منذ طفولتي أسمع وأقرأ عن سيدنا الخِضر، ما من شخصية أثارت خيالي مثله، تعددت الروايات وشطح الخيال فيما يتصل به، إنه المخلد الذي لا يموت أبدا، شرب من عين الحياة، يسعي حول العالم، بعض المفسرين قالوا إنه المقصود بالآية الكريمة »فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً«، هو من تلقي عنه النبي موسي العلم، لا يخص دينا محدداً، لكنه موجود في شتي العقائد، إنه »مار جرجس« عند المسيحيين في مصر، يقول الباحث محمد أبوالفضل بدران في كتابه الجديد »الخِضر في التراث العالمي« والصادر عن المجلس الأعلي للثقافة، إنه معروف في التراث الإندونيسي، والفارسي، والتركي، والآسيوي، في الهند صار مقدسا عند البحارة، غدا مرشدهم ودليلهم، وفي التراث اليهودي يُعرف ب »الحَبر يهوشع« أو إيليا، وفي الأدب وظفه الأدباء في شعرهم وقصصهم، ولشدة انشغالي به كتبت قصة في الستينيات محورها هو عنوانها »ناطق الزمان« ونُشرت في المجلة التي رأسها يحيي حقي، وباستثناء ملحمة (الزير سالم) فلم تخل الملاحم الشعبية الكبري منه، خاصة الهلالية. لقد بذلت جهدا كبيرا خلال السنوات الماضية في لملمة ما يتعلق به من مصادر التراث، وأعرف المشقة التي يمكن أن تُبذل، لندرة ما ورد في المتون ولتناثره في المؤلفات الكبري، خاصة عند الصوفية، لذلك أعرف وأقدر ما بذله الشاعر والباحث القدير محمد أبوالفضل بدران في كتابه الإضافة، وقد رأيته بين الصوفية في الأقصر، خاصة ساحة الشيخ الطيب، يقود الذاكرين وينشد الأشعار القديمة وشعره هو، ويجسِّد بذلك السلوك العملي والنظري، وكما ثبت لي، فإن التصوف تجربة لابد من خوضها، تمهيدا للكتابة عنها، لقد تعقب المؤلف المصادر القديمة والحديثة وأورد كل ما يتصل بسيدنا الخِضر من خلال تطبيقه المنهج التاريخي والعلمي، درس مواقف المستشرقين منه، وصلة الخِضر بأساطير »جلجامش« و»الإسكندر الأكبر«، وكلاهما شرب من عين الحياة، وبذلك استحقا الخلود مثل الخِضر، كما توقف مطولا عند »الفتوحات المكية« لابن عربي، التي ورد ذكر الخِضر فيها كثيرا والمعروف بأنه سيد الصوفية، وعند الأدباء المعاصرين، في الأدبين الأجنبي والعربي. الكتاب إضافة قيمة، صدر عن المجلس الأعلي للثقافة بتقديم من الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي.