مصادر ل «أهل مصر»: دمج وزارتي «النقل» و«الطيران» تحت قيادة كامل الوزير    "QNB" يوقع بروتوكول تعاون مع جامعة الجلالة لدعم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    وزير التعليم العالي: مصر الأولى أفريقيًا في الذكاء الاصطناعي.. ونقارن أنفسنا بأكبر دول العالم    أبرزها الحد من تقييد حرية المنافسة.. منع الاحتكار: 3 أهداف لدعم رؤية مصر 2030    وكالة مهر الإيرانية: تأكيد أسماء 6 أشخاص مؤهلين لانتخابات الرئاسة    العواصف القوية تعوق التصويت في بعض مراكز التصويت بانتخابات البرلمان الأوروبي في النمسا    جندي إسرائيلي يُنهي حياته بعد تلقيه أمرًا بالعودة للخدمة في قطاع غزة (تفاصيل)    شبح الاستضافة يطارد ألمانيا.. هل تتوج «الماكينات» باللقب على أرضها؟    ثنائي الأهلي يتلقى عروضًا من الدوري السعودي    فور اعتمادها.. رابط وخطوات الاستعلام عن نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة الفيوم    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والمجازر استعدادًا لعيد الأضحى    ضبط صاحب محل لبيع أجهزة الريسيفرات التي تقوم بفك شفرات القنوات الفضائية بدون تصريح بالقليوبية    سفاح التجمع عن علاقاته الجنسية وممارسة الرذيلة: "كنت عايز أثبت لنفسي إني لسه كويس وراجل"    محامي عمرو دياب أمام النيابة: «المعجب أمسك به من الظهر لإجباره على التصوير»    المهرجان القومي للمسرح المصري يضع اللمسات الأخيرة لدورته ال17    تعرف على أعضاء مجلس أمناء مؤسسة «زاهي حواس» للآثار والتراث    في ذكرى رحيل عبد الله محمود.. بدأ موظفًا في كلية الزراعة وتعاون مع عمالقة النجوم وهزمه السرطان (تقرير)    تقرير ل«أ ش أ»: مواقيت الإحرام.. محطات للاستعداد وبوابات لدخول ضيوف الرحمن بيت الله الحرام    «الصحة» تعلن الانتهاء من قوائم الانتظار لعمليات قسطرة القلب بمستشفى السويس العام    لتنفيذ التوصيات.. رئيس «الشيوخ» يحيل 14 تقريرا إلى الحكومة    درجات الحرارة وصلت 50.. بيان عاجل من النائبة بشأن ارتفاع درجات الحرارة في أسوان    "النواب العراقي" يدين القصف الإسرائيلي على مخيم النصيرات بغزة    بعد تخطيها 48 درجة.. كيف تعاملت الأقصر مع ارتفاع قيم الحرارة؟    محافظ كفرالشيخ يعلن فتح المجازر لاستقبال الأضاحى وذبحها «بالمجان»    هذه أماكن صرف مرتبات العاملين بالدولة لشهر يونيو 2024    ميدو: الزمالك اتظلم في ملف نادي القرن    موراتا يواصل مطاردة توريس وراؤول    فورير    أوبلاك.. صمام أمان سلوفينيا في الظهور الأوروبي الثاني    أفضل الأدعية والأعمال في يوم التروية    «لأعضاء هيئة التدريس».. فتح باب التقدم لجوائز جامعة القاهرة لعام 2024    محافظ كفر الشيخ يتابع جهود حملات إزالة الإشغالات بدسوق    «التضامن الاجتماعي» توافق على قيد ونقل تبعية 3 جمعيات بالقاهرة والغربية    إعلام إسرائيلي: اندلاع حريق كبير شمالي الجولان عقب سقوط عدد من الصواريخ    العمل: زيارات ميدانية لتفقد مواقع الإنتاج بأسيوط    عمرو محمود يس وياسمين عبدالعزيز في رمضان 2025 من جديد.. ماذا قدما سويا؟    فكري صالح: مصطفى شوبير حارس متميز وشخصيته في الملعب أقوى من والده    إخماد حريق داخل معرض ملابس فى الموسكى دون إصابات.. صور    إدريس : أتوقع أن نحقق من 7 إلى 11 ميدالية في أولمبياد باريس    وزارة الصحة: نستهدف رفع الوعي بالكشف المبكر عن الأورام السرطانية    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق (تفاصيل)    «معلومات الوزراء» يلقي الضوء على ماهية علم الجينوم وقيمته في المجالات البشرية المختلفة    مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح للحماية من ضربات الشمس    إلغاء الأدبي والعلمي.. تفاصيل نظام الثانوية الجديد وموعد تطبيقه    «مع بدء طرح أفلام العيد».. 4 أفلام مهددة بالسحب من السينمات    برقم الجلوس.. الموقع الرسمي لنتيجة الصف الثالث الإعدادى 2024 الترم الثاني للمحافظات (رابط مباشر)    «خلال 24 ساعة».. رفع 44 سيارة ودراجة نارية متهالكة    عالم أزهري يوضح فضل الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة وكيفية اغتنامها    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    «الإفتاء» توضح أعمال يوم النحر للحاج وغير الحاج.. «حتى تكتمل الشعائر»    وزيرة البيئة: إطلاق مركز التميز الأفريقي للمرونة والتكيف بالقاهرة خلال 2024    شركة فولفو تنقل إنتاج السيارات الكهربائية من الصين إلى بلجيكا    الملامح النهائية للتشكيل الحكومي الجديد 2024    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    «البحرية البريطانية» تعلن وقوع حادث على بعد 70 ميلا جنوب غربي عدن اليمنية    هذه الأبراج يُوصف رجالها بأنهم الأكثر نكدية: ابتعدي عنهم قدر الإمكان    من تعليق المعاهدات إلى حرب «البالونات» الأزمة الكورية تتخذ منعطفًا خطيرًا    أمير هشام: كولر يعطل صفقة يوسف أيمن رغم اتفاقه مع الأهلي ويتمسك بضم العسقلاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الاخبار
عن الجيش
نشر في الأخبار يوم 31 - 01 - 2012

أخطر ما جري خلال العام الماضي اختلال العلاقة بين الشعب والجيش، وصول الأمور إلي هذا الهتاف »يسقط.. يسقط حكم العسكر«.
مثل كل الشعارات المؤثرة لا أعرف من صاغ »يسقط.. يسقط حكم العسكر«.. تماما مثل »الشعب والجيش ايد واحدة« أو »الشعب يريد اسقاط النظام«.. الأخيران انطلقا أولا من الميدان عندما كان الحشد متناسقا، والهدف واضحا، والقضية معصومة، لذلك جاءت الشعارات دقيقة، واضحة، لا يختلف عليها أحد، أما »يسقط.. يسقط حكم العسكر« فقد تردد في فترة ملتبسة، تتداخل فيها الأطياف، ويتضبب القصد ويتوه السبيل، الشعار يردده الأطفال المحمولون علي الأعناق، والمصريون في الغربة، الأسبوع الماضي رحت أتابع هتافات تتردد داخل القنصلية المصرية في هامبورج، داخل القاعة، جمع من الدبلوماسيين بينهم قناصل وسفراء، احتفالا بثورة يناير، واضح ان البعض اقتحم الحفل وراح يردد الشعار، ربما شخصان، أحدهما يهتف والآخر يرد.
نجح هذا الشعار في إيجاد شرخ لم تحدثه هزيمة يونيو 7691، في الأيام التالية لوقف اطلاق النار، وعدول عبدالناصر عن التنحي، سافرت بمبادرة مني، بدون ترتيب من أي جهة إلا شخصي إلي مدينة السويس، كنت مع آخرين نتجه إلي منطقة التماس، إلي الأرض المشتعلة، الجبهة، الهدف هو نجدة الجنود الشاردين العائدين في قيظ يونيو من المتاهة، من دروب سيناء العلنية والخفية، بعضهم قضي عطشا، أو برصاص الصهاينة، ونفر منهم قتل بطريقة عبثية، عند وصولهم إلي شاطئ القناة، يتقدم ضباط إسرائيليون، يشهرون مسدساتهم، يصوبونها إلي الرءوس، يقتلون الأرقام الفردية في الطابور ويتركون الزوجية أو العكس، لم أكن قد بدأت عملي بعد كمراسل حربي للأخبار، لن أفيض فيما رأيته خلال تلك الأيام، أو أيام يونيو الاستنزاف ثم عبور أكتوبر الذي شهدت أحداثه ونفرة المصريين »الكل في واحد« الشبيهة بثورة يناير، لن أذكر المزيد من التفاصيل الآن، واضح أن ثمة خطأ ما في نظرة قطاع عريض من الشباب الذي أشعل فتيل الثورة، حيث ألاحظ انفصالا بين الماضي والحاضر، كأن جذوة يناير انطلقت من فراغ، وهذا ليس بصحيح، ولابد ان جهدا علميا سيبذل لفهم آليات الثورة ومساراتها، واتجهاتها، أتمني التوقف عند هذه الظاهرة، ذلك الانفصال بين الأجيال، رغم أن ثورة يناير بالتحديد جاءت نتيجة التراكم البطئ علي امتداد ثلاثين عاما، ولعل قارئ هذه اليوميات يتذكر وصفي لمظاهرات كفاية، والوقفة ضد بيع عمر أفندي، وذلك اليوم المؤثر، البارز في المسار عندما خرج قضاة مصر يتزعمهم المستشارون زكريا عبدالعزيز، والبسطويسي، ومحمود وأحمد مكي، هذا يوم مشهود، تظاهر فيه القضاة لأول مرة بأوسمتهم في الشارع، وهذا حدث لم تعرفه مصر من قبل حتي في ثورة 9191 العظمي، يناير لم يأت من فراغ لكنه نتاج مسار وأدب ومعاناة، لماذا هذا الانفصال، ولماذا وصلت الأمور إلي حد أن هذا الشعار »يسقط.. يسقط حكم العسكر« يصبح بعد سنة من الثورة الأبرز والأعلي؟.. الموقف يحتاج إلي وقفة صريحة وإلي فحص حاد.
العسكر في تاريخنا
كلمة »العسكر« لها مرجعية سيئة في تاريخنا، ظهرت في العصر العثماني الذي هوت فيه مصر إلي الحضيض بعد تحولها من سلطة مستقلة تحمي البحرين والحرمين إلي ولاية تابعة للخليفة العثماني الذي يرسل إليها باشا معينا من عنده، محدود المدة فيكون همه جمع المال، هذه مرحلة اختفت فيها الدولة تقريبا، وأصبحت مصر نهباً لفلول المماليك، والعسكر الأتراك وهؤلاء من أقسي المحتلين الذين عرفتهم مصر، ومنهم الانكشارية، والدلاتية، وكانوا قساة القلوب، يقتلون المصريين علنا وبدون تردد، ويغتصبون الشيوخ علي مداخل المساجد علنا، من هنا أطلق المصريون عليهم كلمة »العسكر«، عسكر الانكشارية ثم عسكر الفرنسيس، أوصاري عسكر بونابرت كما يصفه الجبرتي، ترتبط الكلمة بأظلم فترات مصر، وأقسي أنواع الاحتلال وأحط فتراتها، لذلك اعتبرها كلمة مهينة، فالعسكر الذين تعرفهم مصر الآن من ابنائها، وهم اشقاء من كانوا في التحرير، ولم يحدث ما غير عقيدة الجيش الذي مورست عليه ضغوط هائلة خلال عهد مبارك لكي يغير عقيدته القتالية، الجيش المصري مصمم علي أنه جيش دولة يواجه جيش دولة قوية، والخطر الرئيسي مازال قائما ناحية الشرق، كان المطلوب بعد اتفاقية الكامب توجيهه غربا أو جنوبا، وعندما أقدم السادات علي مغامرة لا تتفق مع عقيدة الجيش، أي العملية العسكرية ضد ليبيا وصل الأمر إلي حد التمرد في بعض الوحدات، وقدم ضباط من رتب العقيد والعميد استقالاتهم بعد رفضهم أوامر الهجوم علي بلد عربي.
خلال السنوات الثلاثين حافظ الجيش علي برامج تطوره، وتحول إلي جيش حديث بمعني الكلمة، ولم يكتف بالوفاء لعقيدته القتالية »العدو من الشرق« إنما حافظ علي الوفاء - برفضه التوريث- للمبادئ التي قامت عليها الجمهورية، في نفس الوقت انشأ من المؤسسات الاقتصادية ما يمكنه من تلبية احتياجاته بدون تحميل الحكومة ميزانيات ضخمة، وقد أدبرت هذه المؤسسات بانضباط صارم لو أديرت به المؤسسات الأخري لتقدمت مصر كثيرا، خلال أزمة البنزين لاحظت اشتداد الزحام علي محطات »وطنية« التي تتبع القوات المسلحة، وعندما استفسرت عرفت أنها مشهورة بالدقة في العيار وانتفاء الغش، مما بث فيها الثقة عند المواطنين، المؤسسات الاقتصادية للجيش انجاز مهم يجب الحفاظ عليه وعدم التشهير به، ثمة أمور أخري من الصعب الخوض فيها، إلا أن ما اعرفه في حدود المراقب من بعيد، فقد تقاعدت من عملي كمحرر عسكري عام أربعة وسبعين بقرار مني، أقول ان ما يلوح لي، وطنية الجيش التي لا خلاف عليها، وانتماؤه إلي الشعب فهو جزء من سداه ولحمته، لذلك بدا غريبا وصول البعض إلي حد الشطط في السعي إلي استفزاز الضباط والجنود بتوجيه السباب المباشر إليهم، خاصة ليلة موقعة العباسية الأولي، وأمام مبني ماسبيرو، لنتخيل وقع ذلك علي ضابط يقود جنوده وهو مأمور بألا يبدي رد فعل؟
الجيش المصري الآن ومن قبل خلال حربي الاستنزاف وأكتوبر، هو جيش الدولة المصرية، جيش منضبط، ملتزم بقضايا أمته، إنه الجيش الأقوي، الوحيد المتبقي في الوطن العربي بعد حل الجيش العراقي القوي، واتجاه السوري إلي ذبح شعبه، لا يوجد جيش عربي آخر الآن في المشرق والمغرب لديه خبرة وتكوين الجيش المصري، لتنعرف الفرق، ويكفي ان نعرف الفرق بين الجيش الجزائري أحد أقوي الجيوش العربية الآن و الجيش المصري، الجزائري لديه أربعة ألوية مدرعة، المصري لديه ثمانية وعشرون لواءً مدرعا، المطلوب الآن انهاء وجود الجيش المصري وإضعافه وأن يجري ذلك بهدوء بدون جراحة كبري كما حدث في العراق، وأولي خطوات هذا المشروع الذي لا يخفي من يقف وراءه إحداث شقاق ما بين الجيش وشعبه الذي آزره طوال تاريخه، الذي حارب مع عرابي، وفي سائر الحروب منذ عام 8491، 6591، 7691، 9691 »حرب الاستنزاف« ثم حرب أكتوبر 3791، وقد عشت هذه السنوات الأخيرة ورأيت ودونت، ومما اسعدني في السنوات الأخيرة قيام مجموعات من الشباب المصري الذين ولدوا بعد سنوات طويلة من انتهاء حرب أكتوبر، أقدم هؤلاء علي تأسيس موقع الكتروني في الانترنت اسمه »مؤرخو أكتوبر« ويقوم هؤلاء بتوثيق حربي الاستنزاف وأكتوبر بجهد شخصي منهم، واجراء مقابلات مع الجنود والضباط، هذا جهد وطني واع بعد تقاعس إدارة الشئون المعنوية خلال الحكم المباركي، في إذاعة ما جمعته وقامت به من شهادات للابقاء علي صورة فرد واحد باعتباره بطل الضربة الجوية الأولي التي تم اختصار حرب أكتوبر فيها، وبمقاييس الواقع لم تكن إلا عملا يشكل عنصرا واحدا من عناصر شتي قامت به الأفرع الأخري، ولكنه النفاق المصري الرخيص، بهذه المناسبة أطالب قيادة الجيش الآن بالإفراج عن الشهادات التي قام باعدادها الدكتور اللواء سمير فرج خلال إدارته للشئون المعنوية.. بما فيها شهادة الرئيس السابق، فلا يمكن إلغاء دوره في قيادة الكلية الجوية، وقيادات القوات الجوية خلال حرب أكتوبر، ان انحرافه الأخلاقي والمالي في السنوات الأخيرة لا يلغي دوره كضابط أدي واجبه في فترة معينة، لقد جري تدهور في لحظات معينة مس تاريخ الجيش، وكانت ذروة ذلك اخفاء وتشويه دور القائد العظيم سعد الشاذلي إنه القائد الحقيقي للحرب، أإزيلت صورته من بانوراما أكتوبر، هذه الصورة يجب عودتها فورا إلي ما كانت عليه، إلي وضعه الصحيح في المركز عشرة، قيادة العمليات خلال حرب أكتوبر، حذار من اللعب في تاريخ الأوطان عامة والجيوش خاصة!
مرة أخري، لماذا وصل الأمر إلي »يسقط.. يسقط حكم العسكر« إلي هذه الهوة التي تتسع يوما بعد يوم وتنذر بعواقب وخيمة بين الجيش الذي يشعر الآن باهانة لا يمكنه ردها، وبين الشعب الذي يرفض وجود الضباط في مواقع القيادة السياسية، إنه رفض أعمق بدأ منذ ثورة يناير ورفض مطلق للحكم الذي بدأ في يوليو 2591، يجب ان نفهم ذلك، لكن هذا الرفض ربما يستهدف إنهاء حقبة، غير أنه يحتاج إلي ترشيد، فالستون عاما ليست متشابهة رغم الاخطاء الموجودة في كل مرحلة، وأخطرها طريقة اختيار من يخلف في عملية توريث سياسي، وللأسف جري الاختيار طبقا للمنطق المملوكي حيث اعتماد الامراء الأقوياء اختيار أغبي وأضعف من يخلف السلطان، لكن الغريب ان أطول سلاطين المماليك عمرا وبقاء في السلطة، هم الذين توهم البعض ضعفهم وانصياعهم، أو غباءهم، وهذا ما جري عند اختيار السادات وبعده مبارك، قضية رأس السلطة في مصر، في حاجة إلي فحص ودراسة شديدة، لذلك تركيزي فيما اكتب علي مواصفات رئيس مصر القادم، مرة أخري، لماذا وصل الحال إلي سيادة هذا الشعار الخطير؟ من يتحمل المسئولية؟
المجلس الأعلي
عندما نزلت مدرعات الجيش إلي التحرير بدأ المشهد للمراقبين غريبا، إذ كان مكتوبا علي كل منها »يسقط حسني مبارك«، ولم تمح الشعارات، حتي انسحاب القوات، انحاز الجيش إلي الشعب إتساقا مع تاريخه، فلم يحدث أن الجيش اطلق النار منذ تأسيسه في العصر الحديث علي شعبه، منذ عصر محمد علي، لن أخوض في التفاصيل، لكن أشير إلي تبدل المواقف مع تولي المجلس إدارة البلاد، وبروز مجموعة من الاخطاء أدت إلي نتائج كارثية، أخطرها تلك الفجوة بين الثوار والمجلس وصولا إلي هذا الشعار الخطير، سأحاول تجاوز التفاصيل، مثل وقائع كشف العذرية والتي لم أصدقها في البداية ثم ثبت انها صحيحة، واعتذر المجلس عنها لكن الحدث كان له دوي في العالم، كذلك خطأ الدفع بأرقي جنود الجيش تدريبا وصرامة »المظلات« للقيام بمهام الشرطة، حراسة مجلس الشعب، والتصدي للمتظاهرين، وضع بعض قوات الجيش في مواجهة المدنيين خطأ يجب محاسبة المسئول عنه، تبقي الملاحظات الرئيسية التي أدت إلي هذه الاخطاء ومنها.
في تقديري أن المجلس لم يستوعب حقيقة ثورة يناير، أي باعتبارها ثورة عميقة الجذور، ولو أن الاجراءات التي اتخذت بعد تنحي الرئيس السابق اتسقت مع مضمون الثورة لتغير وجه مصر خلال هذا العام، أي بدء اجراءات حاسمة ضد الرئيس السابق وأعوانه وأركان نظامه.. من خلال محاكمة سياسية علي الجرائم التي جرت في العقود الثلاثة، وقد أشار الأستاذ محمد حسنين هيكل إلي ذلك في مقدمة كتابه الجديد، لكن ما جري عكس ذلك، إذ ضاع وقت ثمين في فترة شرم الشيخ، جري فيه ترتيب الأوضاع لمصلحة الرئيس السابق ونظامه الذي يبدو بعد عام أكثر قوة، وما جري في الضبعة دليل علي ذلك، والاسماء عينها ماتزال الأقوي، لم يتخذ حتي قرارا بسحب ما منحوا من أراض شاسعة ولم يستثمروها، كل ما جري خلال هذه السنة من اجراءات يمثل تناقضا مع روح الثورة التي أحدثت تغييرا عميقا في تكوين المصريين الروحي، وعلي من يحكم سواء كان المجلس أو غيره أن يضع في اعتباره أن المصريين الآن غيرهم قبل الثورة، واضح أن بعض اعضاء المجلس ايضا احتفظوا بولائهم للنظام السابق، من هنا أري ضرورة إعادة تشكيله ولدي القوات المسلحة من الكوادر والقيادات ما يمكنها من إزالة آثار هذه السنة السوداء في تاريخ العلاقة بين الشعب والجيش، هنا أشير إلي تفعيل مبدأ التزمت به القوات المسلحة عقب هزيمة يونيو، إذ أدي بقاء المشير عامر قائدا أعلي إلي كارثة مازلنا نعاني منها، وفي المواجهة نجد ان المؤسسة العسكرية الاسرائيلية تضع سقفا زمنيا لتولي القيادات متوسطة ثلاث سنوات وهذا ما التزمت به القوات المسلحة بعد يونيو 7691، وحتي بداية تولي مبارك، في عهده جري خلل بهذا المبدأ خاصة في منصب القائد العام ووزير الدفاع، لذلك لابد من العودة إلي القاعدة الصارمة، مدة زمنية محددة لا تتجاوز الثلاثة أعوام، يكون التغيير عندئذ فورا في كافة المواقع القيادية بلا استثناء.
أيضا ينطبق ذلك علي أجهزة الأمن التي توصف بالسيادية، خاصة المخابرات العامة لقد أدي بعد هذه الأجهزة عن الرقابة إلي نشوء ما أطلق عليه بعد يونيو دولة المخابرات، وكان بقاؤها بعيدا من أخطر أسباب الهزيمة والمحاكمات التي جرت بعد يونيو تثبت ذلك، لابد من تجديد دم القيادات العليا بانتظام، وايجاد آلية توفق بين مقتضيات الرقابة التي تضمن عدم الانحراف، والسرية التي تلزم هذه المؤسسات بحكم طبيعة عملها، وأتصور ان لجنة الأمن القومي بمجلس الشعب يمكن ان تقوم بذلك.
أسند المجلس الإدارة الحكومية إلي ثلاث حكومات تحيط بكل منها علامات استفهام، فلا أحد يعرف أسباب بقاء الفريق أحمد شفيق شهرين بعد الثورة، أما الطريقة التي جاء بها عصام شرف فغريبة، مريبة، ولا سابقة لها في تاريخ الدول، رئيس وزراء يجيئ من الميدان، أي من الشارع، وقد رأينا النتيجة، إلا أن الاختيار الثالث كان أفدح، إذ تم اختيار رجل في الثمانين، فشل من قبل كرئيس وزراء، ليقود الحكومة في ظل ثورة عمادها الشباب، وها نحن نعيش النتيجة، أزمة في البنزين، تحطيم المنشآت النووية في الضبعة علي أيدي رجال دولة مبارك والحكومة لا تحرك ساكنا، أزمة في الاحتياطي النقدي، كل شئ إلي الأسوأ، لابد من اسناد المسئوليات الرئيسية إلي الجيل الذي اشعل فتيل الثورة، ولنبدأ بمنصب رئيس الوزراء، لماذا لا يسند إلي أحد الشباب الذين قادوا الثورة أو لعبوا دورا رئيسيا فيها، لنتذكر أن جمال عبدالناصر قاد ثورة يوليو وهو في الرابعة والثلاثين، لابد من تجسير الفجوة بين الشباب والجيش، لابد من وقف حملات تشويه الشباب والحركات الثورية التي استمرت عاما كاملا، لابد من سعي متكافئ بين الطرفين واللقاء في منتصف الطريق وإلا فإنها الكارثة.
الدستور والرئاسة
من أخطر ما جري خلال هذا العام عدم اعلان دستور جديد متكامل، كان البديل لذلك ما عُرف بالتعديلات الدستورية والتي مهدت الطريق لصعود التيارات الدينية التي لم تشارك في الثورة، والبعيدة عن مضمونها، وذلك بسبب الانتماء الايديولوجي لمن قاموا باعداد هذه المواد.
الأمر يتكرر الآن بالدعوة إلي انتخابات رئاسية قبل الدستور، إن مجئ رئيس الآن في ظل السلطات اللامحدودة التي كانت ممنوحة للرئيس السابق، يعني أننا نكرس لميلاد لص جديد لثروات البلاد، ودكتاتورا أشر فتكا من مبارك، خاصة إذا جاء أحد الذين عملوا معه لسنوات طويلة وعند توليهم المنصب سيكون في خلفية أذهانهم.
لابد من الاعلان عن لجنة تأسيسية لوضع الدستور تعبر عن الواقع الحقيقي وليس المدبر الذي اسفر عن البرلمان الحالي غير الحقيقي.
إنني أتمني عودة الجيش قبل او اثناء تنفيذ هذه الخطوات حرصا علي الجيش نفسه، وعندما يتم اصلاح ما فسد بين الجيش والثوار بعد استئصال النظام القديم، وارساء العدالة الاجتماعية، ودعائم الحرية، وتجديد قيادات الجيش بدلا من تثبيتها عندئذ آمل في عودة الشعار الأصلي المعبر عن حقيقة العلاقة »الشعب والجيش ايد واحدة«.. واختفاء هذه الكلمة ذات الدلالة المهينة »العسكر«.
رسالة من قارئة
تحية طيبة وبعد..
كنت أتمني أن تكون رسالتي تلك تهنئة بنجاح ثورة مصر بعد عام مضي ولكنها ربما تكون احتفالية لدي البعض بالوصول للكرسي والخروج الآمن لمبارك فهو في قصر رئاسة طرة وسط حراسة مشددة له ولأعوانه كما كانوا دائما بعيدين عن الشعب إذا كان الانجاز بعد عام هو الافراج عن ألفي معتقل من أصل 00001 فأين هي العزة ومعظمهم ممن اعتقل ظلما عقب الثورة ولم يفرج عن الباقين إذا كانوا أحياء؟ هل من حق أي مواطن ان يعالج في المركز الطبي العالمي بعد عام من شعار عيش حرية- كرامة إنسانية؟ ومن سيدفع تكاليف علاج مبارك؟ ومن الذي يدفع ثمن صبغة شعره؟ فهل يعقل لرجل جاوز السبعين يظل شعره أسود إلا إذا كان له ماكييره الخاص في أسره، أين حق من أريقت دماؤهم؟ أين حق المصابين؟ حق الشعب؟
إن الانجاز الحقيقي للمجلس العسكري هو اختياره لحلفائه »الإخوان« فهم من شرب نخب الثورة، للمجلس المجد علي الكراسي، وللإخوان المسرة روح الميدان الحقيقية كانت في المسيرات أحزنني وضع الميدان مسرح الإخوان وسماعاتهم الموزعة في كل مكان جعلت فرضا علينا سماعهم وجدت ذلك الخطيب الذي لم اعرف اسمه يتحدث عن: الوضع في سوريا وجرائم الكيان الصهيوني كنت أتمني الاصابة بالصمم وقتها شعرت انهم قد ركبوا الثورة بتذكرة ذهاب دون عودة.
ولكن عندما رأيت دموع أم أحد الشهداء وهي تقول: احمد والله زيه ماتوا ومحدش جاب حقهم وانتوا نازلين تحتفلوا. هتف حينها أحدهم: أنزل.. أنزل.. ولكن لم يلتفت الكثيرون ووجدت آخر يهتف: »يسقط يسقط حكم العسكر« تسرب بصيص من الأمل داخلي وتمنيت ان ينتهي اليوم بالاعتصام وقد كان فإن لم نعتصم في الميدان، فلا عاصم لنا إلا الله.
إسراء صالح
من ديوان الشعر العربي
زار القاهرة الاسبوع الماضي الشاعر السوري عادل قرة شوقي المقيم في المانيا واهداني آخر قصائده
حوار مع الموت المعلن
يتقدم مني الموت
اراه
اقول له لا تتعجل
ما زال لدي أمور لم انجزها
فيقول سينجزها غيرك يوما/ لست وحيدا فوق الارض
اقول لدي نصوص لم اكتبها/ فيقول سيكتبها غيرك
بعد رحيلك في الفجر
اقول انا لا يعزفني احد غيري/ فيقول تعفف
لا يوجد نص اصل/ لا يوجد قول فصل
فأقول ولكني البحر لاني القطرة في الموجة
لا موجة دوني لا بحر
فيقول بخبث ملحوظ/ نصفك ابليس والنصف ملاك
فبأي النصفين الآن تراك
فأقول
ولا أعرف ما قلت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.