في اطار متابعه الحالة التونسية نستكمل رصد الملامح الاولية لتفاعل انماط الدين بالسياسة. وتَجدر الإشارة إلي أن المرأة التونسية محظورٌ عليها ارتداء الحجاب بحكم القانون رقم (108) الذي صدر في عام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، والذي اعتبر الحجاب زيًّا طائفيًّا وحظر ارتداءه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوي. كما ينص قانون الأحوال الشخصية التونسي الصادر في عام 1956 علي المساواة التامة بين المرأة والرجل، ويمنع تعدد الزوجات، مقررًا عقابًا شديدًا للمخالفين. ويحظر القانون زواج النساء دون (17) سنة، كما أنه يمنع الطلاق من جانب واحد (الرجل)، وفوَّض البت به للمحاكم المدنية. فضلا عن أن هناك مرسوما شبه سنوي، يصدره وزير التعليم إلي عمداء ومديري المؤسسات التعليمية ينص علي منع الدخول لهذه المؤسسات علي كل من يرتدي أزياء ذات إيحاءات طائفية، أو يحمل أية إشارات أخري من هذا القبيل. حتَّي إن وزير الشئون الدينية التُونسي اعتبر الحجاب، في تصريحاتٍ صحفية أواخر ديسمبر 2005 ظاهرة دخيلة وينشازًا وزيًا طائفيًا وظاهرة غير مقبولة في تونس. كما صرحت منجية السوائحي الأستاذة في جامعة الزيتونة نهاية ديسمبر 2005 باعتبار الحجاب من الموروثات الإغريقية والرومانية، وليس أمرًا إسلاميًا أصيلا. وتأتي الحكاية تاريخيا حدوث تطور نوعي في مسألة رفض الحجاب عندما عقدت جمعية "الترقي" الثقافية الوطنيه ندوة بعنوان "مع أو ضد الحركة النسوية"، وذلك في 15 يناير سنة 1924 عندما فوجئ الجميع بدخول "منوبية الورتاني" القاعة، وصعود منبر الجمعية، وهي كاشفة وجهها، داعية المرأة التونسية إلي "التحرر" من الحجاب ، الامر الذي قامت به قبل ذلك بسنوات قليلة في مصر هدي شعراوي وصفية زغلول.. علي اية حال مرت خمس سنوات كاملة دون تكرار تجربة "منوبية الورتاني"، ولكن في يوم 8 يناير سنة 1929 عقدت نفس الجمعية (جمعية الترقي) ندوة بنفس العنوان (مع أو ضد الحركة النسوية)، وقامت "حبيبة المنشاري" بإلقاء محاضرة في هذه الندوة وهي كاشفة لوجهها، وتحدثت عن تعاسة الفتاة التونسية التي تغطِّي جسدها بالحجاب، بينما تعيش الفتاة الفرنسية في حرية وانطلاق. في سنة 1930م حدث تطور نوعي آخر عندما قام "طاهر الحداد" بإصدار كتاب تحت عنوان "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، وفي هذا الكتاب تمت مهاجمة التصورات المحافظة للدين بشدة ، ودعا المرأة إلي نبذ الحجاب والتحرُّر منه، ودعا إلي نزع حق الطلاق من يد الرجل وإعطائه إلي القضاء، ودعا إلي رفض تعدد الزوجات، ودعا أيضًا المرأة إلي الخروج إلي كل الساحات بما فيها الساحات الرياضية، ومنافسة المرأة الأوربية في الألعاب المختلفة، وهاجم التصورات السلفية التي تفرض قيودًا كثيرة علي المرأة تعوق مسيرتها في المجتمع. وقد صدرت عدة كتب تهاجم هذا الكتاب ، كان منها "الحداد علي امرأة الحداد" للشيخ محمد الصالح بن مراد، وكتاب "سيف الحق علي من لا يري الحق" للشيخ عمر البري المدني، وقامت عدة صحف مثل "الزهرة" و"النهضة" و"الوزير" بمهاجمة طاهر الحداد بشدة، ووصل الأمر إلي إصدار فتوي وقّع عليها الفقيه الكبير "الطاهر بن عاشور" بتكفير الحداد، وضرورة مصادرة الكتاب. ولكن اعتبر الطاهر حداد بهذا الكتاب رائد نهضة المرأة التونسية. تحررت تونس من فرنسا سنة 1956 وبعدها بثلاثة أشهر فقط من الاستقلال صدرت مجلة : "الأحوال الشخصية".. وفي اطر الحرب ضد التطرف الاسلامي عندما شاعت ظاهرة انتشار الحجاب باعتبارها تعبيرا سياسيا وليس ثقافيا او مذهبيا فحسب، تحرك بورقيبة في سنة 1981 وأصدر قانونا عُرف بالقانون رقم (108) يحظر فيه ارتداء الحجاب علي المرأة التونسية. لقد أعلن "زين العابدين" في أيامه الأولي وتحديدًا في خطاب له في مارس 1988 أنه متمسك بمنهج بورقيبة في مسألة المرأة والحجاب، وأعلن أنه لن يكون هناك تراجع عن المكاسب التي حققتها مجلة الأحوال الشخصية. هذا وقد شددت "الجمعيات التونسية للنساء الديمقراطيات" -وهي جمعية نسائية عصرية - في مؤتمرها السنوي يوم 8 مارس 2004 علي "رفضها القاطع للحجاب، وذلك لما يرمز إليه من انغلاق ورجعية " علي حد تعبيرها، بل إن وزير التربية أصدر قرارًا في عام 2006 بإيقاف المدرِّسة "سعيدة عدالة" عن التدريس لمدة 3 أشهر مع إيقاف مرتبها؛ بسبب ارتدائها للحجاب داخل المدرسة، أبطل القضاء التونسي القرار لتعارضه مع الدستور التونسي بسبب ايقاف المرتب وليس لارتداء الحجاب. وفي عام 2008 أصدرت وزارة شئون المرأة والأسرة في تونس مرسومًا يؤكد علي منع ارتداء الحجاب في كل مؤسساتها، ويعتبر المرسوم أن الحجاب أو أي شكل من أشكال تغطية الرأس كالمناديل أو القبعات ما هو إلا شكل من أشكال التطرف، بل ويطالب المرسوم "بالتصدي" لكل من يرتدي أو يستخدم الأشياء المشار إليها في هذا السياق تم التأكيد علي وصف وزير الشئون الدينية التونسي الحجاب بأنه زي طائفي دخيل علي التقاليد التونسية. ويستمر التحليل.