المستشار أحمد مدحت المراغى أثناء حواره مع الأخبار في فيلته الأنيقة والفاخرة بحي الزمالك، كان اللقاء مع شيخ قضاة مصر المستشار أحمد مدحت المراغي رئيس محكمة النقض ورئيس المجلس الأعلي للقضاء الأسبق، وفي حواري معه تطرقنا للعديد من القضايا والأحداث الساخنة التي فرضت نفسها علي الساحة السياسية في مصر خاصة في الآونة الأخيرة.كما حدثنا عن رؤيته الخاصة ووجهة نظره فيما يتعلق بالمواد والقوانين التي يجب أن يتضمنها الدستور الجديد ونظرته إلي الأحكام التي صدرت ضد الرئيس المخلوع وأعوانه وما يتردد بشأن سعي أمريكا ودول الغرب إلي تقسيم مصر مثلما حدث في السودان والعراق. إنها كلها قضايا وآراء علي جانب كبير من الأهمية. وباستعراضنا لتفاصيل هذا الحوار سوف يتضح ذلك وأكثر.. نائب قبطي للرئيس اختيار صائب وتقدير لدور الأقباط في الحياة السياسية لن يستطيع أحد أن يقسم مصر لأننا شعب بنسيج واحد ما رأيك في القرار الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا أول أمس بوقف قرار الرئيس بعودة مجلس الشعب؟ أريد أن أوكد أنني معارض تماما لقرار الرئيس الذي يخالف القانون المتمثل في الحكم الصادر من قبل المحكمة الدستورية العليا، ونظرا للمادة 05 لقانون المحكمة الدستورية العليا، فإن المحكمة اعتبرت القرار الصادر من الرئيس مخالفا ومعارضا لحكمها، فالمحكمة اصدرت حكمها ببطلان المجلس وعدم وجوده قانونيا، وبالتالي وجب علي الرئيس الالتزام بقرار المحكمة لحين إجراء انتخابات جديدة لمجلس الشعب وأعضاء جدد له، فالحكم واضح وصائب ولا يحتاج إلي أي طعون أو اعتراض أو مجادلة بشأنه، فالقانون قانون، ولابد من احترام الأحكام الصادرة منه. وأحب أن اضيف أنني كنت أفضل حل ثلث الأعضاء من المجلس وليس أعضاء المجلس بأكمله لحين إجراء انتخابات جديدة لثلث أعضاء جدد. كنا نريد أيضا معرفة رأيك حول التصريحات الرئاسية بأن عودة البرلمان لا يتعارض مع حكم الدستورية؟ أنا لا اتفق مع هذه التصريحات، لانها تتعارض مع القانون، فعودة البرلمان معناه مخالفة ومعارضة حكم المحكمة الصادر بشأن حل البرلمان، الواجب تنفيذه وأي كلام آخر، فهي مهاترات وتضييع وإهدار للوقت في جدل لا فائدة منه. ما رأيك في القرار الذي كان قد أصدره رئيس الجمهورية بشأن عودة مجلس الشعب؟ من وجهة نظري أنه قرار يتعارض مع ما قضت به المحكمة الدستورية العليا والحكم واضح وصريح، فعدم دستورية مجلس الشعب أدي إلي بطلان تشكيله وتكوينه منذ نشأته، وبالتالي فقد نجم عن ذلك عدم وجود المجلس وزواله، ولم يصبح له وجود. وطبقاً لقانون 94 من قانون إنشائه، فجميع سلطات الدولة ملزمة سواء التنفيذية أو التشريعية أو القضائية والكافة بتنفيذ الحكم بدون أي تدخلات علي الحكم. ومن ثم فإن قرار رئيس المجلس العسكري المبلغ للأمانة العامة لمجلس الشعب يعتبر إجراء لتنفيذ الحكم وليس قرارا بحل مجلس الشعب، وهو يختلف اختلافا »جوهريا« عما كان ينص عليه المادة 63 من دستور سنة 1791 التي كانت تجيز لرئيس الجمهورية في حالة الضرورة أن يصدر قرارا بحل مجلس الشعب علي أن تجري انتخابات جديدة للمجلس الشعب في خلال 06 يوما من قرار الحل. وماذا عن موقف القضاة؟! القضاة بالتأكيد يحترمون قرار وحكم المحكمة الدستورية العليا، لأن الحكم عنوان الحقيقة، ولا سبيل إلي مهاجمة الحكم أو النيل منه إلا بطرق الطعن القانونية، وغير ذلك، فيجب احترام الأحكام طالما نحن في دولة قانونية لا دولة غوغاء، فالقانون هو الذي يحكمنا. ليس هناك صدام هل تتوقع صداما ما بين قضاة المحكمة الدستورية العليا ورئيس الجمهورية؟ لا أعتقد هذا، لان وظيفة المحكمة هي إعلاء كلمة القانون، وإصدار الأحكام، ورفع شأن الشرعية واحترام الدستورية، وقرار رئيس الجمهورية تضمن سحب قرار رئيس المجلس العسكري باعتبار المجلس منحلا، وتضمن في شقه الثاني دعوة مجلس الشعب للانعقاد كما اشتمل أيضا علي اجراء انتخابات جديدة خلال شهرين من اصدار الدستور. من وجهة نظرك، ما هي النقاط والقوانين التي يجب ان تكتب في الدستور الجديد؟ أهم النقاط التي يجب ان يشملها الدستور القادم الجديد إن شاء الله، هي علاقة السلطات بعضها ببعض، وعلاقة الحاكم والمحكوم، وفي العموم ما يهمنا هو التطبيق والالتزام بما جاء به الدستور من مواد، والأهم أن يكون هناك ضمير لدي الجميع، لنضمن التطبيق علي أكمل وجه. هل تتوقع وجود خلافات علي مواد بعينها؟ طبيعي أن يوجد خلاف، فأعتقد بنسبة 05٪ عمال وفلاحين التي أصبحت غير متلائمة مع أوضاعنا في مصر، ولا يوجد لها مثيل في أي دستور من دساتير العالم الحديثة، والتي كانت تستخدم لتلاعب في شأن الصيغة، ولا مبرر لها بعد ان حصل العمال والفلاحون علي جميع حقوقهم، وقد أسفر التطبيق العملي علي عدم جدوي وجود هده النسبة التي لم تحقق أي منفعة للعمال أو الفلاحين علي جميع حقوقهم وقد اسفر التطبيق العملي علي عدم جدوي وجود هذه النسبة التي لم تحقق أي منفعة للعمال أو الفلاحين، كما أنه تم وجود خلاف شديد، فيما يتعلق باستمرار بقاء مجلس الشوري أو إلغائه، فالكثير يطالب بعدم جدوي وجود مجلس الشوري، ويطالب بالغائه، بينما يطالب البعض الآخر باستمرار مجلس الشوري باعتباره الغرفة الثانية للمجلس النيابي مع توسيع اختصاصاته. كما أعتقد ايضا أن ثمة خلافا حول المادة الثانية من الدستور، والتي تنص علي أن مبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، لأن هذه المادة، وإن كان الأزهر والتيار الليبرالي، وحتي الإخوان المسلمون وحزبهم »الحرية والعدالة« يؤيدها إلا ان التيار السلفي يطالب بتغيير عبارة أحكام الشريعة الاسلامية بعبارة مبادئ الشريعة الإسلامية، وإن كنت أنا شخصيا أفضل الإبقاء علي حكم هذه المادة، لأنها تحقق الغرض المطلوب، ومحل شبه اتفاق كامل عليه. المجلس والرئاسة توقعاتك، هل سيمارس مجلس الشعب القادم سلطاته علي رئيس الجمهورية؟ اعتقد انه لايزال موضوع عودة مجلس الشعب محل جدل قانوني كبير، وهناك طلبات مقدمة أمام المحكمة الدستورية العليا، كما أن هناك دعاوي مرفوعة أمام القضاء الاداري بطلب وقف تنفيذ هذا القرار وإلغائه لمخالفته لحكم المحكمة الدستورية العليا. وماذا لو استمر مجلس الشعب فماذا عن القوانين التي سوف يصدرها وما مدي شرعيتها؟! أشك كثيرا أن مجلس الشعب الحالي والذي طالب الرئيس بعودته مؤقتا لحين إجراء انتخابات جديدة بعد 6 شهور، في اصدار قوانين واللغط قائم وشديد حول صحة انعقاده، والأيام القادمة قد تسفر عن وضوح الرؤية بشأن مجلس الشعب. هل حكم المحكمة الدستورية العليا ينطبق علي مجلس الشوري أم لا؟ لا، لا ينطبق علي مجلس الشوري، وقد رُفعت دعوي ببطلان تكوين مجلس الشوري، وقضت المحكمة الإدارية العليا بوقف هذه الدعوي. ما رأيك فيما يتردد حول اختيار نائب مسيحي وامرأة، الذي أعلن وصرح به الرئيس د. محمد مرسي؟ قرار صائب وحكيم من رئيس واع بأهمية دور الأخوة الأقباط في الحياة السياسية بمصر، وإعطائهم الشعور بالاطمئنان في أن يكون لهم مشاركة ايجابية لإدارة الوطن، وإن كنت أري ان العبرة في هذا الشأن في الكفاءة بصرف النظر عن الديانة أو الجنس أو اللون سواء في وظيفة نائب أو مستشار أو مجلس رئاسي، لأن العبرة في مقدار المشاركة الفعلية بغض النظر عن الوظيفة. وما رأيك فيمن يطالب بعودة المرأة إلي منزلها، وأن العمل للرجل فقط، لأنها عورة ولا يجوز لها الظهور والتعامل مع الرجال؟ بالتأكيد هذا رأي مخالف للشرع والدين سواء من مسلم أو يهودي أو مسيحي، فالمرأة والرجل مطالبان بالعمل والله تعالي قال: »وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون«، وبالتالي هذا الكلام رأي شخصي فقط ولا يجوز انتسابه للدين، فالدين برئ من هذا الكلام الذي يهدم ولا يبني، فالمرأة نصف المجتمع، وما دامت لديها القدرة علي التوفيق بين عملها وبيتها فلا توجد مشكلة، فأنا مثلا لدي ابنتان احدهما خريجة اعلام والثانية إدارة أعمال بالجامعة الأمريكية، ولكنهما فضلا عدم العمل بعد زواجهما لأنهما لم يستطيعا التوفيق بين البيت والعمل. وأنا من وجهة نظري ان المرأة قوي انتاجية يجب الاستفادة منها في العمل، لدفع عجلة انتاج البلد إلي الأمام وليس للخلف، وهي التي تستطيع ان تقرر متي تستطيع التوفيق بين مهمة بيتها ورعاية أسرتها كمهمة أولي ورئيسية وأساسية لها ولأسرتها وبين المهمة الثانية المتمثلة في عملها. أهداف الثورة هل الثورة حققت أهدافها؟ اعتقد إلي حد كبير، فتغيير نظام الحكم واختيار رئيس منتخب من قبل الشعب اختيار حر ونزيه مباشر، بالفعل انجاز كبير راح ضحيته أرواح بريئة من زينة شباب ورجال ونساء وأطفال وشيوخ مصر سواء الشهداء الأموات أو الأحياء الذين يعيشون بيننا الآن بإصابات خطيرة وبعاهة مستديمة مثل فقد البصر ودخول العديد من رصاصات الخراطيش وتمركزها واستقرارها في أجسادهم الطاهرة، فبالتالي الثورة نجحت وحققت جزءا كبيرا من أهدافها وهي القضاء علي فكرة الرئيس الذي يتقلد الحكم بنسبة 99٪، ويبقي وجود العدالة الاجتماعية. والثورة قامت باصلاح الأحوال الاقتصادية والسياسية، لأن كثيرا من شئوننا العامة قد اصابها التخلف، وانتشرت البطالة والفساد، والكل كان يتوقع قيام الثورة، وهي ثورة مثقفين وشعبية، وكان هدفهم الاصلاح الشامل، ونزلوا إلي الميدان بغير اتفاق والهدف هو تطوير الحالة السياسية والاقتصادية. هل تجد أن الأحكام القضائية الصادرة ضد رئيس مصر السابق المخلوع وأعوانه شفت غليل مصابي الثورة ودم الشهداء وأسرهم؟ الحكم الصادر ضد مبارك والعادلي بالأشغال الشاقة و»السجن المشدد« كان كافيا لتقدمهما في السن، ولكن رأي رجل الشارع لم يكن راضيا عن أحكام البراءة التي صدرت في حق مساعدي وزير الداخلية، وقد طعنت النيابة العامة أمام محكمة النقض في شأن أحكام البراءة، وستنظر محكمة النقض هذا الطعن، وإذا ما قبلته سيعاد محاكمتهم مرة ثانية. وبالنسبة لجمال وعلاء مبارك وقضيتهما في التلاعب بالبورصة واستغلال النفوذ؟ بالتأكيد مرافعة النيابة العامة والأوراق تدرس الآن لحين النطق بالحكم في 8 سبتمبر القادم، وصدور الحكم طبعا سيكون وفقا لأقوال الشهود والأدلة، والقانون سيطبق عليهما بدون تفريق بينهما وبين أي مجرم، ارتكب جريمة مخالفة للقانون. وماذا عن الأموال المنهوبة؟ أتمني عودتها إلي مصر، لاستثمارها، لزيادة الدخل القومي. هناك أقاويل تنتشر بين الشعب المصري حول أهداف الغرب خاصة أمريكا وإسرائيل لتقسيم مصر، ما رأيكم حول هذا الجدل؟ لن يستطيع أحد تقسيمنا، ولا مجال للانقسام أو الفُرقة أو الوقيعة بين الشعب المصري ذات النسيج الواحد، ولن يتحقق أي هدف أجنبي للوقيعة بين أبناء الشعب المصري الواعي. من وجهة نظرك، كيف ننتشل مصر من الفقر، هل هناك حلول تراها تستطيع رفع الرواتب وتوفير حياة كريمة للمواطن المصري، ونحقق من خلالها العدالة الاجتماعية؟ أتمني في المرحلة القادمة تحقيق الأمن والاستقرار للشارع والبيوت المصرية سواء من البلطجية أو من المجرمين والحرامية أو من المتطرفين الذين يسفكون الدماء المصرية بدون وجه حق. وحتي تدور عجلة انتاج البلد ونرفع من خلالها الرواتب ونحقق العدالة الاجتماعية في البلد، يجب ان تؤخذ القرارات بالتوافق بين مختلف القوي وبعد مناقشات وحوارات تنتهي بقرار صائب وسليم، علي ان يكون الهدف المصلحة العليا للوطن حتي نعوض ما فات. والأفضل في المرحلة الحالية أن تنتهي الجمعية التأسيسية من إعداد الدستور الجديد الذي نأمل أن يكون بالتوافق مع جميع القوي السياسية وأطياف الشعب، بحيث يعرض للاستفتاء ويتم الموافقة عليه برضاء الشعب بأكمله أو علي الأقل بالأغلبية العظمي منه، وأن يكون هدف الجميع مصلحة الوطن، وأن تترك الفُرقة والانقسام بكل اخلاص، وبهذا يعم الخير وتزداد الدخول فتقل نسبة الفقر، ولابد أيضا أن يكون النظام الضريبي عادلا، بحيث يأخذ من أصحاب الدخول الكبيرة لمعاونة الطبقات الكادحة وأصحاب الدخول الصغيرة لنعيد التوازن بين الدخول والثروات، بحيث لا يكون الفرق شاسعا بين الغناء الفاحش والفقر المدقع. هل تري أن محاولة إعادة مشروع مثل »بيت المال« الذي أسسه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حل جيد للأزمة الاقتصادية بمصر، بحيث يدفع كل فرد قادر جنيها »شهريا« فيه، كمساهمة شعبية للوصول إلي التكافل الاجتماعي المصري؟ بالطبع هذا حل جيد ومثالي، ولن يكلف الشعب المصري شيئا، ولكننا نحتاج إلي ضمير ومثابرة لتحقيقه حتي نحقق ونصل إلي أهم نقطة ومطلب طالبت به ثورة 52 يناير والمتمثلة في »العدالة الاجتماعية«.