تعتبر الذرة من أهم المحاصيل الغذائية في العالم وهي ثالث محاصيل الحبوب بعد الأرز والقمح من حيث المساحة المزروعة وكمية المحصول العالمي. وتأتي الولاياتالمتحدةالأمريكية في مقدمة الدول المنتجة له حيث تنتج وحدها أكثر من نصف المحصول العالمي وتليها الأرجنتين والصين والبرازيل وأوكرانيا وروسيا. وفي مصر تعد الذرة الشامية والذرة الصفراء والذرة الرفيعة من محاصيل الحبوب الرئيسية لأهميتها في تغذية الإنسان والحيوان والدواجن وصناعة النشا وتدخل في صناعة الأعلاف النباتية كمكون رئيسي تصل نسبته إلي 70٪ كما تدخل أيضا في صناعة الرغيف البلدي المدعم بنسب تتراوح بين 10 - 20٪ بقرار لوزير التموين الأسبق ولكنه أصبح غير مُفعل من عدة سنوات. وطبقا لهذه النسبة من الذرة كمكون في الرغيف البلدي المدعم في حالة إعادة تفعيله ومن خلفية أن ما يطحن شهريا من القمح لإنتاج الرغيف البلدي يبلغ 750 ألف طن شهريا بإجمالي 9 مليون طن سنويا (معرضة للزيادة خلال الفترة القادمة بسبب تراجع معدلات الدخول أمام الغلاء وأيضا بسبب الزيادة السكانية بمعدل 1.8 ملايين نسمة سنويا)، فيكون إجمالي الكميات المطلوبة حاليا من الذرة لهذا الغرض يتراوح بين 900 ألف طن لنسبة 10٪ للخلط مع القمح إلي 1.8 مليون طن سنويا عند الخلط بنسبة 20٪ فقط لقطاع المطاحن والمخابز، وهو ما لم يتوافر توريده لهيئة السلع التموينية خلال السنوات العشر الماضية. يبلغ إنتاج مصر من الذرة الشامية نحو 6 ملايين طن سنويا في حين تقدر احتياجات البلاد بضعف هذا الرقم كما وأن الكميات الموردة من الذرة خاصة الصفراء لمصانع الأعلاف النباتية قليلة ولا تفي بمتطلبات واحتياجات السوق المحلي لذلك تقوم مصر باستيراد كميات سنوية من الذرة الصفراء تتجاوز 5.5 مليون طن، تصل إلينا وأغلبها من الولاياتالمتحدة والأرجنتين وروسيا وأوكرانيا تصل منزوعة الجنين لاستخدامه في بلاد المنبع في إنتاج زيت الجنين والمقويات والمنشطات التي تحتاجها شركات المنتجات الدوائية. ومن حيث دخول الذرة في صناعة الخبز فمن قديم الأزل كان ينتج الخبز من دقيق الذرة فقط أو من دقيق الذرة بعد خلطه مع القمح أو مع الحلبة أو مع كليهما، وما زالت العديد من البلدان مثل المكسيك ودول غرب أفريقيا تفضل إنتاج الرغيف من الذرة فقط وأحيانا من الذرة المختلطة بالقمح أو الشعير حتي أن بعض دول غرب أفريقيا يصنعون الخبز أيضا من دقيق الموز الأفريقي ومن البطاطا والبطاطس والكاسافا (وعلينا إجراء تجارب علي إدخال البطاطس والبطاطا في إنتاج الرغيف المدعم) وبالتالي فليس هناك ما يلزم من أن يكون الخبز مصنعا من القمح فقط بل الأمر يتوقف علي عادات الشعوب. وعلي المستوي المحلي وفي صعيد مصر كان الرغيف الشمسي المنتج من دقيق الذرة فقط هو السائد حتي سنوات قليلة وما زال العيش البتاو الذي يدخل فيه الحلبة أيضا بجانب الذرة والقمح منتجا حتي اليوم. هذا الأمر لتدارك كل ما قيل بشأن أن إلغاء خلط دقيق الذرة مع القمح كان بغرض تحسين مواصفات الرغيف وهذا أمر غير صحيح لأن هناك العديد من الفوائد التي تعود علي الاقتصاد المصري من هذا الخلط حيث أن وجود دقيق الذرة مخلوطا في المطاحن مع دقيق القمح يجعل هذا الدقيق غير صالح لإنتاج المخبوزات الفاخرة "الأفرنجية" والمكرونة ورغيف الرصيف الأبيض الحر وبالتالي كان يمنع تماما تهريب الدقيق المدعم إلي هذه المصادر بعد إعادة نخله لتحويله إلي دقيق زيرو. ويمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي من كل من الذرة الشامية والذرة الصفراء للأعلاف ومعهما الذرة الرفيعة بسهولة حيث أن المساحة المزروعة من الذرة في مصر لا تتجاوز 1.6 مليون فدان من إجمالي مساحة متاحة لزراعة المحاصيل الصيفية حوالي 7.2 مليون فدان، ومعها مقترح بزراعة 1.4 مليون فدان بالأرز و750 ألف فدان بالقطن ونحو 1.5 مليون فدان بمحاصيل الزيوت والمطلوب أن نصل بمساحات زراعات الذرة بمختلف أنواعها إلي 3.5 مليون فدان وهذا أفضل كثيرا من ترك الأراضي لتزرع بلب القزقزة والفول والسوداني بمساحات وصلت إلي مليون فدان في صيف 2010 نتيجة لخلو الموسم الصيفي من الزراعات المربحة باستثناء الأرز ومشاكله الكثيرة مع الدولة لنعدل السياسة الزراعية المصرية بشأن "ما نزرع وما نحتاج". بالإضافة إلي ذلك يجب أيضا إرغام مستوردي الذرة الصفراء بالتعاقد مع لجنة الحبوب التابعة لوزارة الزراعة لزراعة نصف ما يستوردوه منها علي الأقل وألا نسمح أبدا باستيراد كامل احتياجاتنا من الذرة وترك الأراضي الزراعية المصرية بورا في العروة الصيفية التي تعاني من الفراغ ومن عدم وجود زراعات مربحة. كما يمكن أيضا النظر في زراعة بعض احتياجاتنا المستقبلية من الذرة في السودان ودول حوض النيل إذا ما تمت الشراكة الزراعية مع أي منها، أو في مشروعات الاستصلاح العملاقة في أراضي سيناء لزمام ترعة السلام أو مشروع الساحل الشمالي الغربي ثم في توشكي وشرق العوينات والأخيران يفضل زراعتهما بالذرة الرفيعة حيث تتطلب الذرة الشامية رطوبة نسبية مرتفعة لا تتوافر في مناخ جنوب مصر الذي تنخفض فيه نسبة الرطوبة صيفا وترتفع فيه شتاء بخلاف مناخ شمال مصر والدلتا والسواحل الشمالية الذي ترتفع فيه الرطوبة صيفا لتصل إلي 90 أو 100٪. كاتب المقال : أستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة