تناولنا في المقال السابق تطور خطاب أوباما إلي العالم الإسلامي بمناسبة خطابه الثاني من علي منبر الجامعة الأندونيسية في جاكرتا بعد خطابه الأول من علي منبر جامعة القاهرة في العام الماضي.. وكالعادة في حالة خطابات أوباما تنبري الأقلام لتحلل ما يقوله خاصة وأنه أصبح ظاهرة خطابية استثنائية، ومن هذا المنطلق أرصد طبيعة ذلك الخطاب وكذلك طبيعة التحليلات التي كتبت بخصوصه حيث أجري موقع FAITH WORLD تحليلا مقارنا بين خطاب أندونيسيا 0102 وخطاب القاهرة 9002 فرصد مايلي من حيث تردد وكثافة المفردات، ذاكرا مايلي: (1) ان خطاب اندونيسيا كان في أغلبه عن أندونيسيا وليس كما كان خطاب القاهرة، والذي وصفه الزميل الدكتور سيف عبدالفتاح الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية انه كان خطابا سياسيا جغرافيا أو في الجغرافيا السياسية للعالم الإسلامي، حيث كان من يسمعونه يركزون علي انه قال الكلمات والمصطلحات من مكان إلي آخر فحينما كان يذكر مثلا شيئا عن عدم السماح بأن تتعرض إسرائيل لخطر الهجوم عليها، كان يهمس الجالسون.. فيقولون انه الآن انتقل ليشير لتهديدات أحمد نجاد، ثم يهمسون إلي انه انتقل ليشير إلي سوريا ثم بعد ذلك إلي انه قد عاد للقاهرة ثانية، ثم إلي الإسلام في أوروبا وأمريكا إلي آخره.. إلا أن خطاب أوباما من أندونيسيا لم يكن في الجغرافيا السياسية عبر العالم الإسلامي كما كان خطاب القاهرة، إلا انه كرر فيه نفس العبارات الرئيسية في خطاب القاهرة، علي أساس انه في اتجاه بداية جديدة مع العالم الإسلامي، وأنه لا يمكن لخطاب واحد أن يغير سنوات من عدم الثقة بين أمريكا والعالم الإسلامي. (2) إن أوباما ركز علي مفردات علمانية علي حسب وصف بعض التحليلات مثل »مفاهيم الديمقراطية وتحقيق التقدم والتنمية. وقد خلا خطابه من أي آيات قرآنية. كما كان الأمر في خطاب القاهرة، وأن تحية الإسلام »السلام عليكم« كانت في بداية خطابه في القاهرة، ولكنها جاءت في نهاية خطابه في أندونيسيا. (3) ركز أوباما علي حياته التي أمضاها »4 سنوات من عمره« في جاكرتا ذاكرا الكثير من المفردات الأندونيسية التي تستخدم في الشوارع وفي الحياة اليومية، وقد لقي ذلك تصفيقا وترحيبا كبيرا من الجمهور الأندونيسي. كما ركز أوباما عن سعادته لكي يتحدث من دولة كبيرة مثل اندونيسيا التي انتقلت من الحكم الديكتاتوري إلي الحكم الديمقراطي لتقدم نموذجا يحتذي به في العالم الإسلامي ووصفها بأنها ديمقراطية صاعدة ذات خصوصية اندونيسية بعيدا عن حكم القبضة البوليسية، سعيدا بالأهمية الخاصة للديمقراطية، حتي وإن جاءت بما لا تشتهي النفس وكان يلمز بذلك إلي ما حدث لحزبه في الولاياتالمتحدة مؤخرا وصعود الجمهوريين، إلا أنه أكد ان علينا أن نحتفي بفكرة الديمقراطية بغض النظر عمن ستأتي به أو بهم. (4) شهد هذا الخطاب استخدام كلمة »إسلام« كمرادف لكلمات »الدين« و»الإيمان« أيا كان الدين. (5) تردد في خطابه عند ذكر الشرق الأوسط لمفردات الفلسطينيين والإسرائيليين و»العنف« و»السلام« وكذلك الدعوة إلي قيام دولة فلسطينية تعيش إلي جوار إسرائيل في سلام وأمن. حاول أوباما أن يظل خطابه من علي منبر الجامعة الأندونيسية كما كان في طبيعته من علي منبر جامعة القاهرة، خاصة فيما يتعلق بتعهده القوي بأن يحقق السلام ومشروع الدولتين، إلا انه في خطابه الأندونيسي استخدم مفردات مثل »انتكاسات« و»عوائق السلام« والحاجة إلي »جهد كبير للتغلب علي العقبات«.. وانتقدت الكثير من التحليلات في الواقع الأمريكي والدولي عدم وجود تصورات واقعية وملموسة علي أرض التفاعلات، ذاكرة التحديات العلنية لنتنياهو بخصوص الاستمرار في الاستيطان الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية واتهمت أوباما بالضعف السياسي الشديد في مواجهة التعنت والتسلط الإسرائيلي وأنه كان ولايزال يفضل »الخطاب الدبلوماسي الفضفاض« بدلا من النزول إلي معتركات السياسة الحقيقية لتنفيذ ما تبقي من رؤيته المثالية، خاصة علي صعيد التفاعلات الأمريكية الإسرائيلية التي رأها البعض انها في النهاية موالية لإسرائيل علي طول الخط وأن توجيه كلام إلي الطرفين بنفس الأسلوب من المناشدة يمثل نوعا من التمييز السياسي وازدواجية المعايير في معاملة الاحتلال غير الشرعي لشعب يعاني أسوأ المعاناة تحت تسلط وعبثية المحتل الذي لايزال يصور بشكل أو بآخر علي أنه »الضحية« وليس علي كونه قوة احتلال نووية لاتزال خارج القانون الدولي وكل حسابات المنطق والعدل الذي بدونهما وبدون الضغط الأمريكي في الاتجاه الصحيح لتحقيق فكرة الدولتين، فإن الأوضاع ستكون مرشحة للعودة إلي المربع رقم واحد أو ناقص واحد.