هل سمعتم عن هذا السوق من قبل؟ إنه السوق الأكثر انتعاشاً وحركة في مصر الآن. السوق .. أي سوق عبارة عن تجار وزبائن، التجار يبيعون ويكسبون والزبائن يشترون و..و يسجنون ! . في هذا السوق الذي يكبر يوماً بعد يوم، تلجأ الفقيرات إلي شراء احتياجات أسرهن الأساسية بالتقسيط أو تحاول الواحدة منهن أن تفك أزمة زوجها المريض وتسدد ديونه فتشتري بعض البضائع من تاجر جملة بعد أن يوافق علي تسديد ثمنها علي أقساط وما يحدث هو أن يكتب التاجر إيصالاً بالمبلغ كله وربما ضعفه، ثم إيصالات أخري بقيمة كل قسط علي حدة، ويطلب من المرأة الفقيرة التوقيع علي كل هذه الإيصالات كما يطلب أن يكون هناك ضامن أو ضامنة توقع معها عليها.. ولأن الحياة في مصر قاسية علي هؤلاء وتزداد قسوة يوماً بعد يوم مع اشتعال أسعار كل شيء، وقلة الدخل في كل عمل أو حرفة تستطيع هذه السيدة القيام بها. تتعثر المرأة في السداد فيقدم التاجر الإيصالات إلي النيابة التي تقوم باستعدائها وينتهي بها المطاف إلي السجن. هذا يحدث يومياً في بلادنا عشرات بل مئات السجينات اللاتي يقضين سنوات طولا من أعمارهن وتتشرد أسرهن وأطفالهن بسبب الفقر الذي لو كان رجلاً لقتلته !.. حكايات تمزق القلوب ودموع تملأ بحورا تسكبها نساء كن ضحايا في سوق الفقر وهن لا يملكن حولاً ولا قوة، للخروج من هذا الكابوس الذي اكتسح حياتهن ودمرها، من أجل هؤلاء فكرت في مشروع "سجينات الفقر" الذي تبنته جمعية رعاية أطفال السجينات منذ عام 2007 وحتي الآن. "أسماء حمد" هي أحدث سجينة تم تحريرها من سجن الفقر. ولدت وعاشت في ملوي بمحافظة المنيا تزوجت رجلاً أرزقياً ورزقت منه بثلاث بنات، فكرت أن تساعد زوجها الفقير فاشترت بعض الملابس الجاهزة من تاجر جملة وبدأت مشروعها الصغير ببيع هذه الملابس لأهل البلدة التي تعيش بها وسارت الأمور بشكل مقبول إلي حين فكانت تكسب من بضاعتها حوالي 200 جنيه في الشهر، تنفق منها علي بناتها ومتطلبات بيتها البسيط، تطلب منها جارتها أن تعرفها علي التاجر وتأخذ الجارة بضاعة وتضمنها أسماء ، وفجأة تختفي ! تحاول أسماء ان تنقذ نفسها وأسرتها من هذا الفخ الكبير، لكنها لا تستطيع، تشتري بضائع أخري حتي تسدد الأموال التي يطالبها بها التاجر فتتعدد الديون ويتأزم الموقف، وفجأة تجد نفسها في سيارة الترحيلات. محكوما عليها ب23 سنة سجنا في قضايا مختلفة !.. بفضل الله وأهل الخير استطعنا أن نسدد للدائنين المال المطلوب وتم الإفراج الأسبوع الماضي فقط عن "أسماء" بعد ثلاث سنوات ونصف السنة في سجن المنيا وأنقذناها من عشرين سنة أخري كان عليها أن تقضيها حبيسة في سجن الفقر!