«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عذاب الركابي : لا كيمياء تضاهي كيمياء الكلمات
نشر في نقطة ضوء يوم 05 - 12 - 2011

الشاعر عذاب الركابي: شَّاعرُ منتشٍ بتراتيل كيمياء الكلمات - يحاكي الظلال الوارفة يعزفها بسيمفونية مميزة فتعبق "قصائد الهايكو" المُدهشة بأبجدية زاخرة بالحبِّ، والحرية، والجمال؛ فإلهامه المقدس بدأه من صوت جراح أُمِّه المرأة الريفية البسيطة - هو مخلوق لغوي راقٍ يتنفس رائحة الحبر عبيراً، ويخشع لنصاعة بياض الورق، ويصغي بهدوء حتّى الصلاة لزحمة الحروف، وتباري كيمياء الكلمات على حرارة أصابعه .. توجهنا للشاعر بالأسئلة التالية، فحصلنا منه على هذه الإجابات :
* القاريء في شوقٍ للتعرفِ إليك ، حدّثنا عن بداياتك الشعرية والأدبية !! قلْ لي كيفَ عشتَ هذهِ المغامرة؟
- ليسَ هناك تاريخ مُحدّد ودقيق لهذهِ البداية، لأنّ الكلمات يبدأُ عزفها في اللاوقت .. واللامكان .. فلا كيمياء تضاهي كيمياء الكلمات، والإمساك بالكلمة كالإمساك بالجمرة .. ولكنّني كلّ ما أتذكرهُ أنّ هاجس الكتابة .. والإلهام المُقدّس المُداهم قدْ بدأ على صوت جراح أُمّي – المرأة الريفية البسيطة كرغيف الخبز الّتي كانت تتخلّص من همومها الأسرية والحياتية والاجتماعية بترديد الأغاني العراقية الشعبية الجارحة ، مصحوبة بأنين حارق .. وحسرات قاتلة ، مصدرها عشقٌ قاتل مُصادَر ، وهيَ ترتّب شؤون بيتها البسيط ، وما تمليها عليها طقوسنا الأسرية ، كأناس في غاية البساطة .. والعفوية .. والحميمية .. نعم ! فقراء لكنّ غنى الروح كان بمثابة الكنز الذي لا ينفد .. وعلى إيقاع نزيفها الكونيّ ، كنتُ أحاولُ أنْ أغنّي على طريقتها الأغاني نفسها، ولكن بأنين من نوعٍ آخرَ ، وبإحساس طفوليّ ، انتبهتْ إليهِ وأدهشها ،وحينَ تحولَ لديّ إلى كلمات وقصائد شعبية ، وسمعتني وأنا أتدربَ على إلقائها استعدادا للمشاركة في المهرجان المدرسيّ ، قالت لي : مِنْ أينَ جئتَ بهذا الكلام؟ أيقظ فيّ هذا الغناء عاطفة مشبوبة ، فواصلت كتابة الشعر الشعبي العراقي (العامي) الّذي انتظمت قوافيه وتفعيلاته وبلاغته العفوية على لفتات بنت الجيران .. وسحر عيونها .. وإغوائها الطفوليّ الذي كانَ حبرَ أولى القصائد.. حتّى أُدرجَ اسمي ضمن الشعراء الشعبيين في تلك المدينة الجنوبية التي يشقها الفراتُ إلى نصفين . إنّ تفتّح ثمرة القريحة .. وتفجّر براكين الأصابع ، صاحبهُ ظمأٌ قاتلٌ للقراءة التي أصبحت لديّ وبمرور الأيّام مرضاً ، سألت الله وملائكة الإبداع أن لا أشفى منهُ ، وهذا المرض (الصحي) صارَ دواؤه ومازال الكتب من كلّ نوع ، والدوريات الثقافية ، ومصاحبة الأدباء والشعراء والكتّاب ، ومراسلة الصحف والمجلات ، وكانَ اليوم الذي تنشر لي فيه قصيدة أو يومية ثقافية متواضعة في جريدة ، أو حتّى مجلة مغمورة عيد ميلاد جديدا ً .. وقرأت وكانت طقوسي في القراءة الصبر .. والتأمل .. والإصغاء حتّى أن يخشع الجسد كلّه ، في كلّ سطر وكلّ جملة مثيرة جديدة .. وأصبحت الكتبُ رفيقي .. ورغيفي .. وشمسي .. ودليلي . وحينَ أنهيت دراستي الثانوية ، متوجهاً إلى المرحلة الجامعية ، وعلى بعد خمسمئة كليومتر من مدينتي الفراتية، من جنوب البلد إلى شمالهِ ، كانت ظروفي الاجتماعية قاسية .. فقر مريع .. وحرمان من أبسط متطلبات الحياة ، ثروتي نبض القلب ، وكلماتي ، ووردة الإصرار التي لم تعرف الذبول حتّى وأنا في هذا العمر ..واصلت دراستي على نفقة الدولة ، بمكافأة شهرية بسيطة ، دينارات بعدد أصابع اليد ، كانت في وقتها كنزا ً ،أتعهد بتسديدها عند التخرج فور التعيين ، ومن خلال تخصّصي في قسم اللغة العربية- كلية الآداب ، توسعت مداركي ، وتعرفت على المزيد من الشعراء ، وقرأت عديد الدواوين الشعرية والقصص والروايات ، وكنت أفرح بزيارة الأدباء والشعراء للجامعة ، وأحرص على لقائهم ، التقيت بشعراء كبار مثقلاً بأسئلتي ، الشاعر الكبير بلند الحيدري ، وسعدي يوسف وشاعر الحداثة الكبير عبد الوهاب البياتي الّذي أصبح صديقاً ، توثقت بيني وبينه علاقة حميمية عميقة ، ورسائل ، واتصالات هاتفية أثناء إقامته بعمّان ، وقد أهدى لي عديد أعماله الإبداعية ممهورة بتوقيعه ، كان آخرها وقبل رحيلهِ بأيام ( قصائد شرقية) الذي وضع عليه توقيعه يوم 25-7-1998 وغادر دنيانا يوم 4-8-1998 .. وحين أنجزت عن شاعريته كتابي " صلوات العاشق السومريّ" صدر عام 1997 بعمّان عن دار نشر أزمنة أسهم في نشره ، وتولّى توزيعه ، حيث أخبرني أنّه كان يحملُ منه في كلّ سفرة من أسفاره عشرين نسخة ، يهديها إلى أصدقائه من الكتّاب والشعراء والنقاد .. وظل حميمياً .. وفياً حتّى يوم رحيله الجارح ..أذهلني تواضعه وصدقه وهوَ أكبر شعراء الحداثة الأحياء ..كمْ هي عذبة ..مريرة هذهِ المغامرة .. وكمْ هو قاسً زمننا اللاشعريّ ؟
* منذ فترة لمْ نقرأ لكَ شعراً على صفحات الشبكة العنكبوتية ، فهلْ غلبت القراءات الأدبية ، والعمل الصحفي على القصيدة ..أم أنّ هناك مشاريع إبداعية في مرحلة الإنجاز؟
- أنا أتعامل مع (النت) أو الشبكة العنكبوتية بحذرٍ وتحفظٍ شديدين .. فالشبكة العنكبوتية دولة بلا قانون .. وقارة بلا حدود .. ومملكة ملوكها هجينيون لمْ يُتوّجوا بعدُ .. وإذا ما تُوّجَ البعض منهم ، فهم بتيجان من قشّ وضباب . الشبكة العنكبوتية لها فوائدها الكثيرة من حيث الاتّصال بثقافات العالم ، وأخباره، وجديدة، والتواصل مع الآخرين ، والانتصار على الوقت ، كلّ هذا شيء رائع وضروري ومفيد وجدير بالاحترام .. ولكن أضرارها تفسد الكثير من فوائدها ، فهي أيضاً تربة خصبة للدُعاة .. والمتطفلين على الكتابة .. جارحي قدسية الإلهام .. والإبداع .. وفاضي بكارة الكلمات بلا حبّ .. وعشق حقيقي .. وشهود .. وعشاق جريحون! أنا مخلوق لغوي .. ورقي قبل كلّ شيء ، أتنفس رائحة الحبر عبيراً ، وأخشع لنصاعة بياض الورق الذي أبعثر لآليء قلبي عليه ، وأصغي حتّى الصلاة لزحمة الحروف، وتباري الكلمات على حرارة أصابعي .. للورق لذّة لا تمنحني إياها الكتابة الرقمية . نعم! أتعامل مع بعض المواقع ذات المسؤولية .. وأخلاقيات النشر في نشر بعض قصائدي .. ودراساتي المهمة ، ولكن سارقي لذّة ومتعة هذا النشر كثيرون ، منْ هم دخلاء .. ومتطفلون على الكتابة .. طارئون على وقت النزف .. زائلون بحسابات الإبداع .. الشبكة العنكبوتية بلا براءة ، وهي تجعل منهم كتّاباً ، وهم لا يصلحون حتى للجلوس في باب المحاكم لكتابة الشكاوى .. هؤلاء لمْ يجربوا النشر الورقي .. ولم يتذوقوا عسل متعته .. لأنهم لا يستطيعونه، ولا يتجرأون على خوض هذهِ المغامرة ..لأنهم يثرثرون ولا ينتجون أدباً .. دخلاء على الشعر والقصّة وحتى المقال النقدي والسياسي ، إضافة إلى أنهم بلا خجل ، يتطاولون على قامات أدبية وثقافية كبيرة ، لها شأنها الثقافي والإبداعي لا في ليبيا فحسب بل في الساحات الثقافية العربية مجتمعة ، ولهُم حضورهم المشهود بهِ ، وإضافاتهم للأدب والإبداع والثقافة يشهد بها كبار النقاد والأدباء .. هؤلاء الطفيليون لا يستطيعون حتّى الاقتراب من أبواب تلك الصحف والمجلات التي ينشر بها هؤلاء المبدعون الحقيقيون الجادون ، ولا يجدون حتّى مَنْ يرد التحية عليهم .ما يجعلني مُقلاً بالنشر في المواقع اللألكترونية أيضاً هو ما يحصل من سرقات أدبية مكشوفة ..ليس صعباً اكتشافها على المتابع الحذق .. تابعي .. وركّزي جيداً وأنت تقرأين النصوص المنشورة ، هناك مَنْ يسطو على أعمال الآخرين ، بتغيير بعض الكلمات .. واستبدالها بكلمات آخرى .. ويصبح هو صاحب النصّ.. إضافة إلى ارتباطي بالصحافة الثقافية .. كتاباتي بالصحف القومية التي اعتبرها تمريناً عقلياً وفنّياً وتقنياً يُغني الكتابة .. ويفيد في استمرارها.. ثمّ انشغالي بإنجاز أعمال شعرية ونقدية مهمة .. أنجزت الكتاب الثاني من تجربة في الهايكو العربي ( رسائل المطر) التي صدر منها الجزء الأول (ما يقوله الربيع) في القاهرة عام 2005 عن دار نشر ميريت .. كذلك ديوان جديد (هذا الخراب لي) .. و (الشموس لا تهدر ضوءها) الجزء الأول – حورات أدبية ثقافية مع مبدعين ليبيين .. وكتاب نقدي رؤيوي حواري مع المبدعة الكبيرة غادة السمّان (امرأة من كلمات).. إضافة إلى ارتباطي بكتابة دراسات ويوميات ثقافية مع صحيفة الجماهيرية – الملف الثقافي الأسبوعي ، وكذلك مجلة الثقافة العربية وكتابة البرامج الإذاعية .
* هلْ تعتقد أنّ الشعر غير قادر على أنْ يقوم بدورهِ الحماسي والنضالي كما السابق، وخاصة ما يحدث اليوم من تخاذل مهين للوطن والإنسان العربي؟
- يا سيدتي الشعر حلمٌ ، وليس كتيبة عسكرية ،ولا هو مخزن ذخيرة ، هو نتاج ذاكرة تقاوم البلادة .. والشيخوخة .. والترهل ، وعسلُ جسدٍ وهوَ ينتصرُ على الموت ، ويهزم جنوده الظلاميين ..، موعدٌ مخملي مع النفس العاشقة ، لغتها تتعدى الكلمات .. ، مطرٌ لؤلؤيٌّ مُداهم ..الشعرُ مهمتهُ الإيقاظ .. والهمس الصاخب .. يعملُ على ترتيب ما تبعثرَ من لآليء نفوسنا .. وعطر صباحاتنا .. وحميمية علاقاتنا .. وجميل ربيعات عمرنا المهدورة والتي تكادُ تأفلُ من دون غناء طير .. أو أريج زهرة.. أو عنفوان نهر .. أو موعد عشق .. أو عناق امرأة . ليسَ في القصائد أيّ حلول ، لأنّها أحلام طازجة ، وإذا ما تلتها يقظة عسيرة ، فهي لحظة الفرح والابتهاج بالعالم .. والاستعداد لترتيبهِ وتجميله . قولي لي بربّك هلْ استطاع الشعر أنْ يُعيدُ ربوع الأندلس الخضراء.. وهل تمكنا من خلال قوافي الشعر أنْ نحرر فلسطين .. وهل استطاع الشعراء التقليديون بمنجزرات قوافيهم وتفعيلاتهم .. والمحدثون بغرائبيتهم أن يخرجوا جحافل المارينز من العراق ..؟ نعم !! أعترف أنّ الشعر يقاوم بحالةِ الإزعاج .. والغضب .. والتمرد .. والثورة والشاعر عليهِ أنْ يبقى مزعجاً .. لا ننسى أبداً أنّ الغزاة الصهاينة كانوا يطاردون .. ويلقون القبض على كلّ نصّ شعري يكتبهُ : توفيق زياد ، محمود درويش ، وسميح القاسم وشعراء المقاومة الآخرون .. لأنّ القصيدة تحرّض .. توقظ ..تفعل فعل الرصاصة أقصى مَهْمة تقوم بها .. أنّ هؤلاء الشعراء كانوا ومازال الأحياء منهم يعيش بينهم .. وأعذريني إذا قلت لك أنّ بعض شعراء المقاومة يتجولون في العواصم الأوربية وحتى العربية بجوازات المحتل ..عام 1995 إذا لم تخني الذاكرة حضر شاعر المقاومة سميح القاسم إلى تونس بدعوة من اتحاد الكتاب التونسيين بجواز سفر إسرائيلي ، وكنّا الحاضرين الأمسية الشعرية من ليبيا أنا والكاتب الكبير الأستاذ علي مصطفى المصراتي .. وما قرأه القاسم من قصائد كان مخيباً للآمال ، حيث سفّه انتفاضة الحجارة، وهو يؤكد على جبروت وسلطة الدبابة الإسرائلية .. أعتقد أنّ صديقي المصراتي يذكرُ هذا جيدا ً !! ياسيدتي الشعر لا يخرج بنا من أزماتنا ، بلْ نخرج بالوعي .. بالثقافة .. بالحضارة .. بالتآلف .. بالحميمية .. بالشعور بالمسؤولية .. وبالعقل !! وماذا نفعل إذا كانَ العقل العربيّ في إجازةٍ مفتوحة !؟؟
حالة اكتشاف حقيقية
* لمنْ تقرأ ؟ وما النصّ الّذي يُؤثر فيك أكثر من غيره ؟ ولماذا القراءة؟
- لا أستثني لوناً أدبياً .. أقرأ كلّ ما يقعُ تحتَ يدي و(أعتبر نفسي قارئاً في الأساس .. وأظنّ أن ما قرأتهُ أهمّ بكثير مما كتبته ) – حسب تعبير بورخيس .. إلى جوار سريري فسيفساء أدبية ثقافية ، من الشعر إلى السيرة الذاتية لكبار الأدباء والكتاب ، شرقاً وغرباً ، من الكاتب المتمرد هنري ميللر ، وماركيز، وكازنتزاكي وحتّى محمد شكري ولويس عوض، وآخر سيرة كانت بين يديّ لصديقي الروائي الكبير عبد الرحمن مجيد الربيعي التي بعث بها مشكوراً من تونس ، "أية حياة هيَ" .. وأقرأ الآن "صنعة الشعر" ست محاضرات لبورخس ، وقبل أن أسطّر هذهِ الكلمات انتهيت من رواية في غاية الأهمية لماريو فارغاس يوسا وهي " الفردوس على الناصية الأخرى ". أما القراءة فهي حلم آخر ، لولاه لما كانَ لنا أيّ لقاء مخملي مع العالم .. لما التقينا بالأصدقاء .. لما غضبنا .. لما عشنا الحرية .. لما عشقنا .. ولما ولدنا هذهِ الولادة البركانية الصاخبة . إنّ كلّ مشاريعنا الثقافية والإبداعية متوقف على أعراض هذا المرض الّذي لا شفاء منهُ، القراءة حالة اكتشاف حقيقية تأكدي من ذلك .. !!
* هلْ أنتَ جزء من القصيدة؟ وما علاقتك بالقصيدة؟ أهي جزء منك أمْ هي أنّك جزء منها ؟ أمْ أنّك قصيدة لم تكتب بعد ؟ أيّ منكما عثرَ على الآخر ؟
- قلتُ في أكثر من حوار: " أنا نصّي " .. فالقصيدة أنا، وأنا القصيدة ، وهكذا فالشاعر والقصيدة توأمان لا ندري أيّ منهما الّذي وُلِدَ من الآخر.. وأيّ منها الّذي عثر على الآخر !! ألم يقل فولتير : " مدام بوفاري هي أنا " .. كلّ نصٍّ جيد هوَ مبدعهُ ، قدْ يجد القاريء نفسه فيه .. وفيهِ من همومهِ .. وأحلامهِ .. وحالاتِ عشقهِ ، لكنهُ سرُّ مبدعه ، وأنّ الدماء التي هي حبر النصّ هي دماؤه ، وأنّ الدموع .. والفرح .. والحرية التي توحي بها القصيدة هي رماد جسد الشاعر وعطر أمنياته !!يقولُ بورخس أيضاً : " إنّ الكاتبَ نصٌّ يواصلُ كتابة ذاته " .. ونحن كتبنا القصيدة أو كتبتنا ، نظل كياناً واحداً ، يعلنُ عن سلطته باللغة .. والخيال .. والعاطفة .. والموسيقا .. والمتعة .. وأنا والقصيدة كنهرٍ فتيّ نمشي معاً لنتحد بموكب الكون المنغم !!
*هلْ كُرّمت ؟ متى ؟ وأين ؟ أعني ماذا تضيف الجائزة والتكريم إلى المبدع على المستوى الإبداعي والإنساني؟
- أول تكريم لي كان في مدينة المنستير التونسية عام 1995 من لجنة النشاط الثقافي بإذاعة المنستير ، وبحضور وزير الثقافة التونسي ، لقاء إسهاماتي في الدوريات الثقافية التونسية ، وكتاباتي عن إبداعات التونسيين ، وقتها تلقيت دعوة لحضور ندوة أدب التسعينات المغاربي ، ألقيت شهادة وقصائد في ذلك الملتقى الأدبي المهم .. وعام 2006 كُرّمت من قبل شعبية إجدابيا وصحيفة أخبار أجدابيا بمناسبة صدور كتابي " كيمياء الكتابة" – تأملات في الإبداع الليبي منشورات مجلة المؤتمر .. ولا أنسى جهد ودور الكاتب والقاص والشاعر الكبير جمعة الفاخري في فكرة وتحضير هذا التكريم الذي كان الحافز للمزيد من التألق والإبداع ..ومع شكري لكلّ مَنْ كرمني ، يظل التكريم الأقرب لي ، هوَ تكريم القاريء ، من خلال ما قرأت وسمعت من آراء وتعليقات على نصوصي ودراساتي سواء في الصحف أو في المواقع الألكترونية .. صدقيني أنا لا أنتظر أيّ جائزة ، ولا أذهب إليها ، لأنّ وفائي الأكبر للنصّ .. ولتربة النصّ .. ولأصدقائي الذين يحتفون بنصّي .. وللمكان الّذي يسهمُ في تكويني الثقافي والنفسي .. الجائزة الكبرى همُ أصدقائي الحميميون .. هيَ المكان لحظة الإلهام والنبوغ !!
* قدّمت دراسات وكتب حول المبدعين الليبيين والعرب ! ما رأيك في الإبداع الليبي خاصة .. والعربي عامةً ؟
- أنجزت ثلاثة كتب عن الإبداع الليبي بالإضافة إلى فصول في كتابي " بوّابات هادئة" رؤى وتأملات في الإبداع العربي منشورات الدار الجماهيرية 2000 ، أما الكتب الثلاثة فهي " كيمياء الكتابة" 2006 و" العزف بالكلمات" 2008 ، والثالث " الإبداع الليبي رؤى .. وتأملات .. وشهادات أنتظر صدوره عن المؤسسة العامة للثقافة .. وانتهيت من كتابي " الشموس .. لا تهدر ضوءها " حوارات مع أكثر من عشرين كاتباً ومبدعاً وفنّاناً ليبياً .. وعلى المستوى العربي صدر لي " صلوات العاشق السومري" قراءة في شعر البياتي 1997عمّان – دار أزمنة ، و" عبد الرحمن الربيعي .. وأسئلة الزمن الصعب" 2004 تونس عن دار المعارف و" فؤاد طمان .. شاعر الإسكندرية الكبير" 2007 الإسكندرية وتحت الإنجاز كتب أخرى آخرها " امرأة من كلمات" – دراسات وشهادات وحوار طويل مع المبدعة الكبيرة غادة السمان ، بالإضافة إلى كتاب " الحالمون" تأملات في الإبداع العربي ( شعر ، قصة، رواية) .. والجزء الثاني من كتابي " الشموس لا تهدر ضوءها " حوارات مع عشرين كاتباً عربياً .. كلّ هذهِ الأعمال كان لها صدى كبير لدى القاريء .. وعديد النقاد العرب ، بعضها كان من أكثر الكتب مبيعاً في المعارض العربية الكبرى ككتابي " صلوات العاشق السومري" و"بوابات هادئة " ..نشرت حول أعمالي دراسات كثيرة ، في كبريات الصحف والمجلات العربية المحلية والمهاجرة .. كانت شهادات من نقاد وكتّاب أصدقاء في ليبيا وفي الساحات الثقافية العربية الأخرى ، أفخر وأعتز بها كثيراً .. وهي إضافة وامتداد مهم لإبداعي ..ضعي اسمي عبر غوغل ، وستقرأين ما هو مهم ومثير وجديد من هذهِ الدراسات عن أعمالي .
النقدُ إبداعٌ آخرُ
* هلْ الحركة النقدية العربية مواكبة للنصّ الإبداعي بكلّ فروعه ..وهل تعتبر النقد إبداعاً أمْ تطفلاً على الإبداع ؟
- صعبٌ جدّاً إنكار النقد كمرآة أخرى للمبدع .. وظلّ آخر للإبداع .. بلْ كإبداع أيضاً .. لكنّ الجيد والهادف من النقد قليل ..وقد سادت في حياتنا الثقافية العربية المجاملات بفعل تحول الثقافة إلى وظيفة ..إلى ثقافة حكومية إعلانية تتوّج قليلي الموهبة .. انعكس ذلك على الإبداع ، وهذا ما أجبر الكتّاب والمبدعين الشباب من شعراء وقصّاصين وروائيين إلى ممارسة النقد .. والكتابة عن بعضهم .. والحقيقة أنّ ما يكتبهُ هؤلاء الشباب من نقدٍ في ليبيا وفي الساحات الثقافية العربية جدير بالاهتمام .. وينبيء بحركة نقدية جادة .. وهذا لا يلغي أبدا أسماء مهمة فاعلة وكبيرة على امتداد الساحة الثقافية العربية . أمّا شكوى بعض المبدعين فهو يعود إليهم شخصياً وليس للنقاد ..إذ أن بعضهم يعاني من الكسل والخمول واللامبالاة وكأنّ هذا النزيف ليس نزيفه .. وهذا الصراخ الضروري ليسَ صراخه ..وهو عاجز حتّى عن أنْ يوصلَ نفسه وإبداعاته إلى النقاد .. وإذا كان هناك مَنْ كُتِبَ عنه من الليبيين بأقلام عربية فأنّ الفضل يعود لدور النشر الليبية المثابرة مثل مجلس الثقافة العام والمؤسسة العامة للثقافة من خلال مشاركاتهم الدائبة في المعارض العربية والدولية.
* وتجربتك الشعرية المهمة في ( الهايكو العربي) .. كيف كانَ صداها في الأوساط الثقافية العربية ؟
قصيدة الهايكو haiku وهي اختصار لما يسميه الشعراء اليابانيون (الهايكاي) أو (هوكو) hokku هي قصيدة صوفية، لأن اليابانيين كانوا يتعاملون مع اللغة بشكل كهنوتي محض، ونقطة اللقاء بينها وبين القصيدة / الومضة، أو القصيدة القصيرة جدا "الإبيجراما"، هي أن كلا منها، إرسال تلغرافي وبرقي ساحر وشفَّاف، ونقطة الاختلاف أن قصيدة الهايكو الياباني تقوم وتبنى على مكونات الطبيعة في مقدمتها فصول السنة، وهي قصيدة تتكون من ثلاثة أبيات في سبعة عشر مقطعا (5 7 5) وقد اقترحت على صديقي الشاعر اللبناني الكبير د. قيصر عفيف رئيس تحرير مجلة "الحركة الشعرية" الصادرة في المكسيك، أن نسعى جميعا لخلق (هايكو عربي) إسوة بالهايكو الإنجليزي والفرنسي والألماني، وكان فرِحاً بنشر نماذج لي عام 2002 طالبا من الشعراء الآخرين، إبداء الرأي فيما ننشره في "الحركة الشعرية" من الهايكو العربي، وتجربتي وهي التجربة الأولى التي صدرت في كتاب بالقاهرة –الجزء الأول،وهي تقوم على أنسنة humanisim مكونات الطبيعة عبر حوار مشغول وبليغ ودافئ، ولا أدعي السبق لأن قصائد الهايكو العربي برأيي موجودة عند الكثير من شعراء الحداثة العرب، من أمثال: سعدي يوسف، أدونيس، محمد الماغوط، أنسي الحاج، وغيرهم من جيل الشباب، وهي متناثرة في بطون القصائد والدواوين، لكنها لم تصدر مستقلة، أو تجمع في ديوان، ربما إلا في كتاب "ما يقوله الربيع" تجربة في الهايكو العربي الذي صدرَ عن دار نشر- ميريت – القاهرة عام 2005 الكتاب الأول .. والكتاب الثاني ( رسائل المطر) مُنجز وكامل وهو قيد النشر ..وأدعو أصدقائي الشعراء إلى تنمية هذهِ التجربة في شعرنا العربي المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.