عبدالرحىم حسن ووفاء الحكىم فى مشهد من العرض "في الأنظمة المستبدة، كل شئ مباح ومتاح" العبارة تلخص حكاية "عزيز قطة " سكرتير المحكمة والمواطن المسكين في مسرحية "زنزانة لكل مواطن"، الذي يعيش حياة عادية مع زوجته "صابرة" وولديه وابنته، يقول عن نفسه "أنا بامشي جنب الحيط" ليس له طموح، مشكلته في الحياة أنه لا يحب الكلاب أوالقطط، يري في زميل دراسته "مجدي" نموذجا بشعا للانتهازي المستعد دوما لبيع نفسه لكل مسئول مقابل البقاء علي الكرسي وامتلاك المال،بينما يزداد عزيز فقرا وتعاسة بسبب ضغوط الحياة يزداد مجدي غني ووحشية ولا يشغله في حياته سوي تدمير "عزيز" الذي كان الأكثر تفوقا في الدراسة المحبوب من الجميع ولا ينسي أن صابرة فضلت عليه عزيز! في أحد الأيام أخذ عزيز القط الذي أحضره ولده ليلقي به في مكان بعيد،لحظه العثر كانت سيارة رئيس الوزراء تمر في الشارع،قفز القط بداخلها وقام بخربشة رئيس الوزراء، يقبض علي عزيز ويحكم عليه بالسجن بتهمة قيادة تنظيم سري، وتنقلب حياته رأسا علي عقب! حكاية ليست بجديدة،الكاتب الراحل الكبير مصطفي أمين عالجها في رواية "الرجل الذي قال لا" وتمت معالجتها في فيلم شهير"احنا بتوع الاتوبيس" المأخوذ من كتاب لجلال الدين الحمامصي، وقدم د. جمال عبدالمقصود في السبعينيات مسرحيته "الإوزة" لمواطن عذب في المعتقل لأنه حلم بأكل وزة، لكن الطرح الذي اختاره إبراهيم الحسيني في زنزانة لكل مواطن هو طرح معقول ومناسب وأقرب إلي حكاية أبو العربي مع موكب الرئيس السابق مبارك في بورسعيد. جسد عبدالرحيم حسن شخصية "عزيز" وكأن الشخصية تناديه، أداها بحرفية وإحساس بأدق تفاصيلها،جلال عثمان في شخصية مجدي جعلنا نري الشيطان متجسدا علي خشبة المسرح فهو يزداد تألقا من عرض إلي آخر، وفاء الحكيم سيدة مسرح الغد، أدت شخصية صابرة باقتدار فأصابتنا بالكآبة من شدة تقمص الشخصية، أحمد الشريف في دور السجين ساعدت ملامحه الطيبة في تعاطف المتفرج معه، ونائل علي "صوت الضمير" كان جيدا، محمود الزيات في دور الابن تقمص الشخصية بوعي أما محمد دياب فرغم قصر الدور إلا انه لعب المحقق مراعيا البعد الإنساني فجعل المتفرج يتعاطف مع عزيز وقد أجاد كل من عصام مصطفي ومي دياب وخضر في الاداء، د.أحمد حجازي ملحنا ومطربا مع محمد فارس كانا العلامة البارزة في العرض بالأداء الحي والكلمات المعبرة عن الأحداث التي كتبها المؤلف شعرا ولا أدري لماذا يختفي أحمد حجازي سنوات طويلة عن المسرح رغم أنه يجيد العمل فيه، الديكور لصبحي عبدالجواد أوجد حلولا طبيعية لمشكلة القاعة، قسم الخشبة إلي 4 منصات في اليمين واليسار مع لسان بطول القاعة استغله كشارع في الأحداث لكنه لم يدلل عليه ولو بعمود إنارة أو شجرة، العرض هو حدث بالتأكيد للمخرج محمود النقلي فهو الوليد الأول له علي خشبة المسرح الذي قضي فيه عمره، عرض جيد أقرب لعروض الميلودراما التي لا تفضل كثيرا علي المسرح لكنه اعتمد علي خبرة الممثلين ووعيهم بالشخصيات فبدا أنه لم يتدخل كثيرا فجاء الحوار متميزا علي حساب الصورة السينوغرافية للعرض، اختيار نص "زنزانة لكل مواطن" اختيار موفق فكأنه يجري في مصر المحروسة حينما يفتقد الإنسان الأمان ويصبح مصيره كمصير عزيز لأتفه الأسباب!