقدرة عالية علي التركيز Concentration بحيث يصب اهتمامه علي موضوع معين ، ولا يتشتت في أمور عديدة ، هذه القدرة العالية علي التركيز تعطي العمل العلمي الإطار الجاد اللازم ، وهو الشرط الحقيقي للنجاح ، والعالِم الحق لا يعرف التعصب لدين أو لجنس أو لون أو مذهب ، بل لا يعرف حتي التعصب لفكرة فعنده من رجاحة العقل وسعة الأفق والسماحة Tolerance ما يجعله يقبل الآخر ، ويتقبل الاختلاف فالعالِم يحسن الحوار لا الشجار ، والعالِم يناقش زميله بطريقة موضوعية ، ويكون عنده الاستعداد لتغيير مواقفه واقتناعاته ، ولا يتشبث برأيه ، ولا يعرف اعتبارات الكبرياء والكرامة في الرأي ، بل يقبل تغيير قناعته ، حتي مع تلاميذه ، أو من هم أقل شأنًا منه ، وهذه هي ديموقراطية العلم، فالعلم ليس له كبير . كاتب المقال : المشرف علي قطاع الموهوبين بمركز سوزان مبارك الاستكشافي للعلوم