أكثر شيء يسعدني هذه الأيام أن أري قيادات تهتم بالبحث عن كنوزنا الحقيقية التي تتمثل في البشر. لذلك أسعدني برنامج (The Voice) في نسخته الأولي لأنني شعرت بالجدية والاتقان الذي سارت فيه مراحل الاختيار لأحلي صوت في الوطن العربي، وبغض النظر عن أن قنوات فضائية تسارعت في الحصول علي حق إصدار نسخ عربية من برامج مماثلة رغبة في الكسب وزيادة الإعلانات إلا أنني قدرت المبادرة الأولي. وكم تمنيت أن يحدث هذا في كل المجالات وأن يتبني الرواد في كل مجال هذه الرسالة الوطنية، التي تمنح مصر شباباً قادراً مؤهلاً للتقدم ومواكبة العالم، لذلك أسعدني ما قامت به الدكتورة كاميليا صبحي مديرة المركز القومي للترجمة؛ فقد أسست لاستراتيجية جديدة هدفها تخريج جيل جديد من المترجمين المصريين من كل اللغات الأجنبية إلي اللغة العربية. واعتمدت في تنفيذها علي محور مهم وهو تدريب المواهب ثم منحهم فرصا وعقودا لترجمة كتب المركز بعد اجتيازهم للدورات التدريبية، يقوم بالتدريس فيها أساتذة اللغات المختلفة في كل جامعات مصر . وأسعدني يوم الخميس الماضي أن التقي ب16 شابا وشابة في حفل توزيع شهادات اجتياز الدورة الأولي في اللغة الأسبانية، وفي هذا اللقاء أكدت الدكتورة كاميليا صبحي للمتدربين أن بعضهم وبناء علي تقييم الأساتذة المشرفين علي الدورة سيتم التعاقد معهم بعد أن اثبتوا جدارتهم وقدراتهم علي القيام بهذه المهمة. كما أضافت أن المركز سيقوم بعقد دورات مماثلة في كل اللغات الأجنبية الأخري. هكذا يكون الفكر البناء وهكذا يمكننا أن نفكر في مصر الجديدة بإيجابية وخطوات عملية. فالمشروعات الطموحة في رأيي ليست مباني خرسانية وأجهزة وماكينات حديثة بل هي قبل كل ذلك بشر مؤهلون يستطيعون أن يديروا المشروع بعقلية واعية. وهذا هو لب القضية: الاستثمار الذي نريده لمصر هو استثمار مبني علي تنمية العقول ورفع مستوي أداء البشر في كل مهنة أو حتي حرفة صغيرة. أؤمن أن الفكر يسبق كل شيء.. وأن البشر يملكون دائماً مفاتيح المعجزة إذا ما تم تعليمهم وتدريبهم بصورة جدية وحقيقية، ثم منحهم الفرصة كاملة ليخرجوا ما بداخلهم من موهبة وإبداع وحلول غير تقليدية لمشكلات مزمنة. الاستثمار في العقول استثمار رابح ومستمر وهذا ما يجب أن تتبناه الدولة في مختلف مؤسساتها، وأري أن هذه الاستراتيجية هي الحل لكل ما نعاني منه الآن. فماذا لو توقف السياسيون المتصارعون حول كلام مللنا من سماعه وافسحوا المجال لمفكرين يقدمون حلولاً حقيقية لمجتمع في حالة ضياع فكري وثقافي؟ ماذا لو تركنا الساحة قليلاً للمصلحين الحقيقيين بعيداً عن الصراع السياسي والحزبي واستمعنا إلي الآراء الحكيمة المخلصة لهذا البلد من أمثال كاميليا صبحي؟.