محمد بركات لم يكن متصورا في يوم من الأيام أن يأتي علينا زمان تصبح فيه قضية انتشار القمامة في الشوارع والطرقات ومداخل ومخارج الأحياء في كافة مدن ومحافظات الجمهورية، قضية قومية تشغل بال الجميع وتقض مضاجع الكل وتستدعي تدخل رئيس الجمهورية لمواجهتها والبحث عن حلول سريعة لها، هي وشقيقتها قضية مخلفات البناء والهدم والردم، التي التصقت بها وأصبحت تنافسها في الانتشار والشيوع في كل الأماكن. وقد رصدنا استفحال هذه الظاهرة طوال الشهور الماضية في كل مكان بطول وعرض مصر، وتحولها الي حالة بالغة الفجاجة والاستفزاز والخطر، نظرا لما لها من دلالة علي ما وصلنا إليه من واقع سييء ومؤلم في ذات الوقت، وهو ما يتطلب المواجهة العاجلة والشاملة لها ليس في القاهرة فقط بل في كل المحافظات. وقد دفعنا ذلك الوضع بالغ السوء الي تناول هذه القضية بالكتابة والنقد في هذا المكان منذ ما يقارب الشهرين، ومن بعدها أيضا في يوميات الأخبار منذ ما يقارب الشهر، للتنبيه لخطرها، بعد أن امتدت وانتشرت واستفحلت، بحيث أصبح من الصعب تجاهلها، ومن الخطأ غض الطرف عنها في ظل انتشارها الفج والمستفز بصورة تتحدي المشاعر، وتثير الأسي علي ما وصلنا إليه من الاضطرار دون مبرر للتعايش وسط بيئة بالغة القذارة والتلوث. ولعلنا لا نحتاج الي شرح كثير للتدليل علي مدي السوء الذي وصلت إليه هذه الظاهرة، حيث ان الأمر واضح وبين لكل من يسير في شوارع وأحياء العاصمة، وكذلك في مدن المحافظات الكبري والصغري، كما انه أضحي أكثر فجاجة علي الطرق العامة والرئيسية الموصلة بين القاهرة والأقاليم، وبين كافة المحافظات، حيث تري في كل مكان تلال " الزبالة " والنفايات وبقايا عمليات البناء وغيرها تتزايد وتتكاثر في كل يوم وكل ليلة. وإذا ما أردنا المصارحة والشفافية في هذه القضية، وهذا ما يجب أن يكون، فعلينا أن نعترف لأنفسنا قبل غيرنا، انها نتاج طبيعي ومؤسف لحالة الانفلات الأمني والأخلاقي التي سادت، ولاتزال في ربوع البلاد طوال الشهور الماضية . علينا ان نعترف بأن هذه الحالة، هي التي سمحت لكل من غاب ضميره أن يفعل ما يريد، ضاربا عرض الحائط بكل القواعد الأخلاقية، والاجتماعية، والصحية، طالما أن عين القانون غافلة عنه، وطالما أن يد القانون غائبة أو مغلولة، وطالما ان دور المحليات والإدارات التابعة لها في الرقابة والمحاسبة أصبح مجمدا ودون فاعلية في الحساب أو العقاب . وفي هذا الإطار أيضا من المصارحة والشفافية، لا بد ان نقول وبوضوح، انه من المهم النجاح السريع والواضح للعمليات الجارية الآن لإزالة هذه المخلفات وتلك الأكوام والتلال من القمامة والنفايات، في إطار برنامج المائة يوم للرئيس، حتي يكون ذلك دافعا للتفاؤل ومشجعا علي المواصلة والاستمرار في هذه الحملة . ولكن الأكثر أهمية من ذلك هو ضرورة التوصل الي الصيغة المناسبة والعملية التي تمنع تكرار هذه الظاهرة مرة أخري، وتضمن التخلص الدوري، والاستغلال النافع لهذه النفايات، وتلك المخلفات، كما تفعل كافة الدول المتحضرة، ولا يكفي إطلاقا ان تنقل من هنا لتوضع هناك ونواصل غدا ان شاء الله ..