زكرىا شلش أخذت الازمة المفتعلة بين رجال القضاء وجماعة الاخوان المسلمين التي يمثلها سياسيا حزب الحرية والعدالة، منعطفا خطيرا يصل الي حد إقصاء السلطة القضائية ومنعها من ممارسة اعمالها ووصل الامر الي مرحلة فرض العضلات علي اعضاء السلطة القضائية والتدخل في شئون العدالة. واستندت السلطة القائمة في تدخلها في شئون العدالة الي ما سمي بالاعلانات الدستورية وتلوح بما لها من اغلبية تشبه الاجماع بمجلس الشوري الذي اعطي سلطة التشريع في غياب البرلمان في سابقة لم تعهد مصر مثيلا لها منذ ان عرفت نظام البرلمان المتمثل في مجلس الامة أو مجلس الشعب أو مجلس النواب.. وقد اتخذت الازمة التي تكاد تعصف بالسلطة القضائية والعدالة عدة مظاهر منها: اولا: محاولات النيل من هيبة القضاء والتي لم تكن وليدة الثورة بل يرجع اساسها الي انتخابات 5002 واحالة قاضيين لمجلس التأديب بتهمة الادعاء كذبا علي مجموعة من القضاة بتزوير الانتخابات وضمهم اسماء ثبت علي وجه اليقين بعدهم عن هذا الاتهام وعدم قبولهم اي اعتذار من جانب القاضيين وانتهاء محكمة النقض الي صحة العضوية لأعضاء مجلس الشعب بعد تحقيق الطعون الانتخابية في تلك الدوائر، ولم يكن الامر مجرد الاتهام بل محاصرة دار القضاء العالي والاستعانة بعناصر من الاخوان المسلمين اثناء نظر الدعوي التأديبية ومناشدة احد القضاة المتزعمين لتلك المحاصرة لابناء الشعب بأن يحضر جلسة المحاكمة وتعليق الرايات السوداء علي اسطح المنازل، وقد كشف كتاب الاستاذ سيد الخرباوي انضمامه منذ زمن لجماعة الاخوان المسلمين رغم مخالفة ذلك للعمل في القضاء بعد اختراق ذلك التنظيم للقضاء وفقا لما رواه الخرباوي وآخرون ممن انشقوا عن الاخوان. ووصل الامر ذروته بمن فاجأونا بما يسمي تنظيم قضاة من اجل مصر وإعلانهم نجاح رئيس الجمهورية المرشح الاخواني قبل إعلان النتيجة رسميا من قبل اللجنة العليا للانتخابات وادعائهم كذبا بأنهم حصلوا علي النتيجة من القضاة المشرفين علي العملية الانتخابية وهو ما تم نفيه بشدة بالاضافة الي تصوير احدهم لدي زيارته لمقر مكتب الارشاد ولم يتهموا من قبل النظام بالاشتغال بالسياسة بل اتهم بذلك من تمسكوا باستقلال القضاء. وبدلا من اتخاذ الاجراءات التأديبية ضد هؤلاء القضاة بعد تقديم زملائهم شكاوي ضدهم اذا بهم يحتلون مراكز قيادية بجهاز النيابة العامة واختيار بعضهم اعضاء بنيابة الثورة مما يفقدهم حيادهم من جانب المتقاضين أمامهم.. واستمرارا لمخطط التنكيل بالقضاء وما شاهدناه من تطاول بذيء ضد رجال القضاء عقب الحكم في القضية المتهم فيها الرئيس السابق ووزير داخليته وبعض مساعديه وجاء التطاول من جانب اعضاء مجلس الشعب المنحل وما صحبه من ألفاظ لا تصدر إلا من حاقد او صاحب هوي في تدمير السلطة القضائية. ثانيا: قيام رئيس الجمهورية باصدار قرار بعودة مجلس الشعب بعد ان حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النص القانوني الذي انتخب علي اساسه وبالتالي جعلته مجلسا باطلا منذ نشأته متعينا حله بقوة القانون من اليوم التالي لنشر الحكم في الجريدة الرسمية.. ومنذ ذلك التوقيت لم يتوقف مسلسل التهجم علي المحكمة الدستورية العليا واتهامها بأسوأ الاتهامات ووصل الامر الي الانتقام من قضائها بعزل الكثير منهم بحجة اعمال احكام الدستور الجديد المطعون في اجراءات الاستفتاء عليه لضم اللجان الفرعية بما يتجاوز عدد المصوتين باللجنة اكثر من خمسة آلاف ناخب مما جعل معظمهم ينصرف لعدم تمكنه من استعمال حقه الدستوري في إبداء الرأي ومخالفة نتيجة الاستفتاء لنص المادة »6« من الاعلان الدستوري والتي تستلزم موافقة الشعب علي مشروع الدستور وليس أغلبية عدد الحاضرين بما يتطلب حضور 05٪ + 1 من عدد المقيدين المدعوين للاستفتاء وهو ما لم يحدث.. ولم يقف الامر عند عزل اعضاء من المحكمة الدستورية العليا وانفراد رئيس الجمهورية بتعيين اعضائها بقرار منه بل تقليص اختصاصاتها بجعل رقابتها سابقة علي القوانين المتعلقة بالانتخابات وعدم السماح بالرقابة اللاحقة في حالة عدم اعمال رأيها ونزع اختصاصها المتعلق بنظر منازعات التنفيذ المترتبة علي أحكامها. ثالثا: ما حدث في واقعة غير مسبوقة سواء في عهد الرئيس السادات او نظام الحكم السابق وهو عزل النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود بالمخالفة لاحكام الاعلان الدستوري والمادة »911« من قانون السلطة القضائية عقب صدور حكم ببراءة المتهمين فيما سمي بموقعة الجمل بحجة مسئوليته عن عدم تقديم الادلة ووجود رأي عام يطالب بعزله رغم عدم مسئوليته عن تحقيق القضية او تقديم الادلة لان المكلف بتقديمها هو الجهات الامنية وليست النيابة العامة بالاضافة الي ان القضية باشر التحقيق فيها قاضي تحقيق وليس النيابة العامة كما لا يوجد في اي نظام قانوني محترم يحرص علي استقلال قضائه ما يسمح للرأي العام او اي مسئول مهما علا شأنه ان يتدخل في القضاء او في شئون العدالة. والحقيقة أنه كان مطلوبا التخلص من شخص النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود حتي لا تفتح ملفات يتعين عدم الاقتراب منها وإحلال آخر محله لتنفيذ ما تتطلبه المرحلة المقبلة تمهيدا للانقضاض النهائي علي السلطة القضائية. رابعا: انه بدأت بوادر أزمة حقيقية قد تنتهي بالعصف بسلطة العدالة في مصر وهو ما نحذر منه بشدة في الفترة القادمة اذ اعلن وزير العدل عن اتجاه النية الي تعيين دفعات من 2002 حتي 11002 بوظائف مساعد نيابة وهو ما يؤكد ما سبق ان حذرنا منه منذ اكثر من سنة من اتجاه النية الي اخونة القضاء وهو آخر مسمار في نعش العدالة في مصر اذ كيف نضمن حياد من يقسم يمين الطاعة والولاء، وقد لفت نظري احد قادة تيار الاسلام السياسي في برنامج »الغش ممنوع« في قناة القاهرة والناس حين سألته المذيعة هل توافق علي تقبيل يد المرشد فأجابها »بأنه يوافق كل الموافقة علي تقبيل يد المرشد« فنتخيل لو كان هذا قاضيا يفصل في خصومة احد أطرافها عضو بالجماعة. ولسنا اقل من فرنسا التي نأخذ عنها معظم نظامنا القضائي والقانوني اذ استلزمت المادة »92« من قانون تنظيم السلطة القضائية الفرنسي بأنه وعند تعيين القضاة يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار وضعهم العائلي بأقصي حد ممكن بما يتفق مع كفاءة وخصوصيات النظام القضائي«. فليست بدعة ان نشترط الوضع العائلي وليس بالضرورة ان يكون المتقدم غنيا ليتمكن من المحافظة علي سلوكه الذي يتلاءم مع الوظيفة، فكيف نضمن سلوك من كان بعيدا عن الوسط القضائي لمدة تطول الي عشر سنوات لم نعرف كيف كان يشق طريقه، ولعل هذا ما يفسر عدم صلاحية الكثير ممن عين بنظام المسابقة وإحالتهم الي مجلس التأديب والصلاحية. كما أن هناك كليات حقوق في الجامعات الاقليمية يحصل منها نصف الخريجين علي تقدير جيد جدا وامتياز بينما لا يتعدي عددهم العشرات في الكليات العريقة كالقاهرة والاسكندرية وعين شمس، فأي معيار للتقدير يعتمد عليه. رفقا بالعدالة والقضاة في مصر فهل تتابع الازمات المفتعلة عمدا مع القضاء بغرض إغضابهم الي أبعد الحدود حتي يعلنوا رفضهم الإشراف علي انتخابات البرلمان القادمة. نتمني أن يخيب ظننا في هذا التفسير ويتراجع نظام الحكم عن الكيد للقضاء. كاتب المقال : رئيس محكمة الاستئناف