في ظل ما تمر به مصر حاليا من أحداث تتقلب تفاصيلها بين حين وآخر.. وفي ضوء ما أسفرت عنه نتيجة الانتخابات الأخيرة، وما أحدثته من تصدع في أفكار الكثيرين. كان لابد »للأخبار« من الوقوف علي رأي العديد من كبار المفكرين والمبدعين المصريين باعتبارهم طليعة هذا الوطن وعقله الذي يفكر به. ولاشك ان الشاعر الكبير صاحب المواقف الوطنية الصادقة أحمد عبدالمعطي حجازي يأتي في طليعة هؤلاء الذين جعلوا من كلماتهم مشاعل مضيئة يرفعونها من حين لآخر في وقت الأزمات وفي غير هذه الأوقات أيضا ولذلك فإن الحوار معه سوف يكون في غاية الأهمية. وسوف يبدو ذلك بوضوح من خلال تتبع سير أسئلة الحوار وإجاباته. أردوغان حين زار مصر تحدث عن دولة إسلامية ذات نظام علماني جوائز الدولة في رأيي تعبر عن حال الثقافة في مصر لا أدري لماذا لم يتحدث الرئيس في لقاءاته عن الثقافة والمثقفين بداية.. كيف تري مستقبل الثقافة في مصر بعد وصول التيار الإسلامي إلي رئاسة الجمهورية؟.. فضلا عن تنامي دوره السياسي والاجتماعي؟ إن كان ما أعلنه الرئيس المنتخب سيتحقق علي أرض الواقع فبإمكاننا أن نطمئن إلي حد ما، لأنه تحدث عن دولة مدنية، وعن ديمقراطية، وعن حرية التفكير والتعبير وحقوق الإنسان بشكل عام إلخ.. لكن هناك دائما شكا فيما يمكن أن يتحقق علي يد الإخوان من وعودهم، فالإخوان وعدوا وأخلفوا دائما، لقد تحدثوا عن مقاعد محددة في مجلس الشعب وتجاوزوها بصورة مبالغ فيها، وكذلك وعدهم بألا يرشحوا أحدا منهم لرئاسة الجمهورية وتراجعوا. الرئيس المنتخب وأنا لا أعرفه وإنما أتحدث عنه باعتباره عضوا في جماعة الإخوان المسلمين التي أعرفها من تاريخها ومما كتب عنها، وما يذاع علي ألسنة زعمائها، أما هو نفسه فشخصية جديدة بالنسبة لي، وأعتقد أنه شخصية جديدة أيضا بالنسبة لمعظم المصريين، ولوحظ ان الرئيس لم يتحدث في بعض لقاءاته عن الثقافة والمثقفين، خصوصا في لقاءاته الأولي، وحتي في لقاءاته مع رؤساء تحرير الصحف والصحفيين، وأظن أنها كانت فرصة للحديث عن الثقافة وحرية التفكير والتعبير، لكنه لم يتحدث عن المثقفين، بالاضافة إلي ان الإخوان المسلمين خلال الشهور السابقة كانوا يعبرون عن ضيقهم الشديد مما يكتبه عنهم الكتاب، وكانوا يتحدثون عن إعلام يحرض الجمهور ضدهم، وأظن ان العلاقة التي نصفها بالتوتر بين الإخوان والمثقفين مفهومة، لأن الإخوان يريدون ولا يريدون فقط بل يفعلون الآن ويسيطرون علي السلطة، كما نري في البرلمان ولجنة تشكيل الدستور وفي الرئاسة. وحين يسيطر الإخوان علي السلطة، لا يقدمون أنفسهم بصفتهم حزبا نال الثقة وسوف يجرب نفسه في فترة محددة ويترك المجال لمن سيجيئون بعده، ولكنهم يقدمون أنفسهم باعتبارهم »نواب الله« و»ممثلي السماء« وأن سلطتهم ليست وكيلا عن الشعب وإنما هي وصية علي الشعب، وأن هذه السلطة التي يتولونها لا تحصر همها في توفير الأمن والرخاء للبلاد، ولكن تراقب النساء والرجال، وفلانة التي ترتدي هذا اللباس الخ.. بالاضافة أيضا إلي موقف الإخوان وحلفائهم السلفيين من فكرة الوطن وهو موقف مخيف، لأن أحد زعماء الإخوان وهو المرشد السابق عندما تذكر مصر أمامه يقول »طظ«، والمرشد الحالي يتحدث أن همه الأول إعادة الخلافة، وهذا كلام مضحك، وإن كان هذا الكلام المضحك الهزلي مخيفا أيضا، لأن الإخوان المسلمين لا يكتفون بإضحاكنا، وإنما يسيرون حتي آخر المدي وينفذون ما يعلنون عنه، كما حدث في بلاد عديدة حولنا. هذه الطريقة في فهم الدين وفي فهم الإسلام وفي فهم السياسة هي التي اتبعوها، واتبعها أمثالهم في أفغانستان وفي السودان وفي إيران، وفي غير هذه البلاد، وبالذات البلاد الإسلامية، ووصلت الأمور إلي ما وصلت إليه في الصومال، وسوي ذلك. إذن نحن لا نستطيع أن نطمئن إلي مستقبل الثقافة في ظل هيمنة الإخوان المسلمين علي السلطة في مصر. لا ضمانات إذن أنت تقول إنه لا ضمانات لدولة مدنية قادمة في مصر؟ طبعا.. لا ضمانات لدولة مدنية إلا إذا أعلن ذلك من في السلطة، والمسألة أصبحت بالنسبة لي محيرة وغامضة جدا.. فمن هم الإخوان الذين يريدون الخلافة وتحويل مصر إلي ولاية.. ومن هم الإخوان الذين يريدون أن تكون مصر مدنية؟! أنا لا أستطيع أن أميز الآن بين الدكتور محمد مرسي الأخ المسلم الذي يعتنق ما يعتنقه الدكتور محمد بديع، والدكتور محمد مرسي الذي اعتلي كرسي الرئاسة وأصبح يتحدث عن دولة مدنية ونظام ديمقراطي.. من هو الذي أصدقه: محمد مرسي عضو الإخوان أم محمد مرسي رئيس الجمهورية. لعل أحدهم يقول انهم يطمحون إلي إعادة تجربة النظام التركي مثلا؟ النظام التركي موضوع آخر.. لأننا رأينا عندما زار أردوغان مصر وزار الإخوان أو زاروه واجتمعوا معه، تحدث عن نظام علماني تكون فيه الدولة دولة كل المواطنين وتكون وظيفتها الوظيفة التي نطلبها من الدولة والحكم والسلطة وهي حماية الحياة والأمن والحرية وحماية حقنا في التقدم والتفكير والتعبير وفي اختيار حكامنا وتداول السلطة إلي غير ذلك، فلابد في هذه الحالة من الفصل بين الدين الذي هو علاقة الإنسان بربه، والدولة التي هي تنظم علاقة المواطن الفرد بالمواطن الفرد والمواطن الفرد بالمجتمع والقانون، هذا هو الذي يوجد في تركيا.. ويمكن للمواطن التركي أن ينتخب حزبا إسلاميا كما حدث مع حزب أردوغان، لكن غدا تجري الانتخابات فيغير الناخب التركي رأيه ويختار حزبا آخر، أما هنا فهم يريدون أن يثبتوا وجودهم ويجعلوه أبديا دائما عن طريق دستور يضعونه علي مقاسهم.. ومن هنا يأتي الكلام الذي يدور حول المادة الثانية من الدستور هل تكون مبادئ الشريعة كما كانت أم الشريعة فقط أم أحكام الشريعة كما يريد السلفيون.. إلي غير ذلك. هذا الذي نجده، وبالتالي هم يريدون أن يحولوا مصر إلي دولة دينية، ويتحايلون علي هذا فيقولون: دولة مدنية بمرجعية دينية.. ما معني هذا؟! هذا نوع من التحايل، ولذلك أنا أطالبهم إن أرادوا أن نصدقهم أن يعيدوا النظر في كل ما أعلنوه من قبل من هتافات وأناشيد وفي التجارب أيضا.. وإلا ما الذي نضعه في هذا التاريخ فالإخوان المسلمون في تاريخهم أنهم وقفوا إلي جانب صدقي ضد الوفد، ووقفوا مع الملك فؤاد في سعيه ليكون خليفة للمسلمين في مصر، والإخوان المسلمون أنشأوا تنظيمات خاصة وسلحوها وقامت هذه التنظيمات باغتيالات، وحوادث العنف التي شهدتها مصر منذ الأربعينيات، وما فعلوه في الخازندار الذي اغتالوه والنقراشي الذي اغتالوه أيضا، إلي أن جاءت ثورة يوليو وتحالفوا مع الضباط الأحرار ثم أرادوا ان يفرضوا سيطرتهم ثم نشأ الخلاف وأرادوا أن يغتالوا عبدالناصر.. الخ الخ، هذا كله.. هذا التاريخ كيف يمكن أن يستقيم معه أنهم يريدون إنشاء دولة مدنية ونظام ديمقراطي؟!! إخوان النظام! إذا كان الإخوان المسلمون بالخطورة التي تذكرها كيف اختارهم الشعب في انتخابات برلمانية نزيهة وانتخابات رئاسية كذلك شهد لها القاصي والداني.. ألا تري أن هناك تعارضا بين ما تذكره وما يحدث علي أرض الواقع؟! الانتخابات البرلمانية دارت بطريقة تعمد فيها المجلس العسكري والإخوان المسلمون أن يضللوا الناس، لأن الانتخاب لابد أن يكون بناء علي القانون، والقانون لابد أن يكون مبنيا علي الدستور، والدستور غير موجود. وكان المفروض أن يوضع الدستور أولا لكي نعرف منه ما هي الطريقة التي يجب أن نتبعها في البرلمان: عمال وفلاحين، صلاحيات الرئيس، نظام برلماني أم رئاسي إلخ إلخ، وهذا كله لم يحدث، وإنما أصدروا ما يسمي بالتعديلات الدستورية التي قام بها الإخوان المسلمون عن طريق صبحي صالح وطارق البشري، وعندما تطرح هذه التعديلات للاستفتاء ويقال للناس: إذا قلتم »نعم« ذهبتم إلي الجنة وإن قلتم »لا« ذهبتم إلي النار. أهذه انتخابات؟! أهذه استفتاءات؟! ثم بعد ذلك، الإخوان المسلمون لم يكونوا ضد نظام مبارك، بالعكس كانوا جناحا من أجنحته، كانوا هم الوحيدين الموجودين، ولذلك رأينا في انتخابات 5002، كانوا يحتلون ما يقرب من تسعين مقعدا في مجلس الشعب.. وماذا يعني ذلك من وجهة نظرك؟! هذا يعني ان الثورة قامت علي صعيد سياسي لا يوجد فيه إلا الإخوان المسلمون، الأحزاب الأخري لم يكن لها حظ في التقدم، بل كانت ديكورات في أيام مبارك ومن قبله السادات، وأيام عبدالناصر لم يكن التنظيم الحزبي مسموحا به، ثم أصبح التنظيم الحزبي مسموحا به شيئا ما أيام السادات، ولكن السادات ذهب وجاء مبارك وبقي الحزب الوطني في عهده في السلطة طيلة القرون الثلاثة التي قضاها مبارك في الحكم، فكيف لحزب من الأحزاب أن يتقدم إذا كان ميئوسا من وصوله إلي السلطة، لا يمكن أن يذهب مواطن إلي فؤاد سراج الدين في الوفد أو رفعت السعيد في التجمع وهو يعلم ان الحزب لن يصل إلي السلطة أبدا ولن يسمح له ولا لنوابه بالفوز في الانتخابات، لأن الانتخابات تضعها أجهزة الأمن، ففي هذه الظروف عندما تتقدم الجماعة الوحيدة القادرة علي المحافظة علي تنظيمها لأنه تنظيم حديدي، ولأنه تنظيم يقوم علي فكرة السمع والطاعة والإيمان.. الخ، بالاضافة إلي أن هذه الجماعة استغلت فقر الفقراء وأمية الأميين وجوع الجوعي، ووزعت (زيت وسكر) ورشت الناخب المصري الفقير المسكين، مع اننا نعلم وهذه مسألة لا نستطيع أن نخفيها أن هناك علي الأقل 04٪ من المصريين تحت خط الفقر، و04٪ أميين لا يقرأون ولا يكتبون، مع هؤلاء ما الذي تعنيه الحرية والديمقراطية؟! لا تعني الكثير للجائع ويستطيع تاجر السياسة أن يرشوهم، وعلي هذا نستطيع أن نفهم هذا الاكتساح الذي حققه الإخوان والسلفيون في الانتخابات البرلمانية، لكن انظر.. الذين انتخبوا الإخوان في مجلس الشعب تراجعوا في الانتخابات الرئاسية، وتستطيع أن تقارن بين من اقترعوا في الانتخابات البرلمانية والذين اقترعوا في الانتخابات الرئاسية، في الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولي ما الذي حدث؟ الذي حدث أن ممثلي التيارات الإسلامية: مرسي وأبوالفتوح والعوا، لم يحصلوا علي 04٪ من الأصوات. بينما حصل شفيق وصباحي وعمرو موسي والآخرون علي أكثر من 06٪ من الأصوات. وفي الإعادة ما الذي حدث؟ حدث ان الفرق بين الذين أعطوا أصواتهم للمرشح الذي يعتبر ممثلا لنظام مبارك لم يقلوا كثيرا عن الذين أعطوا أصواتهم لمحمد مرسي، الفرق بين الاثنين 008 ألف صوت، مع ان الذين امتنعوا عن التصويت نصف الذين لهم محق التصويت، وهؤلاء الذين امتنعوا وهم حوالي 52 مليونا، لو أن 5٪ منهم شاركوا لاختلفت النتيجة تماما. بالاضافة إلي هذا أن عددا لا بأس به من الذين أعطوا أصواتهم للدكتور محمد مرسي انتخبوه حتي لا ينتخبوا أحمد شفيق، وكذلك الأمر يقال ان الذين انتخبوا شفيق انتخبوه حتي لا ينجح محمد مرسي، وهما تقريبا متساويان، إذن، أنا لا أري أن نتيجة هذه الانتخابات تدلني ان المصريين انتخبوا الإخوان المسلمين، المصريون لم ينتخبوا الإخوان، وإنما انتخبوا ممثل الاخوان حتي لا ينتخبوا ممثل النظام، والعكس، لأن الناخب ضاع بين مرشحين لا يريد أيا منهما. تقصير إجباري! ألا تري أن موقف المثقفين كان تائها وشائها وسط هذا العلو لجماعات الإسلام السياسي؟ المثقفون منذ ثورة يوليو، سيطرت الدولة عليهم، لأن الدولة حين تمنع اصدار الصحف، وحين تمنع تشكيل الأحزاب، وحين تمنع إنشاء المؤسسات الثقافية المختلفة، بل تسيطر علي المؤسسات الموجودة وتؤممها، الدولة أممت دور النشر، حين لا يستطيع الكاتب أن يكتب إلا في صحف الدولة، وحين لا يستطيع الممثل إلا أن يمثل في مسارح الدولة، ما الذي يحدث؟! الذي يحدث أن تُكتم الأصوات، وليس هذا فقط، ولكن طيلة عهد مبارك كان المثقفون يُقذف بهم في السجون والمعتقلات، وكذلك كان الأمر أيام السادات حيث اضطر معظم المثقفين إلي الهجرة، واختيار المنفي، والمثقفون في العقود الثلاثة الأخيرة حاولوا دائما أن يقفوا في وجه هذه الأخطار التي واجهتها البلاد، سواء النظام، أو الجماعات الإسلامية، وقد دفعوا الثمن، دفع الثمن نجيب محفوظ وفرج فودة ونصر حامد أبوزيد، ودفع الثمن عشرات المثقفين الذين قُدموا للمحاكمة بواسطة هذا القانون المشبوه الذي هو قانون الحسبة، وأثاث بيتي هذا الذي تراه تم حجزه أداءً للغرامة التي حُكم عليّ بها واستخدم القانون في رفع قضية ضدي. مدينة بلا قلب إذن .. هل تغير قلب القاهرة بعد الثورة المصرية أم أنها مازالت »مدينة بلا قلب«؟ القاهرة كانت مدينة بلا قلب بالنسبة لي أنا الفلاح القادم من الريف ليبحث عن مكان له في القاهرة فلا يجده، وقد كنت ضعيفا مهيض الجناح، شابا فقيرا لا أجد مكانا لي، وكانت القاهرة مدينة رائعة جميلة، مزدانة، غنية قوية، الآن تغير الموقف تماما، أنا لم أعد ضعيفا، والقاهرة لم تعد جميلة ولم تعد قوية، لأنه دمّرها حكامها، مصر التي كنا نعرفها في الأربعينيات والخمسينيات لم تعد هي مصر الآن، ما الذي بقي من مصر الآن؟! لا الثقافة التي كانت في مصر، ولا الثروة التي كانت في مصر، ولا المكانة التي كانت لمصر في المنطقة وفي العالم، وهذا الذي يجب ان ندافع عنه الآن ونسترده، لابد أن نسترد الحرية ونسترد الثروة، لابد ان ننمي البلاد، لنصل إلي الاستقرار والأمان وهذا لن يتحقق مع هؤلاء، فعندما يُعزف السلام الوطني ويأبي هؤلاء ان يقفوا احتراما له فمن واجبنا أن ننزع منهم الجنسية، لأن الذي يرفض أن يقف لوطنه لا يستحق جنسيته. لعلّ قائلا يقول إن هناك فروقا شاسعة بين الإخوان والسلفيين، وقائلا آخر يجعلهما »قريب من قريب«، كما يقول أبوالعلاء المعري.. مع أي القائلين أنت؟ بالطبع.. رأيي مع رأي أبي العلاء، فهما قريب من قريب. لك قصائد عن الصعاليك والمهمشين وحملة سلال الليمون.. أين هذه التجربة الشعرية من نفسك خاصة بعد ان أضحي هؤلاء هم وقود الثورة المصرية؟ هذه تجربة مرتبطة دائما بذاكرتي، لأن هؤلاء المهمشين كانوا خميرة الثورة ومادتها، وعندما أقول مادة الثورة أقصد مادة الحرية، وانظر إلي الصعاليك العرب، وانظر إلي هؤلاء الذين كان يمثلهم الشاعر المنوفي عبدالحميد الديب، هؤلاء لا أستطيع إلا أن أتعاطف معهم وأعتبر نفسي واحدا منهم علي الرغم من كل شيء، لأن فكرة الصعلكة بها جانب نبيل وهو الخروج من الأسر، والصعلوك كان يسُمي أحياناً بالخليع والصعاليك هم الخُلعاء، إما أن يخلعوا أنفسهم، أو ان قبائلهم تخلعهم، ومن ثمَّ يصبحون وجهاً لوجه أمام مصائرهم وأقدارهم، وهكذا أحرار، ومن أجل هذا كانوا يضحون بكل شيء حتي حياتهم. لا أوافق هل توافق أن تكون وزيرا للثقافة في ظل الواقع السياسي الحالي الملبد بالإخوان؟ بالطبع لا أوافق، لا استطيع أبدا ان اتعاون مع مسئول يخلط الدين بالسياسة، ويعتبر نفسه وصيَّا علي الآخرين أو يتدخل فيما يكتبه الكاتب أو يقدمه الفنان، ونحن نذكر ما حدث لتمثال محمد كُريم بأكاديمية الفنون وما حدث لعادل إمام.. إلخ، هناك أخطار علي الثقافة المصرية، وهي ليست شيئا هيناً، فمصر لا تستطيع ان تستغني عن الثقافة، لانها ليست بلدا من هذه البلاد التي لا تاريخ ولا حضارة لها، فمصر ليس بها بترول حتي تستغني به عن الثقافة، ورغم ذلك لا استطيع إلا ان أكون متفائلا، لأن مصر تستطيع ان تدافع عن نفسها. زمان الرواية! يقولون إن الشعر دخل غيابات الجُبّ، وأن عصره ولَّي وأدبر، وان هذا هو زمان الرواية.. بماذا ترد علي هؤلاء وأنت رئيس لجنة الشعر السابق؟ هذا كلام غير صحيح، لأن الشعر ليس فن مرحلة، إنما هو فن اللغة الدائم والثابت، وهو فن الإنسان الذي لا يستطيع ان يتخلي عنه، لأن الإنسان يحلم، والإنسان يشعر، والإنسان يُحب، والإنسان يكره، والإنسان يُغني، وهذا الذي يصنعه الشعر، الإنسان يحب بالشعر ويحلم بالشعر ويغني بالشعر ويتخيل بالشعر ويحس ويخاف إلخ، فالشعر رفيق الإنسان في هذا كله. إذن لماذا لا نسمع ضجيجاً إلا لأهل الرواية فقط؟ ربما كنت أظن شيئا من هذا قبل سنوات، أما الآن فالشعراء كثيرون، أجيال سابقة ولاحقة ورجال مثل فاروق شوشة وإبراهيم أبوسنة وحسن طلب ومحمد سليمان وحلمي سالم، وفتيات، وشعراء بالعامية وشعراء بالفصحي، فالبلد مليء بالمواهب الشعرية، ولكن هناك قصورا في عقد الصلة بين الشاعر والجمهور وهناك إهمال جسيم من وسائل الاعلام، لأن الشاعر لا يكون شاعرا إلا من خلال الجمهور، وهو نفسه لا يتقدم إلا بالجمهور، لان الشاعر عندما يكُف عن أن تكون له وظيفة ينقطع، فالشاعر يحتاج إلي الجمهور أولا ليقدم نفسه، ثانيا كي يستمر، والجمهور يحتاج إلي الشاعر حتي يظل علي صلة بالشعر، لأن الناس إن لم نوفر لهم حاجتهم من الشيء استغنوا عنه. توابع عصر! أخيرا.. ما رأيك في جوائز الدولة وهل تذهب إلي من يستحقها، أم أننا مازلنا نعيش »توابع« عصر مبارك؟ أنا عضو في المجلس الأعلي للثقافة منذ فترة طويلة، وتابعت ما يحدث في جوائز الدولة، وفي رأيي ان الجوائز صورة لحال الثقافة، فعندما كانت الجوائز تجد العقاد وطه حسين ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم إلخ كانت الجائزة التشجيعية تذهب إلي محمود حسن إسماعيل، أما الآن فلابد ان يكون مستوي الجوائز قد تراجع، لان مستوي الثقافة تراجع، المشكلة ليست في تراجع المستوي الفني فقط، بل أخشي أن يكون قد تراجع أيضا المستوي الأخلاقي، كما أن القائمين علي المؤسسات الثقافية في بعض المراحل كانوا يتهاونون في القيمة الأخلاقية، بأن تتدخل المصالح الشخصية والعلاقات، فكانت الجائزة أحيانا تذهب إلي من يستحقها، وأنا أذكر ان أكبر جائزة لدينا الآن وهي جائزة النيل أو التي عادت إلي اسمها حيث كان قد قرر نواب الحزب الوطني المنافقون أن يغيروا اسمها إلي جائزة مبارك، وقد اعترضت علي هذا وأنا في المجلس أمام الجميع ومنهم وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وقلت إنه لا يصح أن تكون جائزة الدولة التقديرية- وهي جائزة الدولة- أقل من جائزة مبارك، وبالطبع كلامي لم يؤخذ به، هذه الجائزة في أحيان كثيرة ذهبت إلي من لا يستحقها فقط لأنه قريب من الوزير أو السلطة، وعلي سبيل المثال هناك مفكر عظيم تفخر به مصر مثل فؤاد زكريا رُشح أربع مرات إلي هذه الجائزة ولم ينلها، فيجب ان تستعيد جوائز الدولة قيمتها بأن تذهب إلي من يستحقونها، وإن لم يوجد، فتحجب حتي تحافظ علي مستواها.