وبالفعل استلم الحرس الجمهوري المنصة وكانت هناك بعض المواقف التي اعتقد ان الحرس الجمهوري لم يشهد مثلها من قبل فلأول مرة الحرس الجمهوري يؤمن منصته للرئيس في ميدان التحرير كان حلما أن يأتي رئيس جمهورية مصر العربية إلي ميدان التحرير ويخطب في الثوار ويأخذ شرعيته من هذا الميدان الذي شهد مع غيره من ميادين مصر أعظم ثورة في تاريخ مصر وسالت علي أرضه دماء الأبرياء من شهداء الثورة الأبرار وسبحان من حول الحلم إلي حقيقة. اتذكر اننا حينما كنا نجلس في التحرير لنتكلم في أي موضوع له علاقة بالرئيس القادم كان لابد ان نجد من بين الحاضرين من يقول إن الرئيس القادم لابد ان يأتي إلي ميدان التحرير ويقف بيننا ويأخذ شرعيته من هنا وكان فينا من يصدق وفينا من لايصدق ان هذا من الممكن ان يحدث وان كان من لايصدق هو نفسه يتمني ان يحدث ذلك وبقيت الفكرة والحلم تراودنا من وقت لآخر ومن حادثة لأخري حتي خرج علي وسائل الإعلام من يقول إن الشرعية ليست من التحرير وان ميدان التحرير ليس هو مصر وان الثائرين فيه لايمثلون المصريين كلهم بل ومن بعدهم ومن قبلهم من كان يتهم الموجودين في ميدان التحرير بالعمالة والعمل علي كسر الدولة والجيش والقضاء علي ذلك. الأمر الذي كاد ان يقتل هذا الحلم إذ كان الواحد فينا يقول كيف لرئيس الدولة أن يأتي إلي ميدان بات متهما بالعمالة والخيانة لكن الفكرة لم تمت إلي أن جاءت المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية والتي كانت بمثابة المعركة الفاصلة بين أن تنجح الثورة إذا فاز مرشحها أو أن ينجح النظام السابق وهذا لا يعني فقط نهاية الثورة بل يعني بداية مرحلة جديدة قد يحاكم فيها كل من تواجد في ميدان التحرير أو التقطت له صورة حتي ولو كانت أثناء مروره يوما بالصدفة ولعلي ذكرت ذلك صراحة في احدي خطبي في ميدان التحرير حينما قلت نصا »لو نجح هؤلاء سيعلقون رقابنا في ميدان التحرير« ولم يكن ذلك خوفا علي انفسنا ابدا بل خوف علي مستقبل وطن اذا ضاعت ثورته والثورات لا تأتي في عمر الدول إلا كل فترة بعيدة. ولأن الذي وقف في الميدان ومن حوله الشهداء يتساقطون لا يهاب الموت أبدا. ثم ظهرت المؤشرات الأولية للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية والتي بشرت بفوز مرشح الثورة المصرية الدكتور محمد مرسي فبدأت الفكرة تراود الجميع من جديد وبدأ الجميع وبلا اتفاق ينادون بأن يقسم الرئيس مرسي في ميدان التحرير ولعل ما قوي الفكرة وزادنا تمسكا بها بعد ظهور النتيجة رسميا ما ورد بالإعلان الدستوري المكمل من ان الرئيس يقسم القسم القانوني أمام الجمعية العمومية لأعضاء المحكمة الدستورية والخلاف الذي دار حول هذا الموضوع. المهم قلنا ننادي الرئيس بأن يقسم هنا في ميدان التحرير أمام الثوار في ميدان الشهداء الممثل الشرعي لكل ميادين مصر الثائرة. كنا نقول ذلك ولازال هناك بعض الأصوات التي تقول إن الشرعية ليست من ميدان التحرير وان من هم فيه لايمثلون مصر وكأنهم يرفضون ان يقسم السيد الرئيس في ميدان التحرير أم يستكثرون ذلك علي الميدان وعلي المتواجدين فيه ثم جاءت ساعة الحسم لحظة ان اعلن الرئيس انه سوف يحضر إلي ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي بعد أن يصلي الجمعة في جامع الازهر الشريف وبالفعل صلينا نحن في ميدان التحرير وطالبنا وطالب كل الموجودين في الميدان بأن يقسم الرئيس في الميدان. وفي تمام الساعة الرابعة عصرا نزلنا ونزل كل من كان علي المنصة ليتسلمها الحرس الجمهوري تمهيدا لحضور السيد الرئيس وكان هناك اتفاق الا يصعد اي شخص مع السيد الرئيس علي المنصة اثناء إلقائه الخطاب حتي لا يكون هناك تمييز ولا مفاضلة. وبالفعل استلم الحرس الجمهوري المنصة وكانت هناك بعض المواقف التي اعتقد ان الحرس الجمهوري لم يشهد مثلها من قبل فلأول مرة الحرس الجمهوري يؤمن منصته للرئيس في ميدان التحرير ولأول مرة يحتك الحرس الجمهوري بالمدنيين والجمهور بلا حواجز ولا موانع ولا حراسات خاصة ولأول مرة الرئيس سوف يمر من بين الثوار بلا مسافة بينه وبينهم والحرس لايملك اخلاء الميدان ولا منع الناس من الالتفاف حول رئيسهم والرئيس نفسه لايقبل ذلك . كنت أشاهد الدهشة علي جميع أفراد الحرس الجمهوري جنودا وقادة وأنا أسفل المنصة مع بعض الإخوة الثوار. اقتربت الساعة من السادسة مساءً وأعلن أن الرئيس في طريقه إلي الميدان وبدأ الحلم يتحقق ويتحول إلي حقيقة ... الرئيس ... رئيس الدولة.... رئيس جمهورية مصر العربية المنتخب قادم إلي الميدان كي يكون بيننا بلا موانع ولا حواجز ولا فواصل. دقت الساعة السادسة مساءً ثم بدأ الثوار يهتفون ويصفقون فعلمنا ونحن أسفل المنصة أن السيد الرئيس قد وصل ثم فوجئنا انه قد دخل علينا وسط زحام الثوار والأحباب الذين حرصوا علي ان يسلموا عليه.. الموقف كان رهيبا مهيبا لا لشيء سوي اننا بدأنا نصدق أن الثورة لم تمت وأن دماء الشهداء لم تضع هدرا وان آهات المصابين لم تذهب سدي. فينا من كان يبكي من شدة الفرحة وكأنه لم يصدق نفسه أن الثورة قد جاءت برئيس مدني منتخب لأول مرة في تاريخ مصر وقد شاهدت الدكتور صفوت حجازي وقد اجهش بالبكاء الشديد وظل يبكي حتي فرغ الرئيس من خطابه وغادر الميدان حتي إن بعض الإخوة الحاضرين كان يضع يده علي صدره وكتفه في محاوله لتهدئته وحين بدأ الدكتور مرسي خطابه ظل الميدان يهتف معبرا عن حبه وسعادته ثم صمت الجميع ليستمع إلي الخطاب بقلبه قبل اذنيه والكل ينتظر ان يقسم الرئيس حتي قالها السيد الرئيس في وسط خطابه حين قال »وأعاهد الله وأعاهدكم وأقسم بالله العظيم ان احافظ علي النظام الجمهوري وان احترم الدستور والقانون وان ارعي مصالح الشعب رعاية كاملة وان أحافظ علي استقلال الوطن وسلامة أراضيه« هنا خلعت القلوب وعلت الهتافات وذرفت العيون. فهاهو الحلم قد تحقق. الكل في حالة مدهشة. رأيت الدكتور محمد البلتاجي وقد جرت دموعه بين وجنتيه وهاهم شباب الثورة يبكون. هاهو إبراهيم عبد السميع وسيد حافظ وعبده قاسم وشمس الدين علوي وعمرو الشهير بعمرو الهتيف وأحمد محيي ومحمد ماهر وأحمد علي وياسر إسماعيل وغيرهم من الثائرين الذين عرفناهم في ميدان التحرير من أول لحظة قامت فيها الثورة والذين استمروا علي ثوريتهم وولائهم للثورة دون تلون أو نفاق وتحملوا في سبيل إنجاح الثورة الكثير والكثير من الأمور التي لا يعرفها إلا من كان معهم في الميدان. الجميع يبكون ويحتضنون بعضهم من شدة الفرح وها هو ميدان التحرير يضج بالهتافات وكانت ساعة تاريخية مشهودة من تاريخ مصر سيتوقف عندها التاريخ طويلا. أنا أيضا بكيت لحظة ذكر السيد الرئيس دماء الشهداء والمصابين وأعترف بفضلهم بعد فضل الله عزوجل عليه. والحق ان كلمات السيد الرئيس في ميدان التحرير كانت موفقة بتوفيق الله عز وجل له ولنا ان نلخص فوائدها فيما يلي: أولا: أن ما يجعلنا نفخر ونعتز بمجيء وقسم الرئيس في الميدان هو اننا نعتبر ان هذا الموقف بمثابة اللحظة الفاصلة بين عهدين. عهد لا ينزل فيه الرئيس إلي شعبه ولا يأبه لمطالبهم ولا يستمد شرعيته منهم بل من حاشية فاسدة وعبر إرادة مزورة وعهد ينزل فيه الرئيس علي إرادة شعبه الذي يستمد شرعيته منهم بإرادة حرة ونزيهة. ثانيا: ان حضور السيد الرئيس إلي ميدان التحرير لهو أفضل اعتراف بشرعية الميدان وكل ميادين مصر الثائرة ولعل ذلك كان واضحا في كلامه حين ذكر الميدان ووصفه بميدان العزة والشجاعة والكرامة وميدان الشهداء وفي ذلك خير رد علي كل من اتهم ميدان التحرير وغيره من الميادين بالباطل وانه قد مسح عنا كثيرا من الآلام التي تحملناها طيلة هذه الفترة. وهو أفضل رد اعتبار لكل الثوار عما نالهم من اتهامات طيلة فترة الثورة من أعداء الثورة الذين حاولوا تشويه الثورة والثوار للقضاء علي الثورة. ثالثا : اعتراف السيد الرئيس بأنه ما جاء إلي السلطة إلا بفضل الثوار والشهداء والمصابين بعد فضل الله تعالي وأن الثوار كانوا وسيظلون المرجعية بالنسبة له وقال في ذلك صراحة »انتم الأصل وما دونكم عنكم وكيل« وكذلك اعطي للشهداء حقهم واعاد اليهم قدرهم بعدما حاول البعض النيل منهم ومن طهارة دمائهم وأيضا تطييبا لقلوب أسرهم والمصابين الأوفياء الذين ضحوا بدمائهم. رابعا: لأول مرة في تاريخ مصر يأتي رئيس مدني منتخب بإرادة حرة ونزيهة إلي ميدان التحرير ليخطب في شعبه بل ومطالبا اياهم بالا تتوقف حناجرهم عن قول الحق والاستمرار في الثورة حتي تحقق كامل أهدافها التي خرجت من أجلها. خامسا : من أروع ما قاله السيد الرئيس في ميدان التحرير انه يمد يده للجميع ليحقق المصالحة الوطنية الشاملة وانه يقف من الجميع مسلمين ومسيحيين سواء انتخبوه أو لم ينتخبوه علي مسافة واحدة ليحقق العدل بينهم. سادسا: لأول مرة نسمع خطابا من رئيس جمهورية مصر العربية تشعر بأنه خارج من القلب ومعبرا عن الامنا بعيدا عن الكلمات المميكنة والخطابات الحجرية التي كنا نسمعها. سابعا: لأول مرة الرئيس يقول إنه خادم للشعب وانه لن يخون الله فيه بلا أدني كبرياء أو تسلط. غير اننا نؤكد أن الاعتصام الأخير في ميدان التحرير لم يكن بغرض الاحتفال برئيس الجمهورية وإنما من أجل مطالب ثورية مشروعة اتفقت عليها كل القوي السياسية كما نؤكد علي دعمنا للثورة المصرية وتضامننا مع السيد الرئيس حتي يحقق أهدافها كاملة غير منقوصة. وأخيرا أعترف بأنني رغم احترامي الشديد للسيد الرئيس الدكتور محمد مرسي باعتباره الرئيس الشرعي المنتخب عبر إرادة حرة ونزيهة إلا أنني لن أسمح لنفسي ان اكون من شيوخ السلاطين أو علماء السلطة أبدا أن شاء الله تعالي وقد قلت له في خطبتي في ميدان التحرير »سنطيعك ما اطعت الله فينا فان عصيته فلا طاعة لك علينا« وسوف ادعمه بكل مااملك الا ان ذلك لن يمنعني من نصحه إذا اخطأ وسوف أكون أمينا علي الثورة وعلي أهدافها ومطالبها كما عاهدت الله واقسمت علي ذلك مرارا وتكرارا. وأني أدعو الله تعالي أن يرزق السيد الرئيس البطانة الصالحة التي تذكره الله دوما وتنصحه بما يصلح حاله ليظل علي تواضعه وبشريته وان يبصره بما يصلح حال رعيته وما يعينه علي استكمال ثورتنا حتي يعبر بنا إلي بر الأمان بإذن الله تعالي . وأطالب اخواني واحبابي بأن يصبروا عليه ولا يستعجلوا علي تحقيق مطالبهم وان يعطوه الفرصة كاملة ليتمكن من تحقيق ما وعد وأناشد رجال الإعلام أن يتقوا الله تعالي في مصر ورئيسها وشعبها وان يتوقفوا عن دس السم في العسل وبث الفتن واثارة الرعب في قلوب المواطنين وليعلموا جميعا انهم مسئولون امام الله تعالي عن كل كلمة ينطقون بها متمنيا للسيد الرئيس التوفيق والسداد ولمصر وأهلها دوام الاستقرار.