هل تقبل أن تزوج ابنتك لشاب كانت أمه سجينة؟ هل ترحبين بمربية لأطفالك تحمل لقب »سجينة سابقة«؟ ، هل توافق علي أن تلحق عاملة بمصنعك أو شركتك مكتوب في بياناتها أنها من أصحاب السوابق؟. هذه هي أسئلة »سجينات الفقر« الصعبة التي في الغالب الأعم لا تلقي إلا إجابة واحدة قاطعة وحاسمة: بالطبع .. لا. وهذه هي القضية التي يجب أن نناقشها والملف الجدير بأن نفتحه ونكشف أسراره وخفاياه. لماذا تدافعين عن هذه الفئة الغريبة وما الذي يدعوك إلي إهدار وقتك في هذه القضية الصعبة والشائكة؟ سؤال متكرر يقابلني منذ سنوات طويلة عندما بدأت حملتي الصحفية في سجن القناطر للنساء واكتشفت حقائق صادمة ومآسي رهيبة داخل هذا المكان المليء بكل تناقضات البشر . في عالم السجون هناك القوي وهناك الضعيف. السجينة الثرية تطلب من الفقيرة أن تعمل لديها بأجر داخل السجن تماماً كما يحدث خارج السجن ، عشت مع السجينات وحكاياتهن منذ أن تحولت الحملة الصحفية التي خضتها علي صفحات الأخبار إلي قضية حياتي التي أدافع عنها بكل قوة. استمعت إلي حكايات أقوي من أعتي أفلام الميلودراما واكتشفت أن السجينة ليست بالضرورة مجرمة أو منحرفة أوإنسانة غير سوية. التقيت نساء في قمة البؤس رمي بهن القدر إلي هذا المصير وكان القاسم المشترك في حكاياتهن هو الفقر وتوأمه الجهل. وشعرت أنهن من المفترض ألا يتم عقابهن وتشريد أطفالهن لأنهن ببساطة غير مذنبات من وجهة النظر المنصفة. . تلك الفئة من السجينات هن اللاتي تعثرن في سداد ديون بسيطة لشراء أجهزة كهربائية لأولادهن وتم استغلالهن من قبل تجار خلت قلوبهم من الرحمة فاستغلوا حاجاتهن وجهلهن وجعلوهن يوقعن أو يبصمن علي شيكات بالأقساط بمبالغ تتجاوز كثيراً ثمن التليفزيون أو الثلاجة أو الغسالة التي اشترتها هذه السيدة. ويحدث أن تتعثر السيدة الفقيرة في سداد بعض الأقساط نظراً لظروفها الصعبة فيقدم التاجر تلك الشيكات إلي النيابة وتصدر المحكمة حكمها بالسجن. من أجل هؤلاء فكرت منذ عام 2007 في مشروع »سجينات الفقر« من خلال الجمعية التي أسستها »جمعية رعاية أطفال السجينات« وبفضل الله والقلوب المليئة بالحب حررنا حوالي 70 سجينة حتي الآن. أعود إلي الأسئلة الصعبة التي طرحتها في أول المقال وأقول إن الإفراج عن هؤلاء السجينات لم يكن نهاية الظلم الذي تعرضن له ، فقد واجهت الكثيرات منهن ظلماً أشد عندما أصبحن يحملن وصمة »سجينة سابقة«. فلم يغفر لهن المجتمع هذا بل واجهن نبذاً ونفوراً حتي من أقرب الناس وقابلن أبواباً مغلقة للرزق الحلال وكأن المجتمع قرر أن يعاقبهن مرتين ،مرة بالسجن ومرة بالرفض. ولم تجد السجينة السابقة بارقة أمل لتبدأ حياتها من جديد بعد تلك الفترة المريرة التي دفعتها من عمرها. لذلك فكرنا في جمعيتنا أن نبدأ مشروعاً جديداً تحت اسم "حياة جديدة" ومن خلاله سوف نقيم ورشة للتدريب والتشغيل داخل سجن القناطر تشرف عليها مدربات للخياطة والتطريز وصناعة الحلي وورشة أخري خارج السجن لتدريب وتشغيل السجينات المفرج عنهن ولا يجدن طريقاً شريفاً للحياة. وهذه دعوة مفتوحة لكل القلوب المليئة بالحب لتشاركنا هذا العمل النبيل.