حماة الوطن يدعو أبناء مصر بالخارج بالمشاركة الإيجابية في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    تقديرًا لعطائهم الوظيفي.. جامعة قناة السويس تكرم الفائزين بجائزة الأداء المتميز    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    "زي زيزو كدا".. الغندور يكشف الرد الحقيقي للزمالك حول إعادة إمام عاشور    بعد عامين.. عودة ترافورد إلى مانشستر سيتي مجددا    رئيس مجلس الدولة: نثمّن دور النيابة الإدارية في دعم دولة القانون    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    جو شو: التحول الرقمي يبدأ من الإنسان.. والتكنولوجيا وسيلتنا لتحقيق تنمية عادلة    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    مصر تُصدر أول شحنة تقاوي بطاطس ميني تيوبر إلى أوزبكستان    زلزال يضرب شرق روسيا بقوة 8.8 درجات.. تحذيرات من تسونامي وخسائر مادية    زيارة تبون لإيطاليا.. اتفاقيات مع روما وانزعاج في باريس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فحوى رسالة " الحية" !?    الهلال الأحمر المصري يرسل قوافل "زاد العزة" محمّلة بالخبز الطازج إلى غزة    فرانشيسكا ألبانيزي عن فرض واشنطن عقوبات عليها: ستضرني لكن التزامي بالعدالة أهم من مصالحي الشخصية    تنسيق الجامعات 2025.. 35 ألف طالب يسجلون في تنسيق المرحلة الأولى    محافظ الفيوم يكرّم طالبة من ذوي الهمم تقديرًا لتفوقها بالثانوية العامة    رسميًا.. بايرن ميونخ يضم لويس دياز حتى 2029    خسارة شباب الطائرة أمام بورتريكو في تحديد مراكز بطولة العالم    صلاح أساسيًا.. سلوت يعلن تشكيل ليفربول لمواجهة يوكوهاما مارينوس وديًا    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    القبض على 5 أشخاص بتهمة التنقيب عن الآثار في القاهرة    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    برابط التقديم.. إنشاء أول مدرسة تكنولوجية متخصصة بالغردقة (تفاصيل)    السكة الحديد تُعلن مواعيد قطارات خط "القاهرة الإسماعيلية بورسعيد" والعكس    مصير رمضان صبحى بقضية التحريض على انتحال الصفة والتزوير بعد تسديد الكفالة    فى لفتة إنسانية.. الأجهزة الأمنية بالقاهرة تنجح فى إعادة فتاة لأهليتها    «سلم على كل الغاليين».. رانيا محمود ياسين تودع لطفي لبيب    وزارة التضامن: التعامل مع حالات لسيدات وأطفالهن بلا مأوى تعرضن لمشاكل أسرية    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    صفية القبانى: فوز نازلى مدكور وعبد الوهاب عبد المحسن تقدير لمسيرتهم الطويلة    لمسات فنية لريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقي العربية ترتدي قفاز الإجادة بإستاد الأسكندرية    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    اليوم.. قطع مياه الشرب عن قريتين وتوابعهما بالمنيا    وزارة الأوقاف: تدعو لترسيخ القيم الإنسانية التي دعي إليها ديننا الحنيف بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر    الرعاية الصحية تطلق مشروع رعايتك في بيتك لتقديم خدمة طبية متكاملة داخل المنازل    تحرير (145) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    ليلى علوي تعيد ذكريات «حب البنات» بصور نادرة من الكواليس    لم نؤلف اللائحة.. ثروت سويلم يرد على انتقاد عضو الزمالك    رابطة الأندية: لن نلغي الهبوط في الموسم الجديد    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية فى أوسيم    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    انخفاض أرباح مرسيدس-بنز لأكثر من النصف في النصف الأول من 2025    حميد أحداد ينتقل إلى الدوري الهندي    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الاخبار
عن الجيش
نشر في الأخبار يوم 31 - 01 - 2012

أخطر ما جري خلال العام الماضي اختلال العلاقة بين الشعب والجيش، وصول الأمور إلي هذا الهتاف »يسقط.. يسقط حكم العسكر«.
مثل كل الشعارات المؤثرة لا أعرف من صاغ »يسقط.. يسقط حكم العسكر«.. تماما مثل »الشعب والجيش ايد واحدة« أو »الشعب يريد اسقاط النظام«.. الأخيران انطلقا أولا من الميدان عندما كان الحشد متناسقا، والهدف واضحا، والقضية معصومة، لذلك جاءت الشعارات دقيقة، واضحة، لا يختلف عليها أحد، أما »يسقط.. يسقط حكم العسكر« فقد تردد في فترة ملتبسة، تتداخل فيها الأطياف، ويتضبب القصد ويتوه السبيل، الشعار يردده الأطفال المحمولون علي الأعناق، والمصريون في الغربة، الأسبوع الماضي رحت أتابع هتافات تتردد داخل القنصلية المصرية في هامبورج، داخل القاعة، جمع من الدبلوماسيين بينهم قناصل وسفراء، احتفالا بثورة يناير، واضح ان البعض اقتحم الحفل وراح يردد الشعار، ربما شخصان، أحدهما يهتف والآخر يرد.
نجح هذا الشعار في إيجاد شرخ لم تحدثه هزيمة يونيو 7691، في الأيام التالية لوقف اطلاق النار، وعدول عبدالناصر عن التنحي، سافرت بمبادرة مني، بدون ترتيب من أي جهة إلا شخصي إلي مدينة السويس، كنت مع آخرين نتجه إلي منطقة التماس، إلي الأرض المشتعلة، الجبهة، الهدف هو نجدة الجنود الشاردين العائدين في قيظ يونيو من المتاهة، من دروب سيناء العلنية والخفية، بعضهم قضي عطشا، أو برصاص الصهاينة، ونفر منهم قتل بطريقة عبثية، عند وصولهم إلي شاطئ القناة، يتقدم ضباط إسرائيليون، يشهرون مسدساتهم، يصوبونها إلي الرءوس، يقتلون الأرقام الفردية في الطابور ويتركون الزوجية أو العكس، لم أكن قد بدأت عملي بعد كمراسل حربي للأخبار، لن أفيض فيما رأيته خلال تلك الأيام، أو أيام يونيو الاستنزاف ثم عبور أكتوبر الذي شهدت أحداثه ونفرة المصريين »الكل في واحد« الشبيهة بثورة يناير، لن أذكر المزيد من التفاصيل الآن، واضح أن ثمة خطأ ما في نظرة قطاع عريض من الشباب الذي أشعل فتيل الثورة، حيث ألاحظ انفصالا بين الماضي والحاضر، كأن جذوة يناير انطلقت من فراغ، وهذا ليس بصحيح، ولابد ان جهدا علميا سيبذل لفهم آليات الثورة ومساراتها، واتجهاتها، أتمني التوقف عند هذه الظاهرة، ذلك الانفصال بين الأجيال، رغم أن ثورة يناير بالتحديد جاءت نتيجة التراكم البطئ علي امتداد ثلاثين عاما، ولعل قارئ هذه اليوميات يتذكر وصفي لمظاهرات كفاية، والوقفة ضد بيع عمر أفندي، وذلك اليوم المؤثر، البارز في المسار عندما خرج قضاة مصر يتزعمهم المستشارون زكريا عبدالعزيز، والبسطويسي، ومحمود وأحمد مكي، هذا يوم مشهود، تظاهر فيه القضاة لأول مرة بأوسمتهم في الشارع، وهذا حدث لم تعرفه مصر من قبل حتي في ثورة 9191 العظمي، يناير لم يأت من فراغ لكنه نتاج مسار وأدب ومعاناة، لماذا هذا الانفصال، ولماذا وصلت الأمور إلي حد أن هذا الشعار »يسقط.. يسقط حكم العسكر« يصبح بعد سنة من الثورة الأبرز والأعلي؟.. الموقف يحتاج إلي وقفة صريحة وإلي فحص حاد.
العسكر في تاريخنا
كلمة »العسكر« لها مرجعية سيئة في تاريخنا، ظهرت في العصر العثماني الذي هوت فيه مصر إلي الحضيض بعد تحولها من سلطة مستقلة تحمي البحرين والحرمين إلي ولاية تابعة للخليفة العثماني الذي يرسل إليها باشا معينا من عنده، محدود المدة فيكون همه جمع المال، هذه مرحلة اختفت فيها الدولة تقريبا، وأصبحت مصر نهباً لفلول المماليك، والعسكر الأتراك وهؤلاء من أقسي المحتلين الذين عرفتهم مصر، ومنهم الانكشارية، والدلاتية، وكانوا قساة القلوب، يقتلون المصريين علنا وبدون تردد، ويغتصبون الشيوخ علي مداخل المساجد علنا، من هنا أطلق المصريون عليهم كلمة »العسكر«، عسكر الانكشارية ثم عسكر الفرنسيس، أوصاري عسكر بونابرت كما يصفه الجبرتي، ترتبط الكلمة بأظلم فترات مصر، وأقسي أنواع الاحتلال وأحط فتراتها، لذلك اعتبرها كلمة مهينة، فالعسكر الذين تعرفهم مصر الآن من ابنائها، وهم اشقاء من كانوا في التحرير، ولم يحدث ما غير عقيدة الجيش الذي مورست عليه ضغوط هائلة خلال عهد مبارك لكي يغير عقيدته القتالية، الجيش المصري مصمم علي أنه جيش دولة يواجه جيش دولة قوية، والخطر الرئيسي مازال قائما ناحية الشرق، كان المطلوب بعد اتفاقية الكامب توجيهه غربا أو جنوبا، وعندما أقدم السادات علي مغامرة لا تتفق مع عقيدة الجيش، أي العملية العسكرية ضد ليبيا وصل الأمر إلي حد التمرد في بعض الوحدات، وقدم ضباط من رتب العقيد والعميد استقالاتهم بعد رفضهم أوامر الهجوم علي بلد عربي.
خلال السنوات الثلاثين حافظ الجيش علي برامج تطوره، وتحول إلي جيش حديث بمعني الكلمة، ولم يكتف بالوفاء لعقيدته القتالية »العدو من الشرق« إنما حافظ علي الوفاء - برفضه التوريث- للمبادئ التي قامت عليها الجمهورية، في نفس الوقت انشأ من المؤسسات الاقتصادية ما يمكنه من تلبية احتياجاته بدون تحميل الحكومة ميزانيات ضخمة، وقد أدبرت هذه المؤسسات بانضباط صارم لو أديرت به المؤسسات الأخري لتقدمت مصر كثيرا، خلال أزمة البنزين لاحظت اشتداد الزحام علي محطات »وطنية« التي تتبع القوات المسلحة، وعندما استفسرت عرفت أنها مشهورة بالدقة في العيار وانتفاء الغش، مما بث فيها الثقة عند المواطنين، المؤسسات الاقتصادية للجيش انجاز مهم يجب الحفاظ عليه وعدم التشهير به، ثمة أمور أخري من الصعب الخوض فيها، إلا أن ما اعرفه في حدود المراقب من بعيد، فقد تقاعدت من عملي كمحرر عسكري عام أربعة وسبعين بقرار مني، أقول ان ما يلوح لي، وطنية الجيش التي لا خلاف عليها، وانتماؤه إلي الشعب فهو جزء من سداه ولحمته، لذلك بدا غريبا وصول البعض إلي حد الشطط في السعي إلي استفزاز الضباط والجنود بتوجيه السباب المباشر إليهم، خاصة ليلة موقعة العباسية الأولي، وأمام مبني ماسبيرو، لنتخيل وقع ذلك علي ضابط يقود جنوده وهو مأمور بألا يبدي رد فعل؟
الجيش المصري الآن ومن قبل خلال حربي الاستنزاف وأكتوبر، هو جيش الدولة المصرية، جيش منضبط، ملتزم بقضايا أمته، إنه الجيش الأقوي، الوحيد المتبقي في الوطن العربي بعد حل الجيش العراقي القوي، واتجاه السوري إلي ذبح شعبه، لا يوجد جيش عربي آخر الآن في المشرق والمغرب لديه خبرة وتكوين الجيش المصري، لتنعرف الفرق، ويكفي ان نعرف الفرق بين الجيش الجزائري أحد أقوي الجيوش العربية الآن و الجيش المصري، الجزائري لديه أربعة ألوية مدرعة، المصري لديه ثمانية وعشرون لواءً مدرعا، المطلوب الآن انهاء وجود الجيش المصري وإضعافه وأن يجري ذلك بهدوء بدون جراحة كبري كما حدث في العراق، وأولي خطوات هذا المشروع الذي لا يخفي من يقف وراءه إحداث شقاق ما بين الجيش وشعبه الذي آزره طوال تاريخه، الذي حارب مع عرابي، وفي سائر الحروب منذ عام 8491، 6591، 7691، 9691 »حرب الاستنزاف« ثم حرب أكتوبر 3791، وقد عشت هذه السنوات الأخيرة ورأيت ودونت، ومما اسعدني في السنوات الأخيرة قيام مجموعات من الشباب المصري الذين ولدوا بعد سنوات طويلة من انتهاء حرب أكتوبر، أقدم هؤلاء علي تأسيس موقع الكتروني في الانترنت اسمه »مؤرخو أكتوبر« ويقوم هؤلاء بتوثيق حربي الاستنزاف وأكتوبر بجهد شخصي منهم، واجراء مقابلات مع الجنود والضباط، هذا جهد وطني واع بعد تقاعس إدارة الشئون المعنوية خلال الحكم المباركي، في إذاعة ما جمعته وقامت به من شهادات للابقاء علي صورة فرد واحد باعتباره بطل الضربة الجوية الأولي التي تم اختصار حرب أكتوبر فيها، وبمقاييس الواقع لم تكن إلا عملا يشكل عنصرا واحدا من عناصر شتي قامت به الأفرع الأخري، ولكنه النفاق المصري الرخيص، بهذه المناسبة أطالب قيادة الجيش الآن بالإفراج عن الشهادات التي قام باعدادها الدكتور اللواء سمير فرج خلال إدارته للشئون المعنوية.. بما فيها شهادة الرئيس السابق، فلا يمكن إلغاء دوره في قيادة الكلية الجوية، وقيادات القوات الجوية خلال حرب أكتوبر، ان انحرافه الأخلاقي والمالي في السنوات الأخيرة لا يلغي دوره كضابط أدي واجبه في فترة معينة، لقد جري تدهور في لحظات معينة مس تاريخ الجيش، وكانت ذروة ذلك اخفاء وتشويه دور القائد العظيم سعد الشاذلي إنه القائد الحقيقي للحرب، أإزيلت صورته من بانوراما أكتوبر، هذه الصورة يجب عودتها فورا إلي ما كانت عليه، إلي وضعه الصحيح في المركز عشرة، قيادة العمليات خلال حرب أكتوبر، حذار من اللعب في تاريخ الأوطان عامة والجيوش خاصة!
مرة أخري، لماذا وصل الأمر إلي »يسقط.. يسقط حكم العسكر« إلي هذه الهوة التي تتسع يوما بعد يوم وتنذر بعواقب وخيمة بين الجيش الذي يشعر الآن باهانة لا يمكنه ردها، وبين الشعب الذي يرفض وجود الضباط في مواقع القيادة السياسية، إنه رفض أعمق بدأ منذ ثورة يناير ورفض مطلق للحكم الذي بدأ في يوليو 2591، يجب ان نفهم ذلك، لكن هذا الرفض ربما يستهدف إنهاء حقبة، غير أنه يحتاج إلي ترشيد، فالستون عاما ليست متشابهة رغم الاخطاء الموجودة في كل مرحلة، وأخطرها طريقة اختيار من يخلف في عملية توريث سياسي، وللأسف جري الاختيار طبقا للمنطق المملوكي حيث اعتماد الامراء الأقوياء اختيار أغبي وأضعف من يخلف السلطان، لكن الغريب ان أطول سلاطين المماليك عمرا وبقاء في السلطة، هم الذين توهم البعض ضعفهم وانصياعهم، أو غباءهم، وهذا ما جري عند اختيار السادات وبعده مبارك، قضية رأس السلطة في مصر، في حاجة إلي فحص ودراسة شديدة، لذلك تركيزي فيما اكتب علي مواصفات رئيس مصر القادم، مرة أخري، لماذا وصل الحال إلي سيادة هذا الشعار الخطير؟ من يتحمل المسئولية؟
المجلس الأعلي
عندما نزلت مدرعات الجيش إلي التحرير بدأ المشهد للمراقبين غريبا، إذ كان مكتوبا علي كل منها »يسقط حسني مبارك«، ولم تمح الشعارات، حتي انسحاب القوات، انحاز الجيش إلي الشعب إتساقا مع تاريخه، فلم يحدث أن الجيش اطلق النار منذ تأسيسه في العصر الحديث علي شعبه، منذ عصر محمد علي، لن أخوض في التفاصيل، لكن أشير إلي تبدل المواقف مع تولي المجلس إدارة البلاد، وبروز مجموعة من الاخطاء أدت إلي نتائج كارثية، أخطرها تلك الفجوة بين الثوار والمجلس وصولا إلي هذا الشعار الخطير، سأحاول تجاوز التفاصيل، مثل وقائع كشف العذرية والتي لم أصدقها في البداية ثم ثبت انها صحيحة، واعتذر المجلس عنها لكن الحدث كان له دوي في العالم، كذلك خطأ الدفع بأرقي جنود الجيش تدريبا وصرامة »المظلات« للقيام بمهام الشرطة، حراسة مجلس الشعب، والتصدي للمتظاهرين، وضع بعض قوات الجيش في مواجهة المدنيين خطأ يجب محاسبة المسئول عنه، تبقي الملاحظات الرئيسية التي أدت إلي هذه الاخطاء ومنها.
في تقديري أن المجلس لم يستوعب حقيقة ثورة يناير، أي باعتبارها ثورة عميقة الجذور، ولو أن الاجراءات التي اتخذت بعد تنحي الرئيس السابق اتسقت مع مضمون الثورة لتغير وجه مصر خلال هذا العام، أي بدء اجراءات حاسمة ضد الرئيس السابق وأعوانه وأركان نظامه.. من خلال محاكمة سياسية علي الجرائم التي جرت في العقود الثلاثة، وقد أشار الأستاذ محمد حسنين هيكل إلي ذلك في مقدمة كتابه الجديد، لكن ما جري عكس ذلك، إذ ضاع وقت ثمين في فترة شرم الشيخ، جري فيه ترتيب الأوضاع لمصلحة الرئيس السابق ونظامه الذي يبدو بعد عام أكثر قوة، وما جري في الضبعة دليل علي ذلك، والاسماء عينها ماتزال الأقوي، لم يتخذ حتي قرارا بسحب ما منحوا من أراض شاسعة ولم يستثمروها، كل ما جري خلال هذه السنة من اجراءات يمثل تناقضا مع روح الثورة التي أحدثت تغييرا عميقا في تكوين المصريين الروحي، وعلي من يحكم سواء كان المجلس أو غيره أن يضع في اعتباره أن المصريين الآن غيرهم قبل الثورة، واضح أن بعض اعضاء المجلس ايضا احتفظوا بولائهم للنظام السابق، من هنا أري ضرورة إعادة تشكيله ولدي القوات المسلحة من الكوادر والقيادات ما يمكنها من إزالة آثار هذه السنة السوداء في تاريخ العلاقة بين الشعب والجيش، هنا أشير إلي تفعيل مبدأ التزمت به القوات المسلحة عقب هزيمة يونيو، إذ أدي بقاء المشير عامر قائدا أعلي إلي كارثة مازلنا نعاني منها، وفي المواجهة نجد ان المؤسسة العسكرية الاسرائيلية تضع سقفا زمنيا لتولي القيادات متوسطة ثلاث سنوات وهذا ما التزمت به القوات المسلحة بعد يونيو 7691، وحتي بداية تولي مبارك، في عهده جري خلل بهذا المبدأ خاصة في منصب القائد العام ووزير الدفاع، لذلك لابد من العودة إلي القاعدة الصارمة، مدة زمنية محددة لا تتجاوز الثلاثة أعوام، يكون التغيير عندئذ فورا في كافة المواقع القيادية بلا استثناء.
أيضا ينطبق ذلك علي أجهزة الأمن التي توصف بالسيادية، خاصة المخابرات العامة لقد أدي بعد هذه الأجهزة عن الرقابة إلي نشوء ما أطلق عليه بعد يونيو دولة المخابرات، وكان بقاؤها بعيدا من أخطر أسباب الهزيمة والمحاكمات التي جرت بعد يونيو تثبت ذلك، لابد من تجديد دم القيادات العليا بانتظام، وايجاد آلية توفق بين مقتضيات الرقابة التي تضمن عدم الانحراف، والسرية التي تلزم هذه المؤسسات بحكم طبيعة عملها، وأتصور ان لجنة الأمن القومي بمجلس الشعب يمكن ان تقوم بذلك.
أسند المجلس الإدارة الحكومية إلي ثلاث حكومات تحيط بكل منها علامات استفهام، فلا أحد يعرف أسباب بقاء الفريق أحمد شفيق شهرين بعد الثورة، أما الطريقة التي جاء بها عصام شرف فغريبة، مريبة، ولا سابقة لها في تاريخ الدول، رئيس وزراء يجيئ من الميدان، أي من الشارع، وقد رأينا النتيجة، إلا أن الاختيار الثالث كان أفدح، إذ تم اختيار رجل في الثمانين، فشل من قبل كرئيس وزراء، ليقود الحكومة في ظل ثورة عمادها الشباب، وها نحن نعيش النتيجة، أزمة في البنزين، تحطيم المنشآت النووية في الضبعة علي أيدي رجال دولة مبارك والحكومة لا تحرك ساكنا، أزمة في الاحتياطي النقدي، كل شئ إلي الأسوأ، لابد من اسناد المسئوليات الرئيسية إلي الجيل الذي اشعل فتيل الثورة، ولنبدأ بمنصب رئيس الوزراء، لماذا لا يسند إلي أحد الشباب الذين قادوا الثورة أو لعبوا دورا رئيسيا فيها، لنتذكر أن جمال عبدالناصر قاد ثورة يوليو وهو في الرابعة والثلاثين، لابد من تجسير الفجوة بين الشباب والجيش، لابد من وقف حملات تشويه الشباب والحركات الثورية التي استمرت عاما كاملا، لابد من سعي متكافئ بين الطرفين واللقاء في منتصف الطريق وإلا فإنها الكارثة.
الدستور والرئاسة
من أخطر ما جري خلال هذا العام عدم اعلان دستور جديد متكامل، كان البديل لذلك ما عُرف بالتعديلات الدستورية والتي مهدت الطريق لصعود التيارات الدينية التي لم تشارك في الثورة، والبعيدة عن مضمونها، وذلك بسبب الانتماء الايديولوجي لمن قاموا باعداد هذه المواد.
الأمر يتكرر الآن بالدعوة إلي انتخابات رئاسية قبل الدستور، إن مجئ رئيس الآن في ظل السلطات اللامحدودة التي كانت ممنوحة للرئيس السابق، يعني أننا نكرس لميلاد لص جديد لثروات البلاد، ودكتاتورا أشر فتكا من مبارك، خاصة إذا جاء أحد الذين عملوا معه لسنوات طويلة وعند توليهم المنصب سيكون في خلفية أذهانهم.
لابد من الاعلان عن لجنة تأسيسية لوضع الدستور تعبر عن الواقع الحقيقي وليس المدبر الذي اسفر عن البرلمان الحالي غير الحقيقي.
إنني أتمني عودة الجيش قبل او اثناء تنفيذ هذه الخطوات حرصا علي الجيش نفسه، وعندما يتم اصلاح ما فسد بين الجيش والثوار بعد استئصال النظام القديم، وارساء العدالة الاجتماعية، ودعائم الحرية، وتجديد قيادات الجيش بدلا من تثبيتها عندئذ آمل في عودة الشعار الأصلي المعبر عن حقيقة العلاقة »الشعب والجيش ايد واحدة«.. واختفاء هذه الكلمة ذات الدلالة المهينة »العسكر«.
رسالة من قارئة
تحية طيبة وبعد..
كنت أتمني أن تكون رسالتي تلك تهنئة بنجاح ثورة مصر بعد عام مضي ولكنها ربما تكون احتفالية لدي البعض بالوصول للكرسي والخروج الآمن لمبارك فهو في قصر رئاسة طرة وسط حراسة مشددة له ولأعوانه كما كانوا دائما بعيدين عن الشعب إذا كان الانجاز بعد عام هو الافراج عن ألفي معتقل من أصل 00001 فأين هي العزة ومعظمهم ممن اعتقل ظلما عقب الثورة ولم يفرج عن الباقين إذا كانوا أحياء؟ هل من حق أي مواطن ان يعالج في المركز الطبي العالمي بعد عام من شعار عيش حرية- كرامة إنسانية؟ ومن سيدفع تكاليف علاج مبارك؟ ومن الذي يدفع ثمن صبغة شعره؟ فهل يعقل لرجل جاوز السبعين يظل شعره أسود إلا إذا كان له ماكييره الخاص في أسره، أين حق من أريقت دماؤهم؟ أين حق المصابين؟ حق الشعب؟
إن الانجاز الحقيقي للمجلس العسكري هو اختياره لحلفائه »الإخوان« فهم من شرب نخب الثورة، للمجلس المجد علي الكراسي، وللإخوان المسرة روح الميدان الحقيقية كانت في المسيرات أحزنني وضع الميدان مسرح الإخوان وسماعاتهم الموزعة في كل مكان جعلت فرضا علينا سماعهم وجدت ذلك الخطيب الذي لم اعرف اسمه يتحدث عن: الوضع في سوريا وجرائم الكيان الصهيوني كنت أتمني الاصابة بالصمم وقتها شعرت انهم قد ركبوا الثورة بتذكرة ذهاب دون عودة.
ولكن عندما رأيت دموع أم أحد الشهداء وهي تقول: احمد والله زيه ماتوا ومحدش جاب حقهم وانتوا نازلين تحتفلوا. هتف حينها أحدهم: أنزل.. أنزل.. ولكن لم يلتفت الكثيرون ووجدت آخر يهتف: »يسقط يسقط حكم العسكر« تسرب بصيص من الأمل داخلي وتمنيت ان ينتهي اليوم بالاعتصام وقد كان فإن لم نعتصم في الميدان، فلا عاصم لنا إلا الله.
إسراء صالح
من ديوان الشعر العربي
زار القاهرة الاسبوع الماضي الشاعر السوري عادل قرة شوقي المقيم في المانيا واهداني آخر قصائده
حوار مع الموت المعلن
يتقدم مني الموت
اراه
اقول له لا تتعجل
ما زال لدي أمور لم انجزها
فيقول سينجزها غيرك يوما/ لست وحيدا فوق الارض
اقول لدي نصوص لم اكتبها/ فيقول سيكتبها غيرك
بعد رحيلك في الفجر
اقول انا لا يعزفني احد غيري/ فيقول تعفف
لا يوجد نص اصل/ لا يوجد قول فصل
فأقول ولكني البحر لاني القطرة في الموجة
لا موجة دوني لا بحر
فيقول بخبث ملحوظ/ نصفك ابليس والنصف ملاك
فبأي النصفين الآن تراك
فأقول
ولا أعرف ما قلت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.