مصطفى عبدالله منذ أجبروه في عام 1971 علي الالتحاق بكلية التجارة ، وهو الذي تخرج في القسم الأدبي بمدرسة العباسية الثانوية في الإسكندرية، وعالم الأرقام لا يغادر خياله، ولعلنا نجد في هذا تفسيراً لدخوله بسرعة البرق عالم الكمبيوتر والإنترنت الذي يعتمد علي الثنائية الرقمية، وكأنه وجد بغيته وعالمه المتفرد في ذلك، فأصدر في عام 1996 ديوانه "تغريد الطائر الآلي" محتفياً فيه بعالم الكمبيوتر وبالشبكة العنكبوتية التي أخذته إلي عوالم افتراضية جديدة، وكأنه بذلك يترجم شعرياً ما سبق أن كتبه نثراً في مقالات عديدة جمعها في كتابه "أدباء الإنترنت.. أدباء المستقبل" الذي صدر تزامناً مع "تغريد الطائر الآلي". كنا ننظر إلي أحمد فضل شبلول في بداية رحلته الشعرية علي أنه شاعر يتغني بمدينته البحرية ذات الألق والتوهج الحضاري والتاريخي، وهو يتأمل بحرها، ويسير علي كورنيشها، ويسرح بخياله مع سحرها الذي يأخذه إلي عوالم صوفية رحبة يبدع من خلالها "صوفية الإسكندرية".. قصيدته التي أودعها في ديوانه الأول ذي المنحي الروحي "مسافر إلي الله" الذي صدر عام 1980 لكنه أخذ بنصيحة أستاذه الناقد الدكتور محمد زكريا عناني الذي قال له في إحدي الندوات: لقد بدأتَ من حيث ينتهي الشعراء عندما يتقدم بهم السن، فأين فورة الشباب في هذا الشعر، وتجاربهم وعراكهم مع الحياة؟.. فكر شبلول كثيراً في مقولة عناني وخاصة بعد التحاقه بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية حيث كان يلتقي أستاذه فيتحاوران ويتبادلان الكتب. ولظرف ما لم يكمل الشاعر دراسته في هذا القسم بعد أن قبل أوراقه الدكتور محمد مصطفي هدّارة رئيس القسم آنذاك وشجعه علي المضي في هذا الطريق حتي يحصل علي الماجستير والدكتوراه. ولكنه لم يفعل وفضَّل أن يعيش مع أرقامه وعوالمه الجديدة إلي أن كتب قصيدة "شيخوخة الأرقام". أسوق هذه المقدمة بعد أن قرأت قصائد أحدث دواوينه "زوايا من بقايا شمعتك" الذي صدر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، لأجدها تتعلق بموقف الشاعر من عصر العولمة وذاكرة الإنترنت، مع باقة من القصائد العاطفية التي لا تنفصل عن هذه القضايا الجديدة، ومنها هذه القصيدة التي يقول فيها: وتدخل الحياة في تجارب الجنون.. وتُسرق الخلايا.. وتعكس المرايا.. شيخوخة الأرقام.. هل آن للحاسوب.. أن يبرمج المشاعر.. ويفتح القلوبَ للأحلام.. ويفهم الأيام والبصائر؟ ولأنهما يشتركان في أوجه كثيرة، نجد الشاعر أحمد سويلم يتوقف أمام عالم الأرقام ودلالتها في شعر شبلول في بحثه الذي ألقاه في احتفالية تكريم هيئة قصور الثقافة لشبلول بعد حصوله علي جائزة الدولة التشجيعية، وكان ذلك في حضور رئيسها آنذاك الدكتور أحمد مجاهد. وهذه التجارب الرقمية والذاكرة العنكبوتية والعوالم الافتراضية التي حلق فيها الشاعر تقوده في عام 2005 إلي المشاركة في تأسيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب مع مجموعة من الكتاب والأدباء المصريين والعرب، ويصبح نائباً لرئيس هذا الاتحاد، وتقوده إلي تولي رئاسة لجنة الإنترنت في اتحاد كتاب مصر عندما كان عضواً في مجلس إدارته منذ عام 2001 وحتي استقالته في عام 2010 لينضم إلي أسرة مجلة "العربي" العريقة، مؤكداً جدية ارتباطه بالعمل الصحفي الثقافي الذي بدأ أولي خطواته فيه عندما اختير لرئاسة تحرير مجلة "فاروس" في الإسكندرية، وقد كنت أتابع جهود تلك الجماعة الأدبية والفنية التي تشكلت في الثغر الحبيب مع مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم وألمس مدي حرصها علي إثبات الذات، ولا زلت أتذكر تلك البدايات البكر التي بدأها شبلول معي علي صفحات مجلة "الجديد" التي كان يرأس تحريرها أستاذي الراحل الدكتور رشاد رشدي في منتصف السبعينيات من القرن العشرين. ونعود إلي هذا الديوان الذي سبقته عشرة دواوين لنؤكد أن شبلول يطور دائماً من أدواته ورؤاه الشعرية ويتفاعل مع القضايا المجتمعية والثقافية والعلمية الجديدة، أما عن عنوان الديوان فكما نراه عنواناً عاطفياً يستوحيه الشاعر من قوله في إحدي قصائده: تلك الصباحات.. التي أمست هنا.. كانت زوايا من بقايا شمعتك. مشيراً إلي أن الشعر مهما حلق في عالم التكنولوجيا والعوالم الافتراضية فإنه لا يستطيع الاستغناء عن المرأة سواءً علي مستوي الرمز أو الواقع.