تشابكت الرؤي وتداخلت المواقف حتي لم يعد يعرف المواطن البسيط أين الصواب وأين الخطأ فيما يحدث من القوي السياسية في الشارع المصري؛ لذلك رأينا أن نستعين بواحد من أهم أساتذة السياسة ليشرح لنا تفصيليا ما يحدث.. إنه الدكتور مصطفي علوي أستاذ السياسة بكلية السياسة والاقتصاد جامعة القاهرة، الذي أكد للأخبار أن أخطر ما يميز المشهد الآن هو حالة الانقسام السياسي الذي يصل إلي حد التفتت والتجزئة مما ينذر أننا علي مشارف نقطة اللاعودة، خاصة أن لدينا فريقين لدي كل منهما تصور مختلف لما يجب أن تكون عليه الحياة السياسية مع أن عالم السياسة معروف بأنه عالم الحلول الوسط؛ موضحًا أن بالدستور بعض النصوص الإيجابية، كما أن به بعض السلبيات أيضًا.. وقال د. علوي: كان علي الرئيس أن يُخضع الدستور للقراءة لمدة يومين علي الأقل بدلاً من تحديد موعد الاستفتاء بهذه السرعة، خاصة أن مدة الأسبوعين غير كافية علي الإطلاق حتي يطلع الناس علي دستور بلادهم الذي قد يستمر عشرات السنين. إلي شرح مفصل لما يحدث في الشارع السياسي من خلال هذا الحوار: بداية..كيف رأيت المشهد السياسي الحالي بكل تداعياته وتشابكاته المختلفة؟ الموقف السياسي الحالي مرتبك وأكثر من كونه مرتبكاً أن أخطر ما فيه من دلالات هو حالة الانقسام السياسي الذي يصل إلي حد التفتت أو التجزئة، هناك انقسام بين القوي السياسية الفعالة التي كانت موحّدة أثناء ثورة 25 يناير، ذهب هذا التوحد وأصبحت منقسمة علي بعضها البعض، وليس هذا مجرد انقسام فكري، بل هو انقسام حادّ في الفكر والحركة، ومن ثمّ فهو انقسام معقّد وحادّ؛ والحدة هنا يُقصد بها استخدام العنف والقوة.. فالمواقف الآن تُستخدم فيها القوة ولا يتم الاكتفاء بالموقف السياسي الفكري؛ كما أننا وصلنا إلي مرحلة في هذه الأزمة ربما تكون نقطة اللاعودة واللاتراجع..وأنا آمل ألاّ تكون كذلك..لأن لدينا فريقين من القوي والتيارات السياسية لكلًّ منهما تصوّر مختلف لما يجب أن تكون عليه الحياة السياسية، وهذا تصوّر مضاد لذاك، ولا أحد من الاثنين لديه حلول وسط كمحاولة للتوافق؛ مع أن عالم السياسة معروف بأنه عالم الحلول الوسط، أي ليست هناك حلول مطلقة..هذا هو المشهد الذي أراه الآن وهو مشهد مُعقد نتيجة لتعدد القوي الفاعلة فيه وعدم توافقها علي رؤية واحدة، ومما يزيد من حدة المشهد استمرار وقوع قتلي وجرحي في الميادين، وما كان يجب أن يتم ذلك لأننا تجاوزناه في الثورة ولكن ما يحدث الآن أمر يقلقنا جميعاً علي مستقبل هذا البلد. نقطة تحول هل تظن أن حالة الاحتقان السياسي نشأت كرد فعل للإعلان الدستوري أم كانت موجودة قبل ذلك؟ التعدد والانقسام موجودان قبل الإعلان الدستوري، لكني لا أستطيع أن أصف الموقف بعد الإعلان بأنه استمرار لمجرد حالة التعدد التي كانت قائمة قبل الإعلان، لأن الإعلان الدستوري نقطة تحول أساسية لأنه يكاد يكون قد جمّد سلطات القضاء، وبذلك قد تعدي علي هيكل السلطة الشرعي الديمقراطي في أي دولة تسعي إلي أن تكون ديمقراطية، فلا يصح ألاّ يكون في البلد قضاء، كما لا يصح تحصين قرارات رئيس الدولة ضد أي تدخل من السلطة القضائية، فكل ذلك هو الذي أدي إلي تغير الموقف من موقف به اختلاف في الرأي والرؤية والمطالب إلي أزمة حادة كتلك التي يعيشها المجتمع المصري الآن.. فلو لم يصدر ذلك الإعلان الدستوري الذي جمّد سلطات القضاء إن لم يكن قد نزعها، وحصّن قرارات رئيس الجمهورية ليس فقط منذ لحظة صدوره بل منذ تولّي الرئيس السلطة في 30 يونيه وحتي إقرار الدستور الجديد ضد أي تدخل قضائي.. أعتقد أن ذلك حوّل الموقف من اختلاف في الرؤي إلي موقف أزمة حادة ليس فقط في الرؤي وإنما أيضاً في المواقف والسياسات. إيجابيات وسلبيات ما رأيك في الصيغة النهائية للدستور.. وما أهم المعوقات التي حالت دون التوافق حول عمل الجمعية التأسيسية؟ قرأت النص الذي نشرته إحدي الصحف القومية، وقيل إن هذا هو النص الأخير، ومع هذا سمعت أن هناك عدة نصوص أخري توصف بأنها النصوص الأخيرة، وهذا أيضاً ملمح من ملامح الأزمة أو المشكلة، أي حتي الآن لا يوجد نص موزّع رسميًّا علي أن هذا هو النص الأخير لمشروع الدستور، ولدينا في مشروع الدستور الجديد- والحق يُقال - نصوص إيجابية للغاية تتعلق بالحقوق والحريات والواجبات، وليس هذا مقصوراً علي الدستور الجديد، وإنما كان موجوداً في الأبواب الأربعة الأولي من دستور 71 فيما عدا باب نظام الحكم وكانت تعتبر نصوصاً رائعة..فتم تقريباً الأخذ بما جاء في دستور 71 أُضيف إليها بعض الإضافات الإيجابية، فليس هناك خلل في هذا الشأن..ولكن المشكلة الكبري تقع ثانية في النصوص المتعلقة بنظام الحكم في مشروع الدستور الجديد، حيث أقر نظام الانتخابات المختلط في مجلس النواب - بعد أن تم تغييره من مجلس الشعب إلي مجلس النواب - ثم مجلس الشوري؛ والنظام المختلط الذي جاء في الدستور الأخير هو نفسه الذي جاء في الإعلان الدستوري الذي تمت علي أساسه انتخابات مجلس الشعب الأخير المنحل، وبه نفس العوار القانوني، وأنا مندهش إذ كيف يُسمح بوجود عوار دستوري في مواد الدستور، أي وجود نص مضاد لمبادئ الدستور.. فعندما يقول الدستور إن الانتخابات القادمة لمجلس النواب ومجلس الشوري تتم بالنظام المختلط: القوائم الحزبية والمقاعد الفردية، وإلي هنا لا توجد مشكلة لأن هناك دولاً لديها بالفعل هذا النظام مثل ألمانيا، إنما الخطورة أن يقول الدستور إن النسبة ستكون الثلثين للقوائم والثلث للفردي، وهذا مضاد لمبادئ الدستور التي تقول إن هناك مساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات حتي لو لم يُنص عليها في الدستور، لأنه هنا أعطي حقوقاً سياسية للمنتمين للأحزاب الذين سيترشحون علي القوائم، أكبر من المواطنين الذين سيترشحون علي النظام الفردي،وهذا عوار دستوري حتي وإن كان نصًّا في الدستور.. أما العوار الثاني فإن الدستور أعطي للحزبيين حق الترشح علي القوائم الفردية، وكل النظم التي نعرفها تقول إن النظام المختلط تكون النسبة مناصفة ولا يصح أن ينزل مترشحو القوائم علي النظام الفردي أيضًا، لأن هذا معناه أن نعطي الأغلبية العظمي من المقاعد للأحزاب.. وأيضاً إذا قرأنا النصوص الخاصة بصلاحيات رئيس الجمهورية سنجد أنها نفس النصوص الخاصة بالدساتير السابقة مع أن الجميع طالب طوال الفترة السابقة بإصلاح هذا الخلل، وأنا أريد أن أقول إن من الإيجابيات أيضًا تحديد فترة الرئاسة بمدتين فقط مع أن هذا كان موجوداً في بداية دستور 71 حتي قام الرئيس السادات بتغيير هذه المادة، بل إننا تجاوزنا هذه الصلاحيات بمراحل حين أقر الدستور أن الرئيس بعد أن تنتهي مدته الرئاسية يتم تعيينه مدي الحياة في مجلس الشوري، والهدف من هذا هو تحصين الرئيس؛ وهناك نص آخر وهو أنه لا يجوز محاكمة الرئيس جنائيًا إلاّ في حالة التلبس، فالرئيس أولاً وأخيراً مواطن وبالتالي فإن ما يرتكبه من أخطاء يجب أن يخضع لما يخضع له المواطن المصري العادي. كيف تري مستقبل الدستور في ظل إصرار مؤسسة الرئاسة علي الاستفتاء عليه، علي الرغم من اعتراض عدد كبير من الأحزاب والنقابات المهنية؟ ما لا يقل خطورة عن عدم توافق كل هؤلاء هو أن تُعطي المواطن فرصة زمنية أقل من أسبوعين من لحظة انتهاء الجمعية التأسيسية حتي لحظة الاستفتاء؛ خاصة أن الرئيس قد وعد المصريين بأن الدستور إذا وصل إليه سيقرأه .. وفي نفس اليوم الذي تم فيه الانتهاء من الدستور قام الرئيس بتحديد موعد للاستفتاء؛ فكان يجب أن يخضع النص للقراءة من قبل مؤسسة الرئاسة لمدة يوم أو يومين، حتي إذا وجد إشكالية في أي مادة من المواد أعاده مرة أخري إلي الجمعية وأن يطلب منها إعادة النظر في هذه النصوص، وربما أيضًا من خلال حوار سياسي وطني مع من يعترضون علي مثل هذه النصوص..إضافة إلي أن فترة الأسبوعين قصيرة جدًّا مقارنة بما يحدث في الدول الأخري،كما أن لدينا نسبة كبيرة جدًّا من الأميين، فلن يستطيع الناس مناقشة ومراجعة دستور به أكثر من مائتين وأربعين مادة، خاصة أنها وثيقة سيعيش عليها الناس لعشرات السنين، بل حتي رغم معارضتنا للإعلان الدستوري لم يتم الالتزام بما جاء به من إعطاء الجمعية التأسيسية شهرين لإعمال الفكر اللازم لصياغة الدستور بصورة أكثر توافقية. خطأ استراتيجي ..من الخطأ الاستراتيجي أن يقاطع الناس الاستفتاء علي الدستور، علي الرغم من اعتراضي علي فترة الأسبوعين، لكن في النهاية تم اتخاذ القرار، وقد يحدث شيء جديد خلال هذه الفترة حتي موعد الاستفتاء فكل شيء في السياسة المصرية الآن أصبح غير مستحيل.. ورغم ذلك أقول إن المقاطعة ليست هي الحل، خاصة أن أنصار بعض الاتجاهات السياسية سيذهبون للإدلاء بأصواتهم بالموافقة، وإذا لم يذهب المعارضون ستصبح الأغلبية موافقة وبالتالي لا يستطيع أحد قانونًا أن يثير أي مشكلة في سريان الدستور من عدمه، إلاّ إذا حدثت اتصالات بين مؤسسة الرئاسة والقوي السياسية الرافضة لمشروع الدستور وتم التوافق علي أن يكون هناك موعد لاحق للاستفتاء، وفي هذه الحالة ستكون هذه المشكلة قد تم حلها..وإذا لم يحدث هذا فأنا أدعو المصريين جميعًا أن يذهبوا للاستفتاء علي الدستور وأن يقولوا رأيهم بصراحة بمن فيهم المعترضون خاصة أنه لا يوجد حد أدني أو أقصي للأصوات، أي إذا ذهب 10٪ فقط ممن لهم حق التصويت وقالوا نعم سيصبح الدستور واقعًا. هناك تجاوزات من بعض المتظاهرين سواء بسب الرئيس أو حرق المقرات الحزبية، كما أن هناك شهداء سقطوا من أجل رفض هذا الدستور.. كيف نخرج من هذا المشهد المرتبك؟ القانون هو الحكم، من ارتكب خطأ علي هذه الناحية أو تلك يجب أن يقدم للقانون، كما يجب البحث عمن كان السبب وراء هؤلاء الشهداء، وأنا أعرف أن هناك صعوبة في هذا الأمر وسط حالة الارتباك الحالية. لا يجوز في حالة عدم الإشراف القضائي علي الاستفتاء .. هل يصح أن تقوم جهة أخري بهذا الإشراف؟ في حالة عدم إشراف قضائي علي الاستفتاء ربما يُطيح ذلك قانونًا بعملية الاستفتاء ككل، لأنه لا يجوز قانونًا أن يباشر الإشراف علي العملية الانتخابية غير القضاء، وأصبح هذا مبدأ دستوريا بعد ثورة يناير، وتم تطبيقه في انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة ولم يعد من الممكن العدول عنها علي الإطلاق إلي فئة أخري من فئات الشعب سواء كانت المحامين أو أساتذة الجامعة، وهذه قضية لابد أن تكون موضع اعتبار، والساعات القادمة ستكون حاسمة إذ ربما يتغير الموقف السياسي بين ليلة وضحاها، ولكن إلي أي شيء يتغير فهذا أمر تحدده العديد من الاعتبارات والعوامل منها تحديد المسئول عن دماء الشهداء ومتي سيقدمون للمحاكمة.. وفي المقابل أنا ضد من يُهينون الرئيس أو يوجهون له الشتائم فالقانون لابد أن يكون حكماً فاصلاً علي الناحيتين وليس في ناحية واحدة، وهناك بالفعل بعض الشخصيات تم تقديمها إلي النيابة بتهمة إهانة الرئيس، فلا يجب إطلاقًا أن تكون هناك معايير مزدوجة، وإنما معيار واحد يُطبق علي الجميع. من المواد التي يري البعض أنها كانت محلاً للخلاف مادة العزل السياسي..ما رأيك في هذه المادة؟ لا يجوز علي الإطلاق وجود مثل هذه المادة في الدستور بعد ثورة يناير، وهذا عوار شديد في الدستور، لأن المحاكمة هي الفيصل، فمن ارتكب جرائم جنائية أو سياسية يُقدم إلي القضاء، فإذا قرر القضاء أن هذا المسئول سرق أو نهب أو كان مسئولاً عن قتل الشهداء فيأخذ القضاء مجراه في هذه الحالة، أما أن تكون هناك مادة بهذا الشكل في الدستور الجديد فهو أمر غير مقبول، خاصة أنه لا يوجد دستور ديمقراطي في العالم به مثل هذا النص، كما أن الحكم بالعزل لا يكون إلا بعد حكم قضائي نهائي وبات، أي لا يجوز أن أقوم بعزل أحد حتي وإن أخذ حكمًا من أول درجة.. وأنا أتحدي أي عضو في الجمعية التأسيسية يأتي بنص مشابه لهذا النص في أي دستور لأي دول ديمقراطية.. وأريد أن أوضح أن هناك فرقا بين أن تكون الدولة خاضعة لحالة شرعية ثورية أو خاضعة لحالة شرعية دستورية.. فالشرعية الثورية كان من الممكن أن تقوم كأساس لإعادة بناء البلد في أعقاب ثورة 25 يناير مباشرة، أما بعد أن تم انتخاب مجلس شعب وشوري وانتخاب رئيس وفقًا لإعلانات دستورية، حيث كانت هذه الإعلانات هي الحكم في هذه الحالة، فقد انتهت مرحلة الشرعية الثورية ودخلنا مرحلة الشرعية الدستورية والقانونية، ولذلك لا يصح أن توجد هذه المادة التي تعبر عن عوار دستوري فاضح. تطورت الأمور أيضًا حتي وجدنا بعض الهتافات بإسقاط الرئيس المنتخب..ما تعليقك؟ أنا ضد النداءات بإسقاط الرئيس مرسي بالطبع، لأنه رئيس منتخب من الشعب، ولكن أيضًا أقول إنه علي الرئيس من واقع مكانته كرئيس للدولة أن يتحمل مسئوليته في إدارة المواقف والأزمات الحالية ونتائجها، لأنه في النهاية المسئول عن هيكل الدولة كله، بما في ذلك الأمن الذي اختفي وقت وقوع الاشتباكات. ولكن ألا تري أن هناك حالة من الترصد لكل أفعال الرئيس أدت إلي الاختلاف الواقع الآن؟ الخطوة التي أدت إلي هذه الأزمة هي الإعلان الدستوري ثم تحديد موعد للاستفتاء علي هذا الدستور، وما دامت الجمعية التأسيسية كانت ستنتهي من عملها بعد الإعلان الدستوري بخمسة أيام فلم تكن هناك حاجة إليه..ثم لماذا لم يصدر الرئيس توجيهًا إلي الأمن بحماية المحكمة الدستورية وحماية قضاتها. كيف تخرج مصر بأمان من مرحلة التحول الديمقراطي التي تمر بها الآن؟ التحول الديمقراطي كنا نسير فيه ولكن لم نعد نسير فيه الآن، فقد تم تجميده نتيجة الأزمات المتلاحقة التي يعيش فيها المجتمع المصري الآن، وبالتالي علي أطراف هذه الأزمة أن يفكروا في العمل من أجل طرح أفكار ومقترحات لاستعادة حالة التحول أو الانتقال الديمقراطي. أيضًا كيف تري تأثير ما يحدث في الشارع المصري علي الأمن القومي في سيناء؟ بالطبع يمكن أن تستخدم هذه الحالة من جانب القوي التي توجد في سيناء ضد الأمن القومي المصري وتمثل تهديدا بالنسبة له، هذا واقع قائم منذ أغسطس الماضي وحتي الآن، وليست هناك معلومات تم إعطاؤها للناس لطمأنتهم أن الأمور هناك تسير في الاتجاه الصحيح، وحتي الآن مازال هناك خطر وتهديد من هذه الجماعات، بل ويمكن أن تستغل هذه الجماعات ظرف الأزمة الحالي في تصعيد أفعالها، وعلي الدول أن تقول لنا ماذا تفعل لمواجهة هذه الجماعات، فالكلام حتي الآن عام وليس هناك تصريحات محددة.