إبراهيم سعده يستحيل اتهام فقيه القانون المستشار محمد حامد الجمل بأنه من "الفلول"، وهي "التهمة" التي يوجهها البعض لكل من يختلف معه في الرأي، أو لا يوافقه علي ما يدعو إليه أو يبشر به. حقيقة أن المستشار محمد حامد الجمل عمل في القضاء قبل ولاية الرئيس السابق حسني مبارك، وواصل عمله خلال حكمه، وتدرج في المناصب إلي أن أصبح رئيساً لمجلس الدولة وحتي بلوغه سن التقاعد، لكن حقيقة أيضاً أن الفقيه القانوني الجمل عرفناه طوال تلك العقود مستقلاً في رأيه، ولا يتردد في الجهر به علناً مسموعاً، ومقروءاً، ومرئياً نقداً صريحاً لكل ما يرفضه من قرارات وسياسات واجراءات النظام الحاكم السابق. ومقالات وتصريحات المستشار الجمل المذكورة موجودة وثابتة في أرشيف العديد من الصحف الحزبية والمستقلة، عادة، والقومية، أحيانا،ً وكلها لم تكن تلقي ترحيباً من الحكومات المتعاقبة واحدة بعد الأخري. مقدمة لابد منها بمناسبة ما قرأته منذ يومين في الحديث المهم الذي أجرته الزميلة "الوطن" مع المستشار محمد حامد الجمل حول أزمة "الدستورية" مع مجلس الشعب "المطعون في شرعيته". فما قاله رئيس مجلس الدولة الأسبق لن يرضي فقهاء القانون الذين هاجموا حكمي المحكمة الدستورية العليا، ولا نواب الأغلبية البرلمانية معارضي حل مجلس الشعب، وأتصوّر أن البعض من هؤلاء وأولئك لن يجد ما يرد به علي تصريحات المستشار الجمل سوي اتهامه بأنه من "الفلول" (..). وفيما يلي بعض ما قاله رئيس مجلس الدولة الأسبق : عن رأيه في حكم الدستورية بوقف تنفيذ قرار الرئيس محمد مرسي، قال المستشار محمد حامد الجمل: [إن القرار الذي أصدره الرئيس، وسحب حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون انتخابات الشعب وما ترتب عليه من بطلان المجلس بأكمله هو قرار باطل ولا سند له في القانون أو الدستور، لأن حكم "الدستورية العليا" نافذ بذاته، نهائي، وغير قابل للطعن عليه. وقرار المجلس العسكري ببطلان البرلمان ليس قرارا إداريا، وإنما نشأ عن حكم قانوني يلغيه. كما أن كلام رئيس الجمهورية في المادة الثانية من قراره يتناقض مع الحكم النافذ، والنهائي، ويعدل أحكام الإعلان الدستوري المكمل، الذي نص علي إجراء انتخابات الشعب بعد الانتهاء من وضع الدستور]. وأضاف الفقيه القانوني الجمل موضحاً: [صدور حكم المحكمة الدستورية العليا أمس الأول فصل في منازعة تنفيذ حكمها السابق الذي اعترض تنفيذه مرسي وحكم الدستورية أمس بوقف القرار الجمهوري حكم سليم، ويعود بدولة سيادة القانون لوضعها الطبيعي، ويزيل أي آثار لقرار الرئيس]. ما قاله رئيس مجلس الدولة الأسبق سبق للعديدين من زملائه فقهاء القانون تأكيده في مواجهة آخرين نددوا بالدستورية العليا، وبالغ أحدهم فاتهم أعضاء المحكمة بارتكاب جريمة تزوير، وطالب النائب العام بالتحقيق معهم ولا أعرف ماذا سيقوله هؤلاء الآن عن تصريحات "زميلهم" المستشار الجمل؟! ربما مر هؤلاء مرور الكرام علي ما أكده المستشار تأييداً لحكمي الدستورية العليا، وهو نفسه الذي سبق للعديد من أساتذة القانون تأييده، لكنني في الوقت نفسه أستبعد أن يتسامح بعض هؤلاء مع ما أضافه رئيس مجلس الدولة الأسبق من تصريحات تالية، خاصة تلك التي أجاب فيها عن سؤال لصحيفة "الوطن" عما إذا كانت هناك عقوبة منصوص عليها في القانون لما أصدره رئيس الجمهورية من عودة البرلمان، أو امتناعه عن تنفيذ حكم المحكمة بإيقاف قراره؟"، فأجاب قائلاً: [ما قرره الدكتور مرسي فهو جريمة. ويعاقب كل من أسهم في تعطيل، أو وقف، أو منع تنفيذ حكم الدستورية العليا الفقرة الثانية من المادة 123 بالحبس 6 سنوات والعزل من وظيفته، بالإضافة للمسئولية السياسية التي ارتكبها، وهي التعارض مع مبدأ فصل السلطات]. و تتوالي الأسئلة الصادمة، وإجاباتها الأكثر صداماً. سألوه: "هل يمكن تطبيق العقوبة علي رئيس الجمهورية؟" فأجاب المستشار الجمل : [مسألة التطبيق أمر عملي. وطبقا لأحكام الدستور والقانون.. فإن العقوبة واجبة التنفيذ. وتطبق عليه منذ صدور القرار الجمهوري، وليس بعد حكم الدستورية بإيقاف قراره.. الأمر الذي يطبق كذلك في حال تجاوزه وامتناعه عن تنفيذ حكم المحكمة]. وعن سؤال: "ما مدي صحة طلب الدكتور سعد الكتاتني من محكمة النقض البت في صحة عضوية بعض أعضاء البرلمان؟" أجاب المستشار الجمل قائلاً: [محكمة النقض ليست جهة فتوي، وليس من تخصصها النظر في مدي صحة نتائج مترتبة علي حكم المحكمة الدستورية العليا. ولا ولاية لمحكمة النقض في تغيير الأحكام التي تصدر من الدستورية العليا، والحكم في مدي صحة بعض أعضاء مجلس الشعب علي أن يعود المجلس للانعقاد ويبطل فقط الثلث هو التفاف علي حكم المحكمة الدستورية]. وتأكيداً لما قاله.. استبق رئيس مجلس الدولة الأسبق حكم محكمة النقض المنتظر اصداره لحظة كتابة هذه السطور متوقعاً أن محكمة النقض لن تقبل طلب الكتاتني، وسترده لعدم الاختصاص].