محمد السروجى مازالت الخريطة السياسية في مصر الثورة تتشكل بأنماط واشكال متباينة بين ميلاد الجديد وتآكل بعض القديم.. لكنها في جميع الاحوال تعاني جملة من التحديات تمنعها من الحركة والتقدم.. يأتي في مقدمتها افتقاد غالبيتها لمحركات القوة الثلاثية وهي: المحرك الأول.. النظرية النقدية بمعني »تمرير الافكار والمشروعات والانماط علي محكمة الدليل والبرهان وفق منظومة منهجية في القياس« هنا سنحدد وبدقة أين نحن؟! وبالتالي من اليسير ان نحدد المسافة أو الفجوة بين ما كان مستهدفا وبين ما وصلنا اليه، ومن هنا ايضا سنقف وبسهولة علي مدي جاهزية وكفاءة الاستراتيجيات والهياكل الادارية واللوائح المنظمة. ايضا مدي كفاءة مراكز التخطيط واجهزة التنفيذ ومؤسسات الرقابة والمتابعة، لكن هناك اشكالية تواجه هذا المحرك الفاعل، وهي اشكالية موروثة في النظر الي مفهوم النقد، والذي يحمل لدي العديد من معان سلبية، تدخل في باب الطعن والتجريح والانتقاص، وهو مفهوم يحتاج الي اتفاق وتحرير حتي نتعامل مع المفاهيم، والمصطلحات العلمية بقدر من الجرأة والحرية. فضلا عن مقاومة من يدخل هذا الباب بالمزيد من التبرير والدفاع، وربما الاتهام أحيانا، وفي كثير من الاحيان يتم نوع من الفرز والتصنيف لمكونات الكيان الواحد، وهو معمول به في عالم السياسة، حين نجد من يسمون بالاصلاحيين والحرس القديم والصقور والحمائم وغير ذلك المتداول اعلاميا. المحرك الثاني.. القيم والاجراءات هناك العديد من القيم المعلنة داخل الاحزاب المصرية، وهي قيم حضارية رائعة لكن تكمن الاشكالية أو العقبة في كيفية ترجمة هذه القيم الي اجراءات عملية بمقاييس اكثر جودة مثلا »قيمة الديمقراطية« حين يختزلها البعض في نسبة التصويت العددي للموافقين علي أمر ما أو المعارضين له متجاهلا ان الديمقراطية منظومة متكاملة من المعارف والمعلومات والقيم والاخلاقيات، وأخيرا المهارات والممارسات. مثال آخر »قيمة مؤسسية الادارة« هناك فرق شاسع بين المؤسسية العلمية والمؤسسية بمفهومها العشوائي.. حين يخلط البعض بين المؤسسية والجماعية، وهو خلط غير متعمد لكنه واقع، المؤسسية تعني منظومة متكاملة من الافكار، والمشروعات، لا ترتبط بشخص أو هيئة ويتم التعاطي معها وفقا لرؤية الكيان ورسالته المنشودة. المحرك الثالث.. احتضان التميز والابداع والاختلاف قضية القضايا داخل المجتمعات العربية الرسمية والخاصة، حين لا تنجح المؤسسات في التعاطي الفاعل مع قوة الابداع والتميز الكامنة فيها، بل تري بعض الكيانات ان من يسمون بالمبدعين أو المتميزين هم أكثر الناس فوضي وعشوائية، واقلهم انضباطا بالنظام العام، وهي اشكالية تعانيها المؤسسات الاجتماعية والتربوية والسياسية »البيت - المدرسة- المسجد- الكنيسة - الحزب« أكثر ما تعانيها المؤسسات الاخري، خاصة الاقتصادية التي تميل دائما للمغامرة من اجل تحقيق القدر الاكبر من الارباح والمكاسب. اشكالية الابداع والتميز بحاجة ملحة الي خريطة واضحة تحدد فيها معايير التميز والاختلاف الخلاق، وكيفية التوظيف الامثل له، وبالتالي هو يحتاج الي فرق عمل مدربة علي هذا النوع من البشر، والا تكون النتيجة هي الاهمال ثم الافصاح واخيرا المغادرة.. راجع واقع الاحزاب المصرية في غياب الوفاق وحضور الشقاق. خلاصة الطرح.. نحتاج لقدر أكبر من الشجاعة والجرأة في تناول قضايانا شرط الا نكذب ولا نتجمل.