اجتمعنا في المجلس الأعلي للثقافة نهاية يونيو الماضي مثلما نجتمع في كل عام في مثل هذا الشهر . لنصوت علي مستحقي جوائز الدولة في مجالات الثقافة . ولتظهر المشاكل والظواهر ذاتها التي تتكرر كل عام دون حل . والمشكلة الأهم هي في كلمة " مستحقي " السابق ذكرها . ولتنشر التعليقات والآراء في وسائل الإعلام لتهاجم المجلس لأنه، من وجهة نظر قائليها، لم يمنح هذه الجائزة أو تلك لمستحقها . بصفتي عضوا في المجلس الأعلي للثقافة أود أن أعترف علنا بأن المجلس لا يمنح الجوائز في بعض من الأحيان لأكثر مستحقيها . يحدث هذا في كل عام، وربما منذ إنشاء المجلس طبقا للقرار الجمهوري رقم 150 لسنة 1980 . ولا استثني الجوائز الأخيرة لهذا العام . لهذه النتيجة عدة أسباب، ربما ذكر بعضها أكثر من كاتب علي مدي السنوات الماضية. منها ما يتعلق بطريقة تكوين المجلس، ومنها ما يتعلق بالمرجعية القانونية لإنشائه وهي القرار الجمهوري، وليس القانون، فالمجلس ليس له قانون. ومن المعلوم أن القانون أقوي من القرار الجمهوري . ومن ذلك تخصيص الجوائز وكيفية توزيعها. لكن أحدا لم يلتفت أو يذكر السبب الأقوي في منح المجلس جوائز لمن لا يستحقونها . وهو بصراحة " الثقافة " ذاتها . بمعني الثقافة السائدة في كل المجتمع المصري بمن فيه كثير ممن يطلق عليهم مصطلح " المثقفين " أنفسهم ، ( ولي رأي الخاص في هذا المصطلح سبق نشره ). لا أستثني نفسي من هذه الثقافة، علي الرغم من محاولاتي وحرصي علي أن أكون موضوعيا ومنصفا . من سمات الثقافة المصرية السائدة، والمعروفة، المجاملة وتغليب العاطفة علي العقل في التفكير والسلوك . أعضاء المجلس الأعلي للثقافة، وأنا منهم، ليسوا أوربيين، وينتمون إلي الثقافة المصرية السائدة . علي الرغم من تحصيلهم العلمي والثقافي الرفيع، ومواهب كثير منهم الفنية والأدبية الرائعة . نحن في النهاية بشر مصريون، ولا علاقة لنا بالملائكة . لذا فعند التصويت يمكن أن تغلب علي بعض منا أحيانا المجاملة والعاطفة . التصويت في النهاية بالأغلبية وليس بالإجماع . فتأتي الأغلبية أحيانا متخطية الأكثر استحقاقا للجائزة، وأحيانا لا يكون مستحقها من بين المرشحين بالفعل . يحدث كثيرا أن يوصي أحدنا باقي الأعضاء، أو بعضهم، للتصويت لصالح أحد المرشحين . فيتسبب ذلك في حرج لمن تمت توصيتهم، وبخاصة إذا كانوا جالسين بجوار من أوصي وقد يري الأسماء التي صوتوا لها . وأحيانا يتم تبادل المجاملات، فيتم تبادل التصويت لمرشحين موصي عليهم . هذا عدا التوصية التي تأتي من المرشحين أنفسهم قبل جلسة التصويت . شخصيا اشعر بذلك عندما أفاجأ باتصال هاتفي من شخص لم يعتد الاتصال بي، أو لم اسمع صوته منذ فترة طويلة . عندها أتذكر أن موعد اجتماع المجلس قد اقترب . ربما يتذكر كثير من أعضاء المجلس منذ عدة سنوات أحد المرشحين لإحدي جوائز الدولة التقديرية الذي اتصل بهم تليفونيا، وربما قابل بعضهم مباشرة، وبكي في أكثر من اتصال بكاء أثر بلا شك في مشاعر المتصل به . كانت النتيجة أن حصل بالفعل علي الجائزة التقديرية في الوقت الذي كان هناك من يستحقها أكثر منه ولم يحصل عليها بالطبع . من بين الأسباب العاطفية المؤثرة في التصويت وفاة المرشح بعد ترشيحه . فنظام الجائزة لا يمنحها لمن توفي قبل الترشيح . وبالتالي فإن لم يحصل عليها اسم المتوفي في عام ترشيحه لن يحصل عليها أبدا . ومن الأسباب العاطفية أيضا أن يعاني المرشح مرضا عضالا . فتكون الجائزة هنا لمساعدته ماديا ولرفع معنوياته والأعمار بيد الله . هذا لا يعني إطلاقا أن المتوفي أو المريض لا يستحق الجائزة . هو يستحقها، ولكن تأثير الوفاة أو المرض يكون أقوي في التصويت من مجرد استحقاقه لها . وإلا فإنه إذا كان حيا صحيحا ربما يتم التصويت لمرشح آخر. لذلك يجب تغيير نظام الجوائز لتغطية حالات الوفاة والمرض حتي لا تؤثر علي من يستحقها من الأحياء الأصحاء . رحم الله الجميع وشفاهم وإيانا . من المجاملات وتأثير العاطفة أيضا، أن يترشح أحد أعضاء المجلس أنفسهم . يحدث بالطبع أن يغادر العضو المرشح قاعة الاجتماع عند التصويت علي الجائزة المرشح لها، ثم يعود بعد انتهاء التصويت . لكن هل تكفي هذه المغادرة لرفع الحرج عن باقي الأعضاء ؟ ربما تكفي عند البعض، وربما لا تكفي عند البعض الآخر . لكن المؤكد أن زمالة المرشح لها تأثير عاطفي. هذا علي الرغم من أنه يحدث أحيانا أن لا تصوت الأغلبية لأحد الأعضاء كما تكرر مع الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي أكثر من عام في ترشحه لجائزة النيل في الآداب، وكما حدث مع غيره . يجب معرفة أسباب عدم فوز العضو في هذه الحالة وتحليلها . أعتقد أنه ليس من بين هذه الأسباب عدم استحقاقه للجائزة . فشاعر في قامة حجازي بالنسبة للشعر العربي الحديث والمعاصر يستحق جائزة النيل المحلية وجائزة نوبل العالمية أيضا . من الأسباب الشخصية، والهيكلية، عدم معرفة كثير من الأعضاء بالمرشح لجائزة ما . وبالتحديد بقيمة هذا المرشح وإنجازه العلمي أو إبداعه . وأذكر مثلا أن تساءل أحد الأعضاء في الاجتماع الأخير بعد خروج مرشح من التصويت، عما إذا كان هذا المرشح هو بالفعل الأديب الكبير الذي يعرفه ؟ ذلك لأن اسم هذا الأديب في ورقة التصويت لم يتضمن اسم شهرته فلم يتعرف عليه كثير من الأعضاء، وكذلك لم يتساءل أحد عنه قبل التصويت. وللحديث بقية.