لاتغيب عن ذاكرتي قصة فيلم أمريكي يحكي عن العمليات القذرة لتجار السلاح علي مستوي العالم، وكيف أن عمليات التمويل تتم بدعم من قبل أجهزة مخابرات الكبار الذين يديرون العالم،وذلك لتأجيج الصراعات بين الدول المتجاورة، حتي تظل بؤر عدم الاستقرار والفتن في مناطق بعينها بهدف استمرار تحكم الكبار في مقدرات الدول الصغيرة الضعيفة والشعوب المغلوبة علي أمرها. مازالت أسمع في أذني صوت مسئول في إحدي الدول الكبري وهو يدعم عملية تمرير قرض لدي أحد البنوك من أجل تمويل صفقة سلاح لصالح دولة إفريقية يموت أهلها من الجوع ويأكلون من صناديق القمامة، وعندما قال مسئول البنك أن تلك الدولة ليست بحاجة إلي كل هذا السلاح أوضح مسئول الدولة الكبري أن الهدف ليس فقط صفقة السلاح، ولكن تكبيل مثل هذه الدول بالديون بصفة مستمرة لإذلالها وترسيخ تبعيتها للكبار. من هذا المنظور جلست مع نفسي أناقش مسألة قرض صندوق النقد الدولي الذي أصبحنا ننام ونصحي علي أخباره ليل نهار، حتي بتنا نعتقد أن مصر بدون هذا القرض سوف تموت جوعا وأنه لن تقوم لها قائمة إذا لم تحصل عليه،أو بمعني أوضح فإنهم يخيلون لنا أن حل كل مشاكلنا أصبح متوقفا علي موافقة "عم الصندوق" علي منحنا هذا القرض، تماما تماما مثلما يهددنا السادة الأمريكان من حين لآخر بتخفيض أو قطع المعونة! وواقع الأمر أن كل الدوشة المثارة حول قرض الصندوق سوف تنتهي إلي توقيع الاتفاق - وبإلحاح ممن يحركون الصندوق من وراء ستار- وهو القرض الذي أراه نقطة في بحر بالنسبة للحالة الاقتصادية المذرية والأوضاع المتردية التي انحدرنا إليها والتي لا يجدي فيها ولاحتي عشرة قروض من مثله، فضلا عن أنه سوف يضيفا عبء جديدا ومزعجا لمصر فوق الأعباء التي تتحملها سنويا لا أقول لتسديد القروض القديمة "المتلتلة" التي أصبحت تخنقها وتكبلها، بل فقط لتسديد فوائد الديون بعيدا عن أصل الدين نفسه، وهو الأمر الذي يسعد أعداء مصر الذين لايريدون لها إلا أن تظل "مخنوقة لشوشتها" ومكبلة بالديون حتي لاتفيق أبدا أو تتحرك قيد أنملة إلي الأمام. نفس الشيء ينطبق علي المعونة التي أتحدي أن يقدم الأمريكان علي إلغائها أو حتي تخفيضها،لأنهم يعلمون علم اليقين أنهم إذا ما فعلوا ذلك فإن مصالحهم في المنطقة سوف تتضرر كثيرا..ولن تصدق إذا قلت لك أن أحد المسئولين في المجموعة الاقتصادية قال للسفيرة الأمريكية السابقة إن مصر لا تريد المعونة لأن المستفيد الوحيد منها هو الشركات الأمريكية التي تعمل في مشروعات يفرضها الأمريكان من خلال المعونة بغض النظر عما إذا كانت هذه المشروعات تخدم بشكل مباشر المواطن المصري أم لا، أسوأ من ذلك أن مشروعات المعونة الأمريكية هي أحد المداخل التي يستخدمها الأمريكان للحصول علي المعلومات التي يصعب في بعض الأحيان علي أجهزة المخابرات التوصل إليها..هل تصدق حضرتك إذا قلت لك إن السفيرة غضبت وثارت وقالت للمسئول المصري ما يفيد أن مصر لاتستطيع أن ترفض المعونة وأنها سنأخذها غصب عنها أو كما نقول نحن ولا مؤاخذة في التعبير "والجزمة فوق رقبتنا"! خلاصة القول إن القروض والمعونات كما قلت أصبحت أداة فاعلة من أدوات الاستعمار في شكله الجديد، وأن من يريد أن يحترم بلده وشعبه عليه أن يسعي للاعتماد علي موارد بلده وتسخيرها لإعادة البناء دون تحميلها أعباء ديون جديدة تفرض عليها أن تظل تدور في فلك القوي التي تدير العالم من وراء ستار.. وصدقوني عندما أقول أن قرض الصندوق لن يحل مشاكل مصر ولكن يحلها تكاتف كل القوي بعيدا عن الصغائر والمصالح الفردية الأنانية، حتي تستعيد بلدنا عافيتها ويصبح قرارها بيدها لا بيد الصندوق الملعون ولا بيد من يطعموننا ويكسوننا مما تزرع وتصنع أيديهم. ومن قرض صندوق النقد إلي المعونة الأمريكية.. ياقلبي احزن علي مصر! لذا لزم التنويه تعليقا علي اليوميات التي نشرت أول أمس تلقيت الرسالة التالية من الزميلة العزيزة الأستاذة نادية زين العابدين تقول فيها :"جزاك الله خيرا عن اليوميات الممتعة والمشوقة هي وسائر أعمدتك الصحفية وتحقيقاتك.. وعلي فكرة كتاباتك عن تركيا جعلتنا نحن الأكثر شوقا لزيارتها.. ولكن معذرة فقد جاء ضمن يوميات الإثنين 29 أبريل آية قرآنية استشهدت بها ولكن للأسف بها خطأ.. وصحة الآية "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا" من سورة الكهف الآية رقم 30. وقد نشرت بالخطأ إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. لذا فقد لزم التنويه. كل الشكر والاحترام للزميلة العزيزة الأستاذة نادية زين العابدين ومعذرة أنني لم أنتبه بغير قصد لهذا الخطأ الشائع، وهو الأمر الذي يدفعني إلي أن أنبه نفسي وكل الأساتذة الزملاء الكتاب إلي أن ندقق كثيرا وأن نرجع إلي المصحف وإلي حفظة القرآن لمراجعتهم عند الاستعانة ببعض آيات القرآن.. وشكرا ومعذرة مرة أخري.