وزير التعليم لأولياء أمور ذوي الهمم: أخرجوهم للمجتمع وافتخروا بهم    "النواب" يناقش تعديل اتفاقية "الأعمال الزراعية" غدا الأحد    جامعة حلوان الأهلية: تقديم كافة التيسيرات للطلاب خلال فترة الامتحانات    2772 فرصة عمل برواتب مجزية في 9 محافظات - تفاصيل وطرق التقديم    بنحو 35 جنيها، ارتفاع أسعار اللحوم السودانية بالمجمعات الاستهلاكية    بيطري الشرقية: مسح تناسلي وتلقيح اصطناعى ل 6 آلاف رأس ماشية    "معلومات الوزراء" يعلن أجندة وبرنامج عمل مؤتمره العلمي السنوي    صوامع الشرقية تستقبل 575 ألف طن قمح في موسم الحصاد    رصيف بايدن!    النمسا تستأنف تمويل الأونروا    قمة كلام كالعادة!    وزارة الدفاع الروسية: الجيش الروسي يواصل تقدمه ويسيطر على قرية ستاريتسا في خاركيف شمال شرقي أوكرانيا    صحة غزة: استشهاد 35386 فلسطينيا منذ 7 أكتوبر الماضي    ما أحدث القدرات العسكرية التي كشف عنها حزب الله خلال تبادل القصف مع إسرائيل؟    بالأرقام.. أفضل 5 لاعبين في بطولة EMEA ببجي موبايل    اليوم.. 3 مصريين ينافسون على لقب بطولة «CIB» العالم للإسكواش بمتحف الحضارة    إصابة 3 طلاب أحدهم ب 90 غرزة في مشاجرة أمام مدرسة بالغربية    الأمن الاقتصادي: ضبط 1710 قضية ظواهر سلبية.. و13 ألف سرقة تيار كهربائي    بعد عرضه في كان، مؤتمر صحفي لطاقم عمل Kinds of Kindness (فيديو)    سوسن بدر توجه رسالة ل ريم سامي بعد زواجها (صور)    لماذا يصاب الشباب بارتفاع ضغط الدم؟    بعد حادث الواحات.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي    رئيس جامعة بنها يتفقد الامتحانات بكليتي الحقوق والعلاج الطبيعي    أستاذ طب وقائي: أكثر الأمراض المعدية تنتشر في الصيف    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    نهائي أبطال إفريقيا.. 3 لاعبين "ملوك الأسيست "في الأهلي والترجي "تعرف عليهم"    استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالي    جوري بكر بعد طلاقها: "استحملت اللي مفيش جبل يستحمله"    أبرزهم رامي جمال وعمرو عبدالعزيز..نجوم الفن يدعمون الفنان جلال الزكي بعد أزمته الأخيرة    تشكيل الشباب أمام التعاون في دوري روشن السعودي    موناكو ينافس عملاق تركيا لضم عبدالمنعم من الأهلي    طريقة عمل الكيكة السحرية، ألذ وأوفر تحلية    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    ياسمين فؤاد: تطوير المناهج البيئية بالجامعات في مباحثات مع «البنك الدولي»    جامعة كفر الشيخ الثالثة محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    مسئولو التطوير المؤسسي ب"المجتمعات العمرانية" يزورون مدينة العلمين الجديدة (صور)    متاحف مصر تستعد لاستقبال الزائرين في اليوم العالمي لها.. إقبال كثيف من الجمهور    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    «السياحة» توضح تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة (فيديو).. عمقه 25 مترا    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    بنك الأسئلة المتوقعة لمادة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة 2024    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    فانتازي يلا كورة.. تحدي الجولة 38 من لعبة الدوري الإنجليزي الجديدة.. وأفضل الاختيارات    "الصحة": معهد القلب قدم الخدمة الطبية ل 232 ألفا و341 مواطنا خلال 4 أشهر    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    تراجع أسعار الدواجن اليوم السبت في الأسواق (موقع رسمي)    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    بدء امتحان اللغة العربية لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة والدراسات الاجتماعية بالقاهرة    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الآخبار
جند مصر.. لا تهنوا ولا تحزنوا..
نشر في الأخبار يوم 26 - 06 - 2012

تأتي الأيام بكل عجيب، غريب، لكنني أعترف أنني لم أتوقع استمراري في الحياة الدنيا إلي لحظات أصغي فيها بسمعي إلي هذه الهتافات المنغمة التي علت من الميدان بعد الاستيلاء عليه من جماعة الإخوان ومن والاهم. كانت الهتافات ملحنة علي الطريقة الفلسطينية أو الشامية، موجهة إلي قادة الجيش المصري الآن وتصفهم بأقذع الالفاظ، إهانات لا تخطر علي بال، ولم تحدث يوماً حتي في المراحل العصيبة من تاريخنا، في صحف اليوم نفسه قرأت تهديدات وزيرة الخاجية الامريكية هيلاري كلينتون لقادة الجيش المصري بضرورة تسليم السلطة إلي الفائز في الانتخابات، اللهجة المستخدمة فيها تعال واستفزاز وإهانة لأعرق جيش في العالم، لا أعرف ماذا جري في اتصال وزير الدفاع الامريكي بالمشير، أحد المقربين من المشير قال لي إنه كان حاداً في ردوده، ربما يكشف النقاب عن تلك الاتصالات يوما، غيرأن ما أقلقني وضاعف توجسي، علاقة الجيش المصري بشعبه وما أصابها من تصدع. وتلك الإهانات المتصاعدة التي وصلت الي حد السباب بعد الهتاف بهذا الشعار المشين »يسقط حكم العسكر« والذي اصبح مثل الصك يردده القوم وهم لا يعلمون أن العسكر في التاريخ تعني تنظيمات الانكشارية العثمانية التي جاء بها سليم الأول غازي مصر في القرن السادس عشر والمؤسس لاحد ابشع الفترات في تاريخنا، لا يشبهها الا الغزو الفارسي في القرن السادس قبل الميلاد والذي أهينت فيه مصر وظل ما ألحقه الفرس جرحاً دامياً في ذاكرة الحضارة المصرية التي خلا الخطاب الأول للرئيس المنتخب من أي إشارة الي أي إنجاز من انجازاتها، مثل اختراع الكتابة، واكتشاف وجود الخالق لكل شيء.
ولعلي أخصص يوميات لمن أراد الاستزادة والفهم، لان مصر وطن ليس عادياً، وليس كما نعرفه من ظواهر الاشياء. الغاطس اعمق مما نراه، والعناصر المتداخلة أكثر من البادية، وليت من يصل إلي الحكم يلم ولو بطرف، ربما جنبنا هذا الكثير من المخاطر. أعود الي الجيش. لماذا جري ما جري؟
حسرة عرابي
ما من مرحلة نهض فيها الجيش واستقام أمره الا ويخرج منه القائد الوطني الذي يخلص البلاد من محتل غاشم أوحاكم ظالم، هذا درس التاريخ منذ أحمس الأول وحتي جمال عبد الناصر. ومن المراحل المؤثرة ثورة عرابي أو كما يعرفها المصريون بهوجة عرابي، ومن أراد معرفة اهوالها وايامها فعليه بكتاب الاستاذ صلاح عيسي الهام »الثورة العرابية« والذي كتبه كاملاً في معتقل مزرعة طرة ولكن المزرعة كانت في حال آخر غير ماهي الآن، شكلاً ومضموناً، غير أن السجن سجن مهما تبدل الحال، في تاريخ أحمد عرابي مواقف تراجيدية، ودرامية، بعد عودته من المنفي البعيد في جزيرة سيلان والذي طال أعواماً ثقيلة، كانت الثورة قد اصبحت من ذكريات الماضي، وتعرض قادتها للتشويه وحتم الاحتلال الانجليزي علي الوطن، عاد عرابي عجوزاً، متبدل الملامح، غير أنه أثناء جلوسه بالمقهي تقدم منه شاب حديث السن، يبدو أنه تعرف عليه فسأله: هل انت أحمد عرابي؟ وعندما أومأ مجيباً بصق الشاب في وجهه وتلفظ بما لا يليق، لم يرد أحمد عرابي، بل تكأكأ علي نفسه وعاد إلي بيته ثقيل الخطي، يجرجر تاريخه وذاته وثورته، ووقفته ضد الخديوي والاحتلال، دخل بيته ولم يخرج إلي محمولاً إلا مقره الأخير..
موقف رهيب. لماذا أذكره الآن؟ هل الإهانات التي يوجهها المحتشدون في الميدان هي السبب؟ ربما لكنني أقاتل بقلمي حتي لا يلحق بالجيش المصري أذي. حتي وإن اختلف معي بعض من أحبهم وأودهم وداً جميلاً، فقد أصبح من المفروغ منه للتدليل علي الثورية سب العسكر، لقد اعتاد سمعي علي ذلك الهتاف المنادي بسقوط العسكر، ولكن لم اتصور وصول الأمور الي هذا السباب المنحط والذي يعكس تدنياً في العلاقة بين الجيش والشعب، لم يعودا يداً واحدة كما كانت الحال في الايام الثمانية عشر التي تعتبر جوهر الثورة قبل ان تتخاطفها الأيدي والمصالح، لماذا جري ما جري؟
ربما نحتاج هنا إلي فهم الصورة في مجملها لعلنا ندرك منها تفاصيل اشمل وأوسع مما نراه ونلمسه، من الملاحظ أنه يجري تصفية كل الجيوش العربية بطرق مختلفة، خاصة تلك الجيوش التي حاربت ضد إسرائيل حتي وإن اسهمت بقدر، في أكتوبر أو غيرها، الجيش العراقي أحد أقوي الجيوش العربية لم يعد له أثر. بل جري تعقب وتصفية جميع الطيارين، لقد كان الجيش العراقي ضحية قيادته السياسية، بعد التورط في الحرب العراقية - الايرانية وغزو الكويت. اما الجيش السوري فقد زج به في حرب ضد شعبه وعمليات إبادة للمدنيين ستظل وصمة في تاريخه، والتقت السياسة الحمقاء الطائفية للنظام بما يراد الوصول إليه من قبل قوي بعينها، الجيش اليمني يمضي في نفس الطريق، الجيش السوداني منغمس في الحروب الأهلية، لم يتبق الا الجيش الجزائري والمصري، إذا ما جرت مقارنة فإن الجيش المصري هو الأقوي بلا منازع، يكفي أن نعلم عدد الالوية المدرعة في كل منهما، الجزائري يضم اربعة ألوية، والمصري ثمانية وعشرين، خلال إصغائي إلي الهتافات المعادية، وقراءتي للبرقيات المنشورة في إحدي الفضائيات العربية والمستمرة منذ فترة ويمكن الاستدلال بعدم تلقائيتها بمضمونها المتكرر وأخطره محاولة تأليب قوات الجيش علي قيادته واستخدام أوصاف مثل »الجيش المصري الحر« علي غرار »الجيش السوري الحر«، رغم الفارق الشاسع، فالجيش المصري لم يرتكب جريمة واحدة علي مدي تاريخه ضد شعبه، ولم تهاجم قواته قرية أو منطقة، ولم يكن إلا جانباً حانياً، يلوذ به الناس، وتحتفظ ذاكرتي بمشاهد مؤثرة وثرية من حربين قدر لي أن أشهدهما وأن أعايشهما. وما كتبته محفوظ في ذاكرة هذه الجريدة التي أنتمي اليها وسأظل عمري مختلطا برحيق أحبار مطابعها، ولعل ما جري في الشهور الماضية حافز لاقدامي علي تسجيل ما شاهدت ورواية ما عاينت حفظاً لمضمون وطن يتبدد مع الأحداث، ويختفي مع المسببات. بعضها تلقائي ومنها سييء النية المدبر. ومما أثرفي بعمق ظهور مجموعة من شباب الميدان الوطنيين، ادركوا الخطر فسعوا إلي صيانة الذاكرة ورغم أنهم عاشوا مرحلة تالية للاستنزاف وأكتوبر فقد ولدوا جميعاً بعد توقف نيران القتال بدأوا بجمع كل المتاح من الوثائق والسعي الي الاحياء لتسجيل شهدائهم ومن أراد الاطلاع فعليه بالانترنت، أن يكتب »المجموعة 37 مؤرخين« وسوف يطالع جزءاً مما قام به نفر من الشباب الوطنيين الغيورين علي بلدهم وجيشهم وهذا جهد لم تقم به القوات المسلحة لنفسها بسبب سياسة النظام السابق الذي أحاط الجيش بسور متين لا ينفذ منه أحد فأصبح كياناً مبهماً، غامضاً، يحيط به الغموض والشكوك والاشاعات، وأذكر هنا وضع الجيش بعد ثورة يوليو فقد بذل جهداً كبيراً لإقامة الاواصر بين الجيش والشعب، مثل فتح ابواب الاسلحة المختلفة في الاعياد والمناسبات لأفراد الشعب العاديين، وأذكر أنني رأيت لأول مرة طائرة مقاتلة في ميدان التحرير، ميج 71، وأول طائرة صناعة مصرية، القاهرة 003 وكانت مشروعاً مشتركا بين مصر والهند، القاهرة 003 لا توجد الآن إلا في كتب تاريخ الطيران العالمية وليس الحربية، كذلك طائرة التدريب جمهورية، اما الهند فتصنع الآن سفن الفضاء، بدأنا معاً ولكن شتان، لم ينجح الجيش في إقامة الجسور خلال الثلاثين عاماً الماضية، حتي المشروعات الاقتصادية لم يجر جهد إعلامي للتعريف بها الا خلال الاسابيع الماضية بعد الحملة الضارية ضدها، والتي صورت للناس أن هذه المشاريع ملك لاعضاء المجلس العسكري وكبار الضباط. وساد انطباع بفساد الجيش وقيادته وجري تركيز علي ذلك، خاصة عمولات السلاح منذ ان بدأ اعتماد مصر علي السلاح الامريكي في عهد الرئيس السادات، وأذكر أنني عندما سمعت عبارة »تنويع مصادر السلاح« عام اربعة وسبعين إلا وقلت علي الفور »العمولات«، غير أن السادات الذي فتح هذا الباب المخيف لم يمارس الفساد. الذي استفاد منه رجال مبارك وابناءه، هكذا ظهر حسين سالم الواجهة الاقتصادية لمبارك والمشير ابوغزالة الذي كان قائداً نابغة ولكنه أحد الاسماء المرتبطة بحسين سالم ومنير ثابت، وغيرهم، والمثير في حدود ما أعلم أنه لا يوجد اسم واحد من المجلس العسكري الحالي ارتبط بما أثير حول عمولات السلاح، لكنه هو الذي تلقي كل الهجوم لعدم الشفافية في الماضي والحاضر، ولعدم التعريف بالمشروعات الاقتصادية التي أعتبرها آخر شكل للقطاع العام في مصر منضبط ومنتج، وبدلاً من الاحتفاء بها وتدريسها جري التشهير بها، هذه المشروعات وفرت احتياجات القوات المسلحة بحيث لم تعد تمثل عبئاً علي الدولة، بالعكس، وفرت احتياطي نقدي قيمته ثمانية عشر ملياراً من الجنيهات، ثم اقراض الحكومة اربعة منها خلال العام الاخير، وما يتبقي يتم من خلال توفيرلوازم القوات المسلحة وهي كثيرة ومعقدة وتصب كلها في صالح الجيش والحرص علي بقائه قوياً متطوراً.
يحسب لقيادته وايضا للنظام السابق رغم كل مساوئه ان الجيش عمل بحرفية وروح وطنية لتوفير قوة عسكرية عالية المستوي لحماية مصر، ولكن هذا العمل تم بعيداً عن الناس ربما بسبب المبالغة في اتخاذ السرية والتعتيم علي اللحظات الهامة في تاريخ الجيش واختصار كل شيئ لمصلحة الرئيس والضربة الجوية، هكذا اختفت اسماء قادة عظام منها المسلم والقبطي (من يعرف أن رئيس اركان الدفاع الجوي كان مصرياً قبطياً؟ الفريق جورج ماضي وهو القائد المباشر للفريق سامي عنان. وقد توفي الي رحمة الله منذ عامين)، سأعود إلي هذا بالتفصيل لانه مثير للشجون يحسب لقيادة الجيش الحالي، وعلي رأسها المشير طنطاوي أنهم حافظوا علي العقيدة القتالية للجيش المصري، ورفضوا الضغوط الامريكية بتحويله الي قوة لمحاربة الارهاب، غير انهم حافظوا علي العقيدة القتالية للجيش التي تقضي أن مصدر الخطر الرئيسي من الشرق كما كان دائماً عبر العصور واستقر ذلك بعد انشاء دولة إسرائيل، ما يترتب علي ذلك ان اوضاع القوات والتسليح والتدريب والاستعداد تخدم هذه العقيدة، بما فيها المشروعات الاقتصادية موضوع انتقاد الثوار والكثيرين، اذا كان الحال هو هكذا فلماذا تبدل الامر من »الشعب والجيش ايد واحدة« إلي السباب المهين علي انغام الموسيقي علي الطريقة الحماسية الفلسطينية وإعلامهم ومليشياتهم في الميدان؟، لماذا جري ذلك؟
اتساع الهوة
لو أن دبابة اطلقت طلقة واحدة في الميدان لتبدل الامر تبديلاً نزل الجيش ومدرعاته مكتوب عليها »يسقط حسني مبارك«. الجيش كان ضد التوريث، وهو الذي أجبر مبارك علي ترك السلطة، أتمني إذاعة التفاصيل يوماً، بعد الحادي عشر من فبراير تشكل المجلس الاعلي، وجري أمر خطير هو الخلط بين المجلس الذي يمارس دوراً اساسياً والجيش، خاصة بعد انهيار الشرطة والاجهاز علي أمن الدولة الغامض. وبقاء وحدات الجيش في الشوارع لحفظ الأمن وبدء تعرضها للاستفزاز من الشباب الثائر الذي يجهل الكثيرون منهم تاريخ هذا الجيش ولكنهم يعرفون مشاهد الميدان السماوي، الدبابة في مواجهة الانسان، صور جيوش امريكا اللاتينية التي نشأت ضد شعوبها، لم يقل لهم أحد أن الجيش المصري لم يرتكب عملاً واحداً ضد أهله وشعبه، ومن مائة وخمسين الفا من ضباطه وجنده ذهبوا الي اليمن لمؤازرة الثورة، ولم تسجل الوقائع أي حادثة سرقة أو اغتصاب، وقد زرت اليمن مرتين وشاهدت وعاينت تقديس الجيش المصري، ويتجسد هذا في النصب التذكاري لشهدائنا الذي لا يوجد مثله في مصر.
حتي الحادي عشر من فبراير كانت العلاقة يد واحداة فلماذا تبدلت الي عدة أطراف وزوايا، الي محاولة الهجوم علي وزارة الدفاع وغير ذلك، السبب هو الفارق بين رؤية المجلس ورؤية الثوار. الثوار استهدفوا انهاء النظام القائم وتقويض دعائمه. والمجلس أنهي عملية التوريث ولم يتخذ الموقف نفسه من النظام القديم ولم يعلن الإنقلاب عليهم، بل سكت عن أمور اساسية منها إنهاء المشروع النووي المصري بعد تدميره بفعل مخطط لم ينجح في تنفيذ ذلك في عصر مبارك نفسه، كان الدفع بخلاصة القوات المصرية لمواجهة المتظاهرين خطأ كبيراً، لان ذلك يؤسس لظاهرة لم تكن موجودة في تاريخ العلاقة بين الجيش وشعبه، وكان الخلط بين مهمة المجلس والجيش خطأ آخر، أذكر أن ذلك لم يحدث بعد ثورة 32 يوليو، كان مجلس قيادة الثورة كياناً سياسياً قائما بذاته، وكان يشار اليه باسمه »المجلس« »مجلس القيادة« ولكن الجيش ظل بمعزل عن ازمة مارس 4591 وغيرها من أحداث. هذه اخطاء يتحملها المجلس العسكري، الي جانب سوء علاج العديد من المواقف وغموض العلاقة بالإخوان المسلمين والتي انتهت في رأي كثيرين الي ما يشبه النموذج الباكستاني، حزب ديني يحكم مع جيش قوي مسيطر، إذا صح ذلك فإن الجيش المصري ينتظره ما نخشاه، لان جماعة الإخوان ضد الوجود المستقل لجيش قوي، ومثل كل مؤسسات الدولة لديها البديل، وفي حالة الجيش لديها الميليشيات الجاهزة لكي تحل مكانه.
ثمة مؤسستان سوف تعمل الجماعة علي إنهاء دورهما، الأزهر وقد بدأ ذلك من خلال مجلس الشعب المنحل والتشريعات التي كانت تعد ضده، والجيش الذي سوف يجري محاولة تحجيمه، وربما إنهاء دوره بعد إحكام قبضتهم علي الدولة من خلال الإحلال والتبديل.
ماذا يجب؟
إلي إين
أولاً يجب الوعي بالاهداف البعيدة التي يجري تنفيذها، وأولها تصفية وتحجيم الجيش المصري، يجب ادراك هذا ومنع وقوعه بأي شكل، مصر تصعد مع جيشها وتهوي معه، تلك حقيقة تاريخية، إنني أتمني الوعي بذلك، وتجديد دم القيادات العاملة التزاماً بالمبدأ المعمول به بعد هزيمة يونيو والذي تعامل مع هذا المبدأ بصرامة. أتمني ادراك القوي الوطنية لخطورة الشرخ الواقع الآن، وان يبدأ التفكير في رتقه منذ الآن، من الخطورة الشديدة عودة الجيش إلي ثكناته مهانا، هذا من أخطر العوامل المهددة للعلاقة وللجيش نفسه، أتمني رصد التشريعات الخاصة بالجيش خاصة إذا عاد المجلس الإخواني أو استبدل بغيره. أن تراقب جيدا ، وأن يقام احتفال رمزي من القوي الوطنية كلها عند عودة الجيش إلي ثكناته . وأن تظهر قيادات جديدة أقرب إلي الشباب.
لأول مرة يصبح الأمن القومي المصري مهددا من سائر حدودها وليس الشرقية فقط، يجري هذا مع تصاعد العمل المخطط له بدهاء وحنكة ضد الجيش المصري، الذي لم يتقن الدفاع المعنوي عن نفسه وتوضيح المغالطات، التي تتم، لم اشعر بالخوف علي الجيش في عام 7691 رغم هزيمته، لأن ارادته لم تهزم، وفي حرب أكتوبر لن أنسي سؤال المقاتلين لي كلما وصلت إلي الجبهة في الصباح الباكر.
اهالينا بيقولوا علينا ايه؟
كانوا يثأرون من ظلم لحق بهم، وهزيمة لم يتسببوا فيها، أعرف مدي الشعور بالاهانة لدي الضباط، خاصة الشباب منهم، أحدهم اتصل بي متألما، كيف نطلب من ضابط يسمع سبه بأذنيه ان يتقدم إلي الموت من أجل الوطن؟، أيا كانت الأخطاء فلابد من فحصها ومعالجتها من القوي الوطنية، أيا كانت المستويات التي صدرت عنها. أما أولئك الذين يعتصرهم الألم كما اعتصر أحمد عرابي من قبلهم فأقول لهم:
»لا تهنوا ولا تحزنوا، فأنتم الأعلون..«
من ديوان الابنودي
ودا.... ع
يا أرض الوطن تحت الطوفان
لأني ناوي.. أغرق مع الغرقان
لأني ناوي أفقر مع الغلبان
وابحث عن الإنسان
في قلمي وف صوتي
وحافضل أقول الحق
حتي ولو ده كان
سبب موتي
من سوق العصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.