محمد فهمى ضبطت مباحث الجيزة.. موظفا وعاملا.. لاتهامهما بفك 4 قطع حديدية من كوبري الجامعة.. وقبلها سمعنا عن تعدد سرقات أغطية بالوعات الصرف الصحي.. وكابلات التليفونات الارضية واحراق المجمع العلمي وتدمير خطوط السكك الحديدية.. وغيرها من المنشآت العامة.. فهل يعني ذلك ان »الجغرافيا الانسانية« للوطن العظيم التي ننتمي إليه قد تغيرت واننا اصبحنا »شعب تاني«؟! هل نحن امام شعب تاني.. وهل تتغير الشعوب.. بمرور الوقت.. وتقلب الازمان.. فتتبدل القيم والعادات والتقاليد والاخلاق.. وجميع الموروثات.. مع تبدل الاحوال السياسية والاجتماعية.. علي نحو ما جري لسكان »عمارة يعقوبيان« للاديب علاء الاسواني؟! هل نحن الآن في عمارة يعقوبيان.. بعد ان هجرها سكانها الاوائل.. وباتت تحتلها مجموعة من السكان الجدد.. لا يمتون بأدني صلة لسكانها الاوائل؟ سلسلة طويلة من الاسئلة.. تدعو للتأمل.. تذكرني بالزيارة التي قام بها البروفيسور يورجن بلفك أستاذ »الجغرافيا الانسانية« بجامعة بوخوم الالمانية للقاهرة في فبراير سنة 2008 علي رأس وفد من طلبته.. لدراسة التغيرات التي طرأت علي الجغرافيا الانسانية في مصر خلال نصف القرن الاخير.. لقد اختار البروفيسور يورجن بلفك.. »عمارة يعقوبيان«.. ليشرح لطلبته من الألمان.. طبعا.. التحولات في »الجغرافيا الانسانية«.. والالتقاء بسكان العمارة.. في البدروم.. وقمة السطوح.. والتحولات التي طرأت علي وسط البلد.. ليبين لهم ان السكان الجدد لا ينتمون للسكان القدامي بأدني صلة.. ولم تعد هناك علاقة بين ما كان من حال السكان زمان واحوالهم الآن.. لامن حيث الطبقة الاجتماعية.. ولا مستويات التعليم والثقافة ولا المستوي الاقتصادي.. ولا السلوكيات والموروثات القديمة. وعلم »الجغرافيا الانسانية« الذي يدرس في الجامعة الألمانية.. ويعتبر البروفيسور بلفك من رواده يقوم علي فكرة بسيطة.. وهي ان مواقع الدول لا تتغير.. ولا تضاريسها ولا كل ما يمت بعلم الجغرافيا التقليدية.. وانما الذي يتغير هو السكان.. وبما ان الدول لا تتعامل مع بعضها وفقا للتضاريس والمناخ.. وانما مع البشر.. ومع الانسان.. فان العلم الجديد يدعو للتركيز علي الجغرافيا الانسانية علي اساس ان العلاقات بين الدول تقوم بين البشر وليس بين التضاريس. وانه لا يمكن قيام علاقات سياسية سليمة وصحية بين الدول.. اذا لم تأخذ في اعتبارها التغييرات التي تطرأ علي البشر.. وعلي سلوكياتهم المعاصرة واخلاقهم الحالية ومعتقداتهم الراهنة. وهو ما يطلق عليه البروفيسور بلفك »شعب المرحلة« مستخدما المصطلح الجديد »تحديات المرحلة«. وعندما تمارس الدولة الحديثة.. علاقاتها الدولية علي اسس سليمة عليها الا تأخذ في اعتبارها التغيرات الطارئة علي الجغرافيا الانسانية.. وشعب المرحلة الذي يختلف جذريا عن شعب المراحل السابقة.. ومن هذا المنطلق كانت »عمارة يعقوبيان« محل الدراسة بجامعة بوخوم. علاوة علي دراسات اخري عن التحولات الإنسانية في العديد من المدن في افريقيا الجنوبية وامريكا اللاتينية! وقبل أن تسرقنا السطور.. أعود لموضوعنا.. عن الاحداث التي نشهدها الآن.. وهي احداث لم تكن تخطر ببال الاجيال السابقة التي عاشت مراحل الوطنية المتأججة.. والأمن الاجتماعي.. رغم افتقادنا للعدالة الاجتماعية.. دائما. الوطنية المتأججة.. والكرامة.. وعزة النفس.. والمحافظة علي »الاصول« وعلي النظام العام.. كانت الطابع المميز للانسان المصري.. رغم المعاناة التي واجهها علي مر تاريخه القديم والحديث. ماذا حدث لنا؟ مفهوم طبعا.. انني لا اعني بسطوري السابقة »التعميم« وتوجيه اصابع الاتهام للشعب المصري العظيم الذي ننتمي إليه.. ولكنني اعني الظواهر السلبية التي تفشت في الآونة الاخيرة.. وباتت لافتة للانتباه وداعية لدق اجراس التحذير من مغبة تفاقم هذه الظواهر السلبية.. وان تصبح من امراضنا الاجتماعية المتوطنة! كانت الوطنية المتأججة في مصر.. هي البوتقة التي وحدت الأمة.. وجسدت المواطنة في أبهي صورها.. وهدمت الحواجز والاسوار بين ابناء الوطن الواحد.. واذا تأملنا الجغرافيا الانسانية لمصر الآن نجد ان السلبيات قد تصدرت المشهد واصبحنا نسمع نغمات التعصب الاعمي الذي لا يمت للاسلام بأدني صلة.. ويهدد قوانا المجتمعية ووحدتننا الوطنية واصبحنا نسمع عن شيوع حالات التحرش بالنساء وعلي مدار الساعة.. ونسمع عن اختطاف حقائبهن.. والاعتداء الجسدي عليهن.. وسرقة بالوعات الصرف الصحي.. وحديد كوبري الجامعة! والسخيف في الموضوع ان يخرج علينا بعض الدعاة.. في مناسبة عيد الاضحي بخطابات تتدثر بعباءة الاسلام.. وتدعو لترسيخ ثقافة جديدة.. علينا.. وعلي تاريخنا المجيد.. وتحرض علي هدم قيم المواطنة.. التي تعتمد في جوهرها علي ثقافة المساواة بين المسلم وغير المسلم.. وبين الرجل والمرأة.. إننا امام واقع جديد.. تحته قواعد »الجغرافيا الانسانية« وسوف تتشكل علاقاتنا الدولية علي اساس اننا نعيش في وطن عظيم.. يسكنه شعب.. تاني!