روبرت فيسك لم يكن الرئيس السوري بشار الأسد في حقيقة الأمر يتحدث في خطابه أمس بدار الأوبرا بدمشق إلا لجنوده وأشباح 1200 قتيل من قتلاه . ولكن خلف الرئيس ، كانت هناك لوحة كبري تحمل وجوه المئات من قتلي جيشه بألوان العلم السوري الأحمر والأبيض والأسود. خطاب الأسد كان مسرحيا ، ولكنه بالطبع كان عدائيا أيضا. وربما تطلب الأمر من الأسد أياما لجمع أجزاء خطابه المهلهل وترقيعه .ولكن رسالة الأسد للسوريين كانت واضحة بدرجةكافية : الجيش هو القاعدة الصخرية الحقيقية التي تقوم عليها السلطة.الأسد حرص علي تحية عساكره .أثني عليهم " الضباط، الضباط المقاتلين ،الجنود البواسل ".لم يذكر الأسد أبدا حزب البعث ، كما مر مرور الكرام علي الميليشيات المسلحة التابعة لحكومته والمكروهة شعبيا .ولكن الجيش السوري ، الجيش السوري العربي كان حاضرا مع الأسد علي المنصة التي تمتد لمسافة 34 مترا من خلال صور قتلاه .وقال إن أسماء قتلي جيشه " ستكتب بحروف مضيئة "، وأن " وجوه القتلي تحدق في الحضور وكأنها توبخهم ". هؤلاء الذين يكرهون الأسد سيتذكرون أهم خطاب ألقاه هتلر في دار أوبرا كرول في برلين ، كما كان أهم خطاب ألقاه الأسد هو خطابه بالأمس بدار الأوبرا بدمشق ، والتي كان قد افتتحها علي مضض - قبل تسع سنوات . وكما كانت مسرحية " زواج فيغارو " آخر عمل قدمته أوبرا كرول ببرلين عقب افتتاحها ،فإن نفس المسرحية أيضا كانت من بين أوائل ماقدمته أوبرا دمشق من أعمال .وكما اعتمدت المسرحية أسلوب التلقين المسرحي ، هكذا هي خطابات الأسد. ( إيضاح من المترجم : " زواج فيغارو " من تأليف الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير فرنسيبيير أوجستن كارون دي بومارشيه (1732 1799) وتعد مع رائعته " حلاق أشبيلية " أشهرأعماله) في خطابه في الأوبرا قام هتلر بإعلان الحرب علي الولاياتالمتحدة ،أما الأسد فقد كان بالأمس يعلن استمرار حربه مع "الإرهابيين" ( في إشارة إلي المعارضين لنظامه )، محاولا استمالة الغرب بوصم معارضية المسلحين بالإرهاب . ولكن الأسد أبعد ما يكون عن جنون العظمة الذي تنضح به خطابات هتلر ، وكذلك الملل الذي يعتري متابعيها ، ويبدو خطابه بالنسبة لخصومه متضمنا بعض المؤشرات علي أن ثمة انشقاقات علي الأسد داخل دهاليز السلطة وبالتحديد حزب البعث. أما إشارته الغريبة إلي معركة رأس العين،بمحافظة الحسكة ( قرب الحدود مع تركيا ) فقد كانت ذات دلالة مهمة ، وكانت عبارة عن نزاع محدود للغاية بين أفراد من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني - الذي يميل إلي موالاة النظام - وقوات نظام الأسد من ناحية ، وبين جنود الجيش السوري الحر وحلفائه - الذين عمدوا إلي إقصاء بل وفي بعض الأحيان ازدراء الأكراد- من ناحية أخري . فقد أثني الأسد في خطابه علي أصدقائه السوريين من غير العرب، من خلال ما قام به الحزب الكردي. والسؤال:هل الرئيس السوري يحاول استعادة بعضا من أرضيته بتوافق وطني أم بنيران جيشه ؟ فقد سمعناه يتحدث من قبل عن الحوار الوطني وأمن الحدود والوفاق الوطني في الوقت الذي لايتوقف فيه جيشه عن القتل .وكانت إشادته بروسيا والصين أقرب أصدقائه منذ البداية مألوفة . أما ما فاجأني في الخطاب فهو ادعاء الأسد بأن فكر الجهاديين ورغبتهم في تدمير سوريا مع من يدعمونهم من قوي أجنبية يعني أنه لا يوجد أحد بينهم ليجري محادثات معه.أليس هذا ما يردده نتنياهو عن حماس ! لقد صدر الأسد جيشه للمشهد باعتباره أساس السلطة ، ليست أسرته ، ليس حزبه .جيشه فقط الذي ينظر إليه في الغرب علي أنه ليس سوي مجرمي حرب. قال الأسد :" سأذهب يوما ما وستبقي سوريا "، والحقيقة أن الرجل لن يفعلها وسيظل في الحلبة وكذلك جيشه..وتستمر للأسف الحرب . عن صحيفة " إندبندنت " البريطانية