سؤال كبير مازال يطرح نفسه منذ اندلاع الأحداث المقدمة لثورة يناير 2011، هل ستستمر هذه الثورة بلا قيادة، وتستمر حالة السيولة ومن ثم الفوضي معها؟! إني أري مشهدا منذرا ومهددا لاستقلال مصر ناهيك عن استقرارها، وأن ما يجري من تناحر واقتتال الآن يفتح علينا أسباب التدخل الأجنبي في شئون مصر. ولعل المؤمنين بخطورة الأوضاع المتردية علي كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية يدركون معي أننا قد وصلنا إلي نقطة الصدام المخيفة، التي عندها يجب أن تعمل آليات السياسة بأقصي طاقتها لتجنب الصدام أو توابعه بقدر الإمكان، حيث لا معني لاستمرار هذه الحالة المائعة الباهتة، المتفاقمة بكل ما تحمل الكلمات من معني. وليس من الحكمة أن نعيد توبيخ النفس وجلد الذات والندم علي ما فات حيث إن الطريق الذي بدأته مصر بالانتفاض ضد الظلم والثورة علي أوضاع جامدة من الفساد والاستبداد، قد أخذها بعيداً عن جادة الصواب فأصبح كل شيء في هذا الطريق قابلا للانفجار ومثيرا للفتنة والصراع الذي يصل إلي حد سفك الدماء، وانقسم المجتمع بشكل محزن في نهاية المطاف، كأن هذا هو الهدف الذي تحقق ليشفي غليل من أطاحت بهم الثورة ولقد تأكد لنا جميعاً أن حالة الاستقطاب والمفارقة التي تسود المجتمع الآن هي تراكم قديم واندفاع ورعونة مكتسبة بداخلها شبهة الرغبة في الوصول إلي الحكم بأي ثمن حتي ولو جاء ذلك علي حساب الشعب ومستقبل البلاد. أجل فإن الثورة التي بلا قيادة اليوم مهددة بالفشل والردة وانقلبت الميزة التي في أعماقها إلي خلل ضخم يفتتها ويبعثر قواها، بل ويدفع الجميع الذين كانوا علي قلب رجل واحد بالأمس إلي الاحتكام إلي العنف، وحسبهم من ذلك أن العنف دائما يفضي إلي عنف مضاد وفوضي قد تؤدي إلي سقوط هيبة الدولة إلي أمد طويل. والأمر الذي يخيف أي وطني شريف أن نجد أنفسنا في النهاية أمام تدخلات خارجية سافرة، بعد ان كانت متخفية وتعمل علي استحياء، لان نموذج العراق وسورية واليمن ليس بعيداً عنا، أنه يحدث علي بعد خطوات منا، ولقد حدث بالفعل وتسلل إلي حدودنا ما كنا نخشاه من أفراد وسلاح، أغرق البلد بأسرها في هذه الحيرة الكبري، وجعل كل واحد يفكر في تأمين أهله وممتلكاته بمعرفته وعلي هواه. وكم من أحداث انفجرت علي أرضنا من أطرافها وأعماقها، ولا أحد يجيب عن الاسئلة التي تعقب كل حدث وتمضي معه إلي طي النسيان، لأن حدثا أكبر قد وقع فزاد من الحيرة وحجم المصيبة، وليس من فائدة الآن في تعديد هذه الأحداث التي تحرك الجماد من هولها وخطرها علي أمن مصر، وعند هذا الحد ما عاد السكوت يوصف إلا بأنه جريمة. إن هذا العجز والتكرار الممل لنفس بواعت الصراع الدائر في مصر سوف يجبر المصريين جميعا علي ثورة من نوع آخر تطيح بكل من شارك في استمرار هذه الأوضاع المشينة والتي تعيدنا إلي عصور الظلام، وتسببت في ارتباك الاقتصاد المصري الذي يوشك علي الانهيار، فمن في السلطة لا يريد أن يسمع بحق، ومن في المعارضة التي ليس لها مكان إلا الشارع، يشعر بأن هناك حالة استئثار واستعلاء يمارسها عليه من كان بجانبه في ميدان التحرير منذ عامين يطالب بسقوط النظام كل علي طريقته. ولعل الخطأ الفادح الأول الذي بنيت عليه مؤسسات الدولة من مجلس الشعب فالشوري ثم الدستور الذي يحتاج إلي تعديلات واسعة، قد كان سببا جوهريا في اهتزاز الرؤية وانعدام الثقة بين فارق الثورة الذين هم الآن فرقاء السلطة وهي الآن عبيء كبير ومصيبة لكل من أبصر أو ألقي السمع وهو شهيد.. إن هذه الحالة التي وصلنا إليها من فرض طواريء وعنف متبادل وصدام وشيك، ليست من الثورة في شيء، فهي تخدم مصالح لمتربصين بالبلاد من داخلها وخارجها، وتحقق أطماعهم علي جثث القتلي الذين نصفهم بالشهداء حتي يزدادوا يوما بعد يوم، وهذا وصف حق يراد به باطل ويراد به أن تظل بلادنا بلا قيادة وبلا مؤسسات وطنية ترسخ قيم الحياة الكريمة والحرية والعدل والإيمان بالله حقاً، وليس ادعاء يبتغي به عرض الدنيا. وإنه لمن الأجدي لكل وطن شريف أن يجود بكل عزم وتصميم بما يمليه عليه ضميره، ويحكم العقل لكي ننقذ بلادنا العزيزة من هذا الخطر الداهم الذي يحيط بنا من كل جانب، وعلينا أن ندرك ما يجب أن نفعله في هذه المرحلة من انكار للذات والكف عن اتهام الآخرين في دينهم وعرضهم واخلاقهم ووطنيتهم، وإلا فلا يلومن الأحمق إلا نفسه، ولعل مصر التي تصرخ فينا الآن الهمة والبذل والعطاء، هي يجعلنا نفديها بكل غال ونفيس.