فوجئت بالشيخ زهران يوم إعادة محاكمة القرن محبطا مكتئبا فسألته عن السبب وهو دائما عنوان التفاؤل والصبر فقال لي: إن الناس مقامات فعلا ولكن قامة كل امرئ لابد ان تكون بحسب ما قدم لأهله ووطنه ولنفسه أيضا وما كنت أتصور أبدا أن تنقلب الموازين بهذه الصورة البشعة التي تنبئ باقتراب يوم القيامة .. قلت له وما سبب ذلك كله؟! قال الشيخ: رأيت يوم المحاكمة رجلا شديد بياض الثياب مفرود الوجه شديد سواد الشعر يرتدي نظارة لزوم الأبهة دققت في وجهه فإذا به الرئيس المخلوع وقد عاد عشرين سنة إلي الوراء في حالة صحية جيدة، الابتسامة لا تفارق وجهه يلوح بيده كل لحظة ليحيي جماهيره ويضع يده الأخري تحت ذقنه ايحاء بالكبرياء والعظمة، قلت له: يا شيخ الرئيس رئيس فهو ليس متهما عاديا! فقال هذه هي المصيبة المتهم في قضية تموين أو سرقة مائة جنيه أو تزوير توقيع علي عقد يحشر في الزنازين ويأكل من كيعانه ويشرب المر وينقل في علب الصفيح الساخن، أما المتهم في إبادة شعب وسرقة بلد وإذلال أمة وتزوير إرادتها وبيع مقدراتها والتآمر عليها فينقل في طائرة مكيفة ويحبس في جناح 5 نجوم .. هذا والله منتهي الظلم والذل. ولكن يبدو اننا شعب طيب إلي درجة العبط لأننا بدأنا ننسي أو نتناسي أن سبب ما نحن فيه من بلاء وبلايا وأزمات ابتداء من الوقود وحتي الأخلاق هو النظام السابق ويتحمل مسئوليته كاملة الرئيس السابق الذي كان كل شئ يصنع علي عينه. نسينا ذلك كله ورحنا نحاسب ونجلد نظاما لم يتم العام الواحد. يبدو أننا شعب نعشق جلادينا ونحسن إلي من يسومنا سوء العذاب ولا نقسو إلا علي أنفسنا. أري لسان حال الغلابة في هذا البلد بعد ان رأوا ما رأوا يقول الواحد منهم ياليتني كنت متهما مثله فلن أعاني من أزمة السولار ولا البنزين أو المرور، فكم تستهلك هذه الطائرة من الوقود الفاخر في الوقت الذي لا يجد فيه الفلاح السولار اللازم ليسقي زرعه ويحصد غرسه إنه مشهد استفزازي لكل المصريين الغلابة، وأكمله المحامي الأشهر وهو يدخن السيجار الفاخر في قاعة المحكمة وينفث الدخان في وجوه المصريين. قلت له هوّن علي نفسك ياشيخ فهذا العدل الذي تنشده وتبغيه إن اخطأته الدنيا فلن تخطئه أبدا الآخرة ولكن أكثرهم غافلون.