الشرطة المصرية تحملت نصيبا كبيرا من أوزار الماضي وها هي تتحمل مع اوزار الماضي أخطاء وخطايا الوضع الراهن الملتهب فتقدم 571 شهيداً من شبابها وقادتها وأكثر من ستة آلاف مصاب في نفس الوقت الذي تفاقمت فيه أوضاعها فمع زيادة وعبء المسئوليات الملقاة علي عاتق افرادها قام المسئولون في بداية الثورة بخفض عدد افرادها خاصة التابعة لقوات الأمن المركزي. والمشكلة هي أن في الازمات العاصفة والقضايا الشائكة يصبح لتحليل الاوضاع تحليلاً صائباً له الأهمية القصوي في مواجهة هذه الازمات والقضايا وتخطي العقبات والانطلاق نحو عبور هذه الازمات بينما في الواقع أننا نشهد سيطرة لمقولات وتصورات وهمية طالت الجيش أولاً ثم الشرطة ثانياً وها هي الآن تلطخ آثامها بالإسلاميين عامة والإخوان خاصة بينما كل هذه الاطراف الثلاثة لا تحاول الفكاك من هذا التعميم الخاطيء بل تجنح إلي الدفاع عن نفسها بمفردها بمنأي عن الأخري. فالجيش مثلا اتهم بأنه كان مسئولا عن النظام السياسي في مصر منذ عام 2591 وحتي 11 فبراير 1102 بينما الجيش كان قد خرج من السلطة بخروج محمد نجيب سنة 4591 وهي السنة التي قمع فيها عبد الناصر حركة تمرد الضباط الأحرار في سلاح الفرسان وأبعد عددا كبيرا من قواعد تنظيم الضباط الأحرار وسلاح الفرسان والمدفعية الذين طالبوا بالديمقراطية عن الجيش وأعطي الدور الاول لسلاح المخابرات العامة في السيطرة علي الجيش بكل طوائفه والمجتمع حتي كان سقوط دولة المخابرات في عام 7691 بعد هزيمة 7691 ومحاكمة صلاح نصر والكشف عن الكثير من الجرائم والتجاوزات، القانوني والثورة معاً ورغم ذلك فإن ابواقا يسارية وإسلامية وليبرالية تصف الحكم في مصر طوال ستين عاماً بأنه حكم عسكري وتستند الي وجود بعض القيادات في أجهزة الحكم كالمحافظات والمحليات والوزارات من تم الاستعانة بهم في وظائف قيادية إدارية مثل القضاة وأساتذة الجامعات والمحامين والذين كانوا شركاء أيضاً في وظائف قيادية إدارية دون أن يعتبر أحد أن نظام الحكم قضائي أو اكاديمي أما الشرطة فقد تحملت اوزار النظام الاستبدادي منذ الاطاحة بمحمد نجيب عام 4591 وحتي فبراير 1102 باعتبارها الواجهة الامنية التي تم استخدامها لاشاعة الرعب والفزع ليس لذوي الطموحات السياسية من المعارضة ولكن من كل الفاعليات الاجتماعية والاقتصادية الثقافية التي تم إخضاعها للهمينة والاحتكار إما بالترغيب في المناصب والجوائز أو الترهيب بالإقصاء أو الابعاد وكانت السلطات جميعها في يد الحاكم الفرد عبد الناصر أو السادات أو مبارك لكنها كانت تنساب بسبب تعاظمها وعدم قدرة أصابعه الامساك بخيوطها إلي آخرين مراكز قوي علنية وأخري سرية ثم إلي انفلاتها تماماً في عهد مبارك بعد توجهه نحو العولمة حيث تشابكت العلاقات بين السلطات المتسربة من ايدي مبارك إلي مراكز القوي مع مراكز النفوذ والقوي الأجنبية الاقليمية والدولية في الوضع الذي تم وصف مبارك فيه بأنه أصبح خارج الواقع أي في غيبوبة »وعي« يمكن تصورها في ذلك الاطمئنان من إسرائيل إلي الإطاحة بمبارك بينما هي تقف بقوة ضد أي خطوة دولية تجاه عدوها اللدود طوال السنوات السابقة بشار الاسد وتعمل جاهدة علي الحفاظ عليه أو إطالة أمد وجوده لاقصي فترة ممكنة. لقد سقط مبارك الذي كان لا يمسك بأي خيوط فعلية في يده، بل كان الحاجة إليه في أنه كان مجرد واجهة مطلوبة ولابديل عنها وهناك خوف من أي تغيير يحدث فكان مشروع التوريث هو رغبة في استمرار مراكز القوي، التي تحاول العودة والضغط من جميع الاوجه الان وتعرقل المشروع الإسلامي الذي يبدو أنه الوحيد الذي كان بعيداً عن تلك الدائرة والمراد الآن إخضاعه لمسميات مختلفة لدستور التوافق وحكومة الإنقاذ ومحاربة الإخونة أي أن هذه القوي تحاول جاهدة إما أن لا تتخلي عما في ايديها من خيوط للنفوذ أو محاولة التسرب عبر بوابات الفساد والمصالح والتدليس إلي مواقع أخري ذلك الوضع جعل امامنا اشياء كثيرة كالبلاك بلوك والبلطجة وعصابات الإجرام وجماعات العنف وعمليات القتل المستمرة والمستفزة للشرطة والمتظاهرين، محاولة لعدم الاستسلام لنتائج الثورة وإمكانياتها والتي جعلت علي الشرطة اعباء مضاعفة وفوق الطاقة رغم أن كثيرا من المسئوليات السابقة كالأمن السياسي قد تم اختزالها. الا أن الكثيرين تناسو أن قوة الشرطة في عهد الاستبداد كانت تستند إلي قوة حالة الرعب والخوف من السجن والبطش والتعذيب والقتل هذه الحالة كانت تستدعي خوف الناس من الاقتراب من اقسام الشرطة والتنازل عن حقوقها المهدرة او تلجأ لوسائط أخري أو تتنازل عن أملاكها كما هو الحال في الفلاحين الذين اغتصب اراضهيم قاضي وروعهم بالبلطجة والعنف في أيام مبارك ثم تزعم استقلال القضاء في عهد الثورة دون أن يبادر برد المسروقات إلي اصحابها إننا الآن ازاء شرطة فقدت هالة الخوف والرعب في مواجهة دعاية سوداء تستند إلي أوزار الماضي وأوضاع متردية نتيجة اخطاء وخطايا الظرف الراهن من قوي حاكمة لابد كلها من أخطاء في وضع متفاقم وخطايا قوي مناهضة لا يوجد سقف من محاذير أمامها تراهن علي وهم ثورة أخري للجياع أو المشردين أو ترغب في تكرار نموذج 52 يناير 1102 ظنا منها أنها كانت صانعة الثورة التي فقدتها عبر صناديق الانتخابات ويمكن استعادتها بالمولوتوف أو الخرطوش.