ما هذا الذي يحدث في مصر؟ هل يمكن إهدار كرامة مواطن مصري علي هذا النحو الذي يسحق إنسانية الإنسان ويجرده من آدميته.. حيث يتم تجريده من كل ملابسه وضربه وتعذيبه وسحله وسط حلقة شيطانية من الجلادين الذين ينفذون أوامر قادة ساديين يتلذذون من إهانة أبناء جلدتهم؟ ألا يحق لنا ان نستنتج ان هناك من يريد ترويعنا وارهابنا وإلقاء الرعب في قلوب بعضنا حتي لا نتظاهر أو نحتج أو نتفوه بكلمة تغضب رجال السلطة؟ أما ان يصل الأمر إلي حد ان ينكر المواطن الضحية - المجني عليه- الذي يدعي حمادة صابر- انه تعرض لاعتداء همجي ووحشي.. رغم ان هذا الاعتداء وقع علي مرأي ومشهد من ملايين الناس.. فتلك هي قمة الكارثة المأساوية التي تدل علي انه تم ترويض الضحية لكي يتم مسخه وتحويله إلي مجرد كائن أليف يتمسح في جلاده ويتمني رضاءه وعطفه وغفرانه. والمشكلة ان لدينا أجهزة تستخف بعقول المصريين وتتعامل معهم باعتبارهم بلهاء يعانون من التخلف العقلي.. وتحاول انكار وقوع الجريمة واختراع أكاذيب تافهة وتتجاهل ان هذه الجريمة أحدثت فضيحة عالمية مدوية وصدمة هائلة لكل مصري. في البداية، علمنا ان رئاسة الجمهورية اصدرت بيانا، قالت فيه انها تألمت من تعامل بعض أفراد الشرطة مع أحد المتظاهرين بشكل لا يتفق مع الكرامة الإنسانية أو حقوق الإنسان. وأكدت مؤسسة الرئاسة انها تتابع التحقيق الفوري في الواقعة. وأعلنت وزارة الداخلية ان ما حدث هو تصرف فردي ولا يعبر بأي حال عن عقيدة جموع رجال الشرطة وسيكون محل تحقيق، وانه لا تستر علي أي خطأ وقيل ان وزير الداخلية اتصل بالضحية ودعاه إلي قبول اعتذار الوزارة وحتي المتحدثون باسم جماعة الإخوان أشادوا باعتذار الشرطة. وقد صدرت تلك البيانات في الوقت الذي أعلن فيه أحد مشايخ قناة »الحافظ« ان الرجل الذي تم سحله كان ضمن ثلاثة أشخاص يضعون الأقنعة السوداء واطلقوا الخرطوش علي رجال الشرطة، وان الضحية- حمادة صابر- ينتمي إلي مجموعة »بلاك بلوك« وانه خلع ملابسه بنفسه لكي لا تتعرف عليه الشرطة حين يقبض عليه!!.. ويبدو ان أحد اتباع هذا الشيخ استخدم وسائل الاتصال الاجتماعي لكي يقول »الحقيقة« التي لم تذكرها »القنوات العلمانية والاعلام النصراني« »!« وهي ان هذا الشخص كان يلقي بقذائف المولوتوف علي قصر الرئاسة، وانه بادر بخلع ملابسه في محاولة للتحرش بأحد الجنود!! وذهب أحدهم إلي القول بأنه تم الاتفاق بين قناة تليفزيونية وأحد البلطجية لتصوير شريط فيديو يقوم فيه البلطجي بتمثيل دور محدد هو خلع ملابسه أمام الشرطة وإلقاء المولوتوف عليها، ثم تبدأ الشرطة في التعامل معه بينما تصور القناة المشهد بهدف الاساءة إلي جهاز الشرطة!! إلي هذا الحد.. هذه الجرأة في الكذب والتلفيق!.. ويبدو ان بعض دوائر الشرطة قررت ان تغير مسارها وتوجهها، وان تتبني هذه الروايات الملفقة وتبرئة الجلادين باطلاق مجموعة من الأكاذيب غير المتقنة، وهكذا خرجت أنباء تقول ان تحريات المباحث كشفت ان المجني عليه كانت بحوزته - عند ضبطه- 81 زجاجة مولوتوف وعدد 2 »جركين« بنزين »!!« وان هذا المجني عليه اطلق خرطوشا في وجه أحد قادة الشرطة الذي يرقد الآن في العناية المركزة!! الشرطة اعترفت في الصباح بالجريمة.. وفي المساء تبرئ نفسها!! وتحت ضغوط سافرة ومفضوحة علي الضحية »حمادة صابر«.. يصرح الأخير بأن المتظاهرين أمام القصر الرئاسي هم الذين قاموا بالاعتداء عليه واطلاق الخرطوش علي قدمه بينما قامت قوات الأمن بانقاذه. كما لو كان الرجل ينفي وجوده.. ووجود سائر الناس!.. وتقول »سعاد«، شقيقة المجني عليه ان قيادات في وزارة الداخلية أجبرت زوجة الضحية علي ترديد روايات مخالفة للحقيقة، اثناء احتجازها معه في مستشفي الشرطة حتي كتابة هذه السطور.. والواضح ان هناك من يحاول استغلال ظروف الرجل، الذي يعاني من البطالة والفقر ويقيم مع زوجته وابنتيه في غرفة واحدة ضيقة، لكي ينكر الحقائق ويزيف الوقائع- ولو علي حساب إنسانيته وكرامته وحقوقه- تحت التهديد.. وهي جريمة مروعة وبشعة تضاف إلي الجريمة الأصلية. والحقيقة ان الرجل- كما تقول ابنته »راندا«- كان يضع يديه حول زوجته وابنته.. لصد القنابل المسيلة للدموع، وفجأة امتدت أيدي قوات الأمن لتجذب والدها من الخلف وتطرحه أرضا وتنهال عليه بالضرب وتجرده من ملابسه وتسحله عدة أمتار في مشهد مروع ومخيف بينما الزوجة والابنة تصرخان وتبكيان وتحاولان استعطاف قلوب الجنود للكف عن تعذيبه دون فائدة. كان حمادة صابر امام الاتحادية لكي يطالب بحقه في عمل يجعله قادرا علي توفير لقمة العيش لأسرته، لأنه كان يثق في ان ثورة 52 يناير ستفي بوعدها بالخبز.. ولكن.. لا خبز ولا حرية.. ولا كرامة إنسانية. كلمة السر: الصدق