فرج أبو العز لنتخيل الحياة دون مياه فيما لو لم نجد النيل.. هل نستبدل نشيد النيل نجاشي بالنيل مجاشي.. وهل سيكون من حقنا أصلا الغناء؟ انتشاء غريب يهز مشاعرنا مع وجود الرئيس مرسي في أثيوبيا لعله يجد حلا للتأثيرات السلبية المتوقعة علينا من سد النهضة هذا المشروع الذي نتحدث عنه منذ سنوات لكن تحركاتنا علي أرض الواقع لم تصل إلي خطورة تهديداته علينا وكأنه مثل شكة دبوس.. فجأة جاء غضب النيل بإعلان اثيوبيا عن بدء تنفيذ المشروع بتحويل مجري النيل الأزرق الذي يمدنا بنحو 80 ٪ من احتياجاتنا المائية. منذ القدم وعرف أجدادنا الفراعنة قدسية النيل وكانوا يقدمون له القرابين وما أسطورة عروس النيل سوي نذر يسير من اهتمامهم بشريان الحياة لكننا لم ندرك ذلك ولم نع الدرس.. لوثناه وحصرنا مياهه وأهدرناها والغريب والعجيب أننا لم نتحرك لحماية مصالحنا فيه.. بل أن وزير الري قال في إثيوبيا إن مصر لم تعترض يوما علي سد النهضة.. ورغم تراجعه مع ردود الأفعال الغاضبة علي تصريحاته فإن تعاملنا مع هذا الملف أبشع من صفر المونديال. كان علينا من وقت مبكر أن نأخذ القضية بلا تهويل أو تهوين فالقضية تمس حياتنا وليس بعدها شيء آخر وكان علينا التعامل باحترافية بدلا من تكرار أمجاد الماضي التي راحت في خبر كان.. علينا التشبث بمصالحنا في مياه النيل بالمزيد من دعم التعاون مع دول الحوض والأهم من ذلك البحث عن البدائل في ظل نقص متوقع بدرجة كبيرة في مواردنا المائية.. ومن المهم هنا عدم التلويح بالحل العسكري فهذا أسلوب عفا عليه الزمن وأكل عليه الدهر وشرب وذهب لذمة التاريخ حتي من أعتي الدول وهي أمريكا.. القول بالتأثير علي الدول الممولة للمشروع لا جدوي له ومثل الحرث في الماء وعلينا بدلا من ذلك أن نعرف من أين تؤكل الكتف فهناك دور ملموس لإسرائيل في فكرة وتنفيذ بل وتمويل هذا المشروع.. فهل نفيق؟ لنتخيل الحياة التي من الممكن أن نعيشها دون مياه فيما لم نجد النيل.. هل نستبدل نشيد النيل نجاشي بالنيل مجاشي.. وهل سيكون من حقنا أصلا الغناء؟ لا أظن فحديث الامتداد الطبيعي الجغرافي والهوية الإفريقية لم يعد يجدي فالأهم الآن هو منطق المصالح. قط كاروهات وسط هذا الكم من المشاكل الحياتية اليومية التي نواجهها يؤلمني ما وصلنا إليه من تناحر واقتتال والغريب أن الأطراف جميعها تنشد السلطة بغض النظر عن الهدف الذي هو في النهاية وكما يجب أن يكون لصالح المواطن بل الإنسان بشكل عام.. عامان مرا علي ثورة يناير المبدعة بشهادة العالم أجمع ولن نصل إلي شيء بل تدهور حالنا اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وأصبحنا في حالة يرثي لها نستجدي القروض والودائع لتلبية احتياجاتنا اليومية.. لماذا لا نستحضر التاريخ عندما كنا سلة غذاء العالم ولماذا لا نستحضر مقولة الزعيم الصيني الكبير دينج زيهاو بينج الذي قاد مسيرة الإصلاح والانفتاح وخرج بها من سقطات ثورة ماو تسي تونج.. كان يرد علي الذين يتهمونه بالخروج علي أيدلوجية الحزب "ليس مهماً لون القط أسود أم أبيض لكن المهم قدرته علي اصطياد الفريسة" ولم يمض سوي عقدين إلا وصعد نجم الصين لتزاحم أكبر اقتصاد عالمي، بل وتصبح أكبر دائنيه. ما زلنا نتصارع نحو لون القط أهو بلحية وجلباب قصير أم ببدلة ولحية ورابطة عنق أم خواجة ببدلة وقبعة.. قطنا لا بد أن يكون متنوعا بمختلف الأشكال أي "كاروهات" فمصر مجتمع متنوع شئنا أم لم نشأ وهذه حقيقة يجب أن نسلم بها فنحن نسيج من المسلمين والمسيحيين.. نسيج مدنية وبداوة.. نسيج ريف وحضر.. نسيج يناجي ربا واحدا في مسجد أو كنيسة.. شوارعنا تنطق وتقول "خليكوا شاهدين" علي التنوع.. الكارو لا يزال يسابق الهامر.. والباعة الجائلون يزاحمون الهايبر.. وحتي ملابسنا شورت وفانلة وكاب ونقاب وجلباب .. سمك لبن تمر هندي لا ينفع معه لون واحد. الدنيا تتغير من حولنا ونحن لا نزال محلك سر.. لم يعد معيار الحكم علي النظم السياسية شكلها الجمهوري أم الملكي.. برلماني أم رئاسي أم وسط بين الاثنين.. المهم هو فاعلية النظام أي قدرته علي الاستجابة لمطالب الشعب.. الشعب وحده وليس ما عداه.. علينا متابعة التطورات العالمية فالعالم لم يعد قرية صغيرة بل أصبح غرفة صغيرة تجوله بضغطة زر.. حتي معيار النمو الاقتصادي لم يعد المحدد الوحيد والأساسي لتقدم الدول بل حل محله وبجدارة.. معيار رفاهة الحياة فأي تنمية لا بد أن تكون غايتها ومنتهاها راحة الإنسان ورفاهيته وإلا فلا جدوي لها.. أتمني أن نعي الدرس قبل فوات الأوان. أنا وعشماوي لا شك أنك سينتابك الخوف والرعب وقد تسقط مغشيا عليك لمجرد أن يجول بخاطرك أنك تقف أمام عشماوي... قد ترتعب وتتعثر قدامك لمجرد سماع اسمه فما بالك وأنت علي بعد أمتار منه.. هذا ما حدث معي.. بعد تخرجنا في الجامعة ومع بداية حياتنا العملية عادة ما يلجأ أبناء الأقاليم مثلنا للبحث عن سكن عزابي لحين استقرار الأوضاع.. وهكذا جمعتنا شقة صغيرة في أحد الأحياء المواجهة لجامعة القاهرة.. ثلاثتنا أنا وزميلي كرم سنارة وعاطف زيدان من الأقاليم وبدأنا العمل معا وفي نفس التوقيت في جريدة الأخبار.. الشقة في الطابق الثاني في شارع لا يزيد عرضه علي الأربعة أمتار.. أثارنا حال الشقة المواجهة لنا من المبني المقابل التي لا يفصلنا عنها سوي أمتار.. الشقة طوال الوقت موصدة الشرفات والشبابيك.. أهل الشارع يمرون علي هذه البقعة بسرعة غريبة وكأنهم يلتقطون الأنفاس.. أحيانا يخرج لشرفتها رجل قوي الشكيمة يبدو مهابا لكنه طوال الوقت مبتسما.. ملامحه تقارب الشاويش عطية الشهير في أفلام إسماعيل ياسين لكن الفارق أن هذا الرجل لا تفارق وجهه الابتسامة وكأنه يريد توصيل رسالة ما.. أثارنا الفضول الصحفي لمعرفة ماذا يدور في هذه الشقة ومن يسكنها ولماذا لا يتكلم مع أحد ولا يسعي أحد للحديث أو إلقاء التحية عليه حتي من منطلق "ردوا السلام".. لخوض أغواره تتبعنا مراكز مخابرات أي حارة وأي حي "البقال والحلاق" فالأول يتعامل مع الجميع والثاني تنحني له رأس الصغير والكبير وعنده تستطيع أن تعرف "سقطة الوالدة".. وقع الخبر علينا كالصاعقة عرفنا أننا من المجاورين لعشماوي ذلك الرجل الذي يقص الرؤوس.. هكذا جنت عليه مهنته فالرجل لا يختلف الناس علي خلقه وتدينه وحسن جيرته لكنهم من منطق التفاؤل والتشاؤم يبتعدون عنه ولا يطيقون رؤيته.. لا يهم اسمه ولا يهم شكله.. ولا يهم سلوكه.. المهم أنه عشماوي "يعوذ بالله".. حاولنا الترفع عن ذلك الشعور المقيت أن تبتعد عن شخص من أجل مهنة احترفها ولا شأن له بها فلا هو يصدر الأحكام ولا هو مسئول عن أفعال قادت مرتكبيها إليه.. لكنه قدره ونصيبه وقدر من حوله.. أصبح عشماوي يداهمنا حتي في المنام وعندما كثرت كوابيسه قررنا الرحيل.. هربنا من عشماوي ومضي كل إلي غايته!! خادم الكنيسة حكاية من روائع الأدب العالمي للأديب الإنجليزي الشهير سومسرت موم.. أهديها لكل شاب مصري ضمن كتيبة البطالة تلك القنبلة الموقوتة التي تهدد المجتمع وما زالت حكوماتنا الذكية والغبية و"النص نص" صامتة عنها رغم أراضينا الشاسعة وإمكانتنا الضخمة التي نعجز دائما عن استثمارها.. الحكاية عرفتها في سن مبكرة ولم تبرح مخيلتي.. لم أقرأها مكتوبة بالإنجليزية ولا مترجمة بالعربية.. بل من الإذاعة المصرية التي كانت مصدرا مهما للثقافة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ولم تكن قد دمرتها الوساطة كما هي الآن.. ولم نكن نسمع فيها مذيعات ضحكات المواخير أو مذيع "يقزقز لب" أو أغنيات مثل "هاتي بوسة". حكاية ماتيوس انجليزي في الأربعينيات متزوج ويعمل خادما لكنيسة.. يخدم بكل اخلاص، سعيدا بحياته الزوجية، وعلي وئام مع كاهن الكنيسة الذي يعامله معاملة الأخ والصديق.. كان قنوعاً بعمله ويعيش حياته بكل طمأنينة وسلام.. فجأة توفي الكاهن وجاء آخر.. بعد فترة قليلة استدعاه الكاهن الجديد وأبلغه قرارا أشبه بقرار الوفاة.. قال له أنت لا تقرأ ولا تكتب ويجب أن يكون الخادم مجيدا للقراءة والكتابة.. أسقط في يده وخرج حزينا لا يعرف ما يخبئه له المجهول.. لم يشأ أن يرجع للمنزل حتي لا يشقي أهله بل آثر أن يتجول علي قدميه هائما.. خطر بباله أن يدخن سيجارة وبدأ بالبحث عن محل يبيع السجائر دون جدوي.. باغتته فكرة أن يستأجر محلا صغيراً في إحدي زوايا الشارع وأن يبيع به أصناف السجائر والتبغ.. كان يدخر مبلغا من المال بجانب تعويض نهاية خدمته.. وعلي الفور بدأ مشروعه الصغير وبعد فترة ربح وكبرت تجارته وافتتح فروعا في شوارع أخري ما استدعي ضرورة أن يفتتح حسابات بنكية.. استدعاه البنك للتوقيع.. وكانت إجابته: أنا لا أعرف القراءة والكتابة.. سأله الموظف المختص باستغراب: لا تعرف القراءة والكتابة وحققت كل هذا النجاح والأموال فما بالك إذا كنت تعرف القراءة والكتابة؟ رد ماتيوس: لو أنني أعرف القراءة والكتابة لظللت خادما للكنيسة!! هذه مجرد دعوة لشبابنا لعدم الاستسلام والبحث عن وسيلة للهروب من غول البطالة شريطة أن تضطلع مؤسساتنا مثل الصندوق الاجتماعي للتنمية وغيره بدورها المطلوب في تذليل الصعاب التسويقية والتمويلية أمام الشباب فهم مستقبل الوطن. شكرا طالما حلمت بالكتابة في هذا المكان الذي اعتلاه أباطرة الصحافة وأساتذة أفاضل تعلمنا منهم كيف نخط الكلمات لذا فالشكر موصول للزميل المبدع محمد درويش مشرف صفحات الرأي الذي حفزني علي كتابة يومياتي الأولي بتاريخ 23 مارس 2013.. وكم كانت سعادتي أن يكون أول المهنئين أستاذي وزميلي محمد حسن البنا رئيس التحرير الذي فتح الباب علي مصراعيه لجميع الزملاء للعمل والإبداع.. وأستاذي ومعلمي جميل جورج مدير التحرير الذي علمني ألف باء الصحافة ولايزال يتابعنا جميعا بعين الأب والأستاذ. كلمات أعجبتني الحب يريك الورود بلا أشواك حقد المرأة أمضي من القنابل والمولوتوف العاقل بكثرة صمته والجاهل بكثرة كلامه المال يجلب كل شيء ووحده لا يكفي للسعادة