لا يمكن لأحد أن يزعم أن الاتهام الموجه للولايات المتحدةالأمريكية بتبنيها سياسة ازدواج المعايير يتسم بالتحامل والتجاوز ولكنه وللأسف الشديد حقيقة مؤلمة تكشف عنها كل يوم سلوكيات دولة القطب الواحد التي خاصمت العدالة والشرعية وحقوق الإنسان من أجل عيون الصهيونية العالمية وعدوانية إسرائيل. أصبح هناك إيمان عميق بعدم وجود أي فرق بين سياسة رئيس ورئيس حيث كان الجميع تحكمهم استراتيجية واحدة وهي الولاء للصهيونية وإسرائيل باعتبار أنها تري ان ذلك يخدم مصالحها أو انها واقعة تحت سيطرتها ولا تملك من أمرها شيئا. كل يوم تؤكد واشنطن هذا الواقع دون خجل ودون أي اعتبار لقرارات الشرعية الدولية التي تمثل الرأي العادل للأغلبية الساحقة من دول العالم. ليس أدل علي هذا الموقف الأمريكي المخزي من تعاملها مع قرارات منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة والمنوط بها الحفاظ علي الثقافة والتراث الإنساني بعيدا عن السياسة ومساخرها.. لقد مارست دولة القطب الواحد التي من المفروض ان تكون قدوة للجميع كل أنواع الضغوط علي هذه المنظمة العالمية لمنعها من اتخاذ عدد من القرارات التي تتوافق ورسالتها في الحفاظ علي مقومات التراث الإنساني العالمي. هذه القرارات تتعلق بممارسات اسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. تشمل هذه القرارات الموجهة ضد اسرائيل أعمال الحفريات المجنونة وغير المشروعة تحت المساجد الاسلامية في القدسالمحتلة وفي المسجد الأقصي وكذلك الأوضاع التعليمية المتردية لسكان الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة بالإضافة إلي ما يتعرض له تراثها الثقافي من انتهاكات. تركزت هذه الضغوط في مرحلتها الأولي علي المطالبة بتأجيل التصويت بحجة ان ذلك يمثل احراجا لجهود إدارة أوباما في دفع جهود السلام. وجاء هذا المطلب مغلفا بتهديدات أمريكية لوقف المساهمة في موازنة اليونسكو إذا ما تمت عملية التصويت.. ويجري صراع داخل هذه المنظمة الدولية بين المجموعة العربية وأمريكا من أجل تمرير هذه القرارات ذات السمة الثقافية باعتبارها كاشفة لطبيعة اسرائيل رغم ادراك الجميع أنه لن يكون له أي تأثير علي توجهاتها العدوانية المتأصلة والتي لا تحترم أية قرارات للشرعية الدولية. وعلي الرغم من الضغوط والنفوذ الأمريكي ومن ورائها الحلفاء الدائرون في فلكها والتابعون فإنه وبعد التصويت الايجابي بالأغلبية علي هذه القرارات يمكن القول بأن العالم مازال فيه دول لها قيم وأخلاق ومثل عليا تحترم الشرعية والمشروعية غير هذه الدول التي خيبت الآمال بخضوعها للصهيونية وربيبتها اسرائيل. ويعد اقرار هذه القرارات من جانب اليونسكو نجاحا للمجموعة العربية التي كانت قد كلفت كلا من مصر والسعودية والمغرب لاجراء الاتصالات اللازمة لشرح وجهة النظر العربية والإسلامية للدول أعضاء اليونسكو فيما تقوم به اسرائيل. ويعد تمرير القرارات بالتصويت استبعادا لفكرة التوافق التي كانت سائدة والتي ثبت بالتجربة انه لا قيمة لها حيث كانت تؤدي إلي تمييع المضمون والاهداف المرجوة. اضافت القرارات إلي ذلك تعيين ممثل لها في القدس العربية لمراقبة مدي تجاوب اسرائيل مع هذه القرارات. ورغم أن العالم كله يدرك ان اسرائيل لن تلتزم بهذه القرارات استنادا إلي دعم ومساندة واشنطن إلا أن ذلك لن يوقف كشف المزيد من عنصرية وعدوانية اسرائيل وكلها نقاط تحسب ضدها إلي أن يأتي يوم الحساب عندما تفيق الولاياتالمتحدة من غمامة الظلم والتواطؤ وترفع عن هذه الدولة السفاح حصانة حمايتها.