أتابع منذ سنوات مشكلة أموال التأمينات التي تستحوذ عليها وزارة المالية أولا بأول .. والجدل الذي نراه علي صفحات الجرائد بين مسئولين من الجهتين.. وبين نقابيين ومسئولين. وتصريحات للخبراء حول مديونية وزارة المالية للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي .. وإختلاف الأرقام المعلنة من كل جهة عن الأخري .. والغريب أن نري المسئولين من المالية أو التأمينات يصرحون بأن هناك صعوبة في تحديد حجم هذه المديونية .. ويلجأون إلي خبراء إكتواريين لحساب الأرصدة المتراكمة لدي وزارة المالية .. ومنذ أن أنشيء بنك الاستثمار القومي لا نجد أي نوايا حسنة من الحكومات المتتالية تجاه أموال التأمينات .. أو إستثمارها في أوجه تعود بالفائدة علي أصحابها.. ودائما نجد مسئولي التأمينات يقفون موقف الضعيف أمام جبروت وزراء المالية في الحكومات السابقة .. وأبرزهم وزير المالية الهارب الذي كان يخطط للاستيلاء علي هذه الأموال منذ أن عين وزيرا للاقتصاد في بداية الألفية الحالية .. وتغيرت الوزارات والوزراء بعد الثورة .. وجاء وزير التضامن الاجتماعي الدكتور الثوري أحمد البرعي المنحاز لأصحاب المعاشات والمواطن البسيط ليتحمل علي عاتقة مسئولية إسترداد أموال التأمينات قبل أن يترك تلك الوزارة .. ويضعها من بين أولويات العمل في أجندته .. وبالفعل أجري العديد من الاتصالات والمفاوضات مع الدكتور أحمد جلال وزير المالية لاتخاذ خطوات جادة في هذا المجال .. وفي نهاية الأسبوع الماضي أعلن الدكتور البرعي عن توقيع بروتوكول بين التأمينات والمالية يتضمن حجم المديونية التي توصلت إليها اللجنة المشكلة لهذا الغرض .. والحقيقة أنني تعجبت من الرقم الذي تم إعلانه - أقل من 400 مليار جنيه - رغم أن مساعد وزير المالية الهارب كان قد أعلن في وقت سابق عن تفصيلات أكثر من ذلك .. وبعد قليل من التفكير تساءلت كيف يحدد المدين حجم مديونيته ويكون له اليد العليا في تحديدها .. بينما يلتزم الدائن بالصمت ولا يناقش الرقم الذي حدده المدين ؟ .. وكيف لا يتضمن هذا الاتفاق معدل العائد علي هذه الأموال ؟ .. رغم أهميته في هذه المرحلة .. وبعد تأمل أكثر طرحت علي نفسي تساؤلا أبعد من ذلك .. ألم تحول هذه الأموال من صناديق التأمين الاجتماعي سنويا إلي بنك الاستثمار القومي تارة وإلي الخزانة العامة تارة أخري ؟ .. لماذا لا يطلب وزير التضامن الاجتماعي من رؤساء صندوقي التأمين الاجتماعي حصر المبالغ المحولة سنويا من دفاتر الشئون المالية في الصندوقين ؟ .. وبتجميع هذه المبالغ نصل إلي أرقام مؤكدة لحجم مديونية وزارة المالية للهيئة بصندوقيها .. وهذه ألف باء حسابات .. لماذا لا يدقق الدائن الأرقام التي يفرضها عليه المدين ؟ .. ومن ناحية أخري .. كيف يتحمل الدائن تكلفة التضخم والتي تمثلها تكلفة العلاوات الاجتماعية المقررة من الدولة سنويا بقوانين لمواجهة الارتفاع في نفقات المعيشة ؟ .. كما أنه من المعروف إقتصاديا أن هناك قيمة زمنية للنقود .. نعبر عنها بمعدل الفائدة علي القروض .. فلا شك أن المديونية التي نتكلم عنها اليوم هي أرصدة متراكمة لقروض إقترضتها الحكومات السابقة من هيئة التأمينات .. فكيف نتجاهل معدل العائد علي هذه الأرصدة ؟ .. أم أن هناك من يمثل يوسف غالي في وزارة المالية حتي الآن ؟! .. رسالتي للدكتور أحمد البرعي لإعادة النظر في حجم المديونية التي وضع لها مبدأ تحت العجز والزيادة في البرتوكول الذي تم توقيعه, وضرورة تحديد معدل العائد المناسب عليها وإثباته فهذه حقوق أصحاب الأموال .. والله المستعان .