شبح الفقر المائي يطارد مستقبل البشرية، ويتهدد كل عام ضحايا جدداً بمئات الملايين، وبعد 52 عاما من الآن سوف يعاني ثلاثة مليارات إنسان من ندرة المياه. وإزاء اتساع دائرة الخطر، فإن ثمة جهوداً ومحاولات علمية وسياسية، تقنية واقتصادية تحاول حصار خطر العطش في مواجهة ظروف طبيعية لا تنبئ بخير، وممارسات بشرية تساهم في هدر مصادر المياه العذبة المحدودة والثابتة، بينما يرتفع تعداد سكان العالم، وتتزايد احتياجاتهم الكمية والنوعية، حتي اصبح احتمال اندلاع حروب المياه في المستقبل مسألة وقت! »المياه الافتراضية« لا تمثل حلا، بقدر ما تطرح مفهوما ينشط- بالاساس- للحد من الصراعات المتوقعة مع تفاقم اخطار الفقر المائي، وتوابعه التي تطال كل شيء حيوي: الصحة، الغذاء، التنمية، و.. و.. المياه الافتراضية - في أحد تعريفاتها- تعني حجم الماء العذب اللازم لانتاج سلعة زراعية أو صناعية، أو تقديم خدمة ما، فضلا عن المياه المتبخرة أو التي تتلوث اثناء العملية الانتاجية. وفي دولة تعاني من شح المياه، وتستورد احتياجاتها من أحد انواع الحبوب، فإن حصولها علي ما تحتاجه منها يعني - بحد ذاته- انتقال المياه التي استخدمت في زراعة هذه الاطنان من القمح أو الأرز علي سبيل المثال، من خلال هذه السلعة، ومن ثم فإن المياه الافتراضية قللت من حجم أزمة المياه التي تعانيها الدولة المستوردة، مقابل توفير جانب من مواردها المتواضعة، ليتم توجيهها في أغراض الشرب أو الصناعة مثلا. لعل أهم غاية تلبيها هذه المعادلة، لا تتمثل في تنشيط التجارة الدولية، أو زيادة دخل دولة ما من التوسع في التصدير، بقدر ما تعني الاسهام في حل أزمات الغذاء القائمة أو المحتملة في الدول المستقبلة لمنتجات واردة من احدي دول الوفرة المائية. من ثم فإن تخفيف الضغط علي الموارد المائية. في الدولة المستوردة، يوفر احد عناصر الاستقرار خاصة في مناطق الصراعات المائية، كما هو الحال في المنطقة العربية التي تعتمد علي انهار عابرة للحدود، يتحكم في سريانها دولة أو دول أخري. بالتالي فإن المياه الافتراضية القادمة مع سلعة ما، تمثل احد ضمانات عدم خوض نزاع مسلح والعكس صحيح تماما، فحظر هذه السلعة أو تلك يعني ان علي من يحتاجها توفير المياه اللازمة لانتاجها، ولو أدي الأمر لخوض الحرب مع الجيران. هكذا فإن المياه الافتراضية لا تساهم فقط في توفير الأمن المائي والغذائي لدولة بعينها، أو مجموعة دول تعاني من شح المياه، لكن المفهوم يتجاوز هذا النطاق المحدود إلي الحيز الاقليمي، بها يمتد ليغطي الكرة الأرضية، أي انه يساهم في استقرار السلم والأمن الدوليين. من هنا فإن تلويح إحدي الدول باستخدام احدي السلع الاستراتيجية كالقمح باعتبارها سلاحا سياسيا، يعني في طياته توظيف المياه الافتراضية بطريقة لا تختلف كثيرا عن الممارسات التي تلجأ إليها احدي الدول المتحكمة في انسياب مياه النهر عبر حدودها إلي دولة، أو دول أخري، تتشارك معها في حوض نفس النهر. المياه الافتراضية »يُفترض« ان تكون مفهوما يساهم في إقرار الأمن المائي علي اوسع نطاق لمواجهة التحديات المستقبلية للبشرية، لكن هل تتحول إلي نقمة حين تتحكم في انسيابها ذات الاعتبارات التي هددت، أو تهدد باشتعال حروب المياه؟!