داود الفرحان كنت أود الحديث اليوم عن سنوات الستينيات.. "وما أدراك ما الستينيات" لكني تعوذت بالله واكتفيت بما كتبه الاستاذان الكبيران جلال عارف وجمال فهمي عن تلك السنوات.. وقد كَفّيا ووَفّيا. لذلك أعود الي مشكلتنا مع النظام العراقي الطائفي الايراني لأتحدث عن سجون حكومات الميليشيات التي صارت معها فظائع سجن أبي غريب مجرد "سلطة خضرا" فالذين دخلوا سجون حكومات الاحتلال الطائفية وكتب الله لهم الخروج منها بعد سنوات من العذاب الجهنمي يؤكدون انه ليست هناك في العالم اليوم سجون أسوأ من سجون المالكي. فهي مثال مشابه، وربما أسوأ، لسجون التتر والمغول والرومان القدماء والنازيين والفاشيين والمجوس وسجن الكاتراز الاميركي الشهير في الافلام السينمائية. والمصيبة ان الاعتقالات لا تتوقف رغم الاحتجاجات الشعبية واستنكار المنظمات الدولية. فهذه الدولة الكارتونية، أقصد دولة قانون المالكي، قائمة علي ان الاعتقالات هي أفضل وسيلة للبقاء في الحكم، فكلما ازدادت أعداد المعتقلين قل أعداؤهم في المدن والشوارع. وكانت منظمة "هيومان رايتس ووتش" قد وثقت في تقريرها الاخير الصادر في مايو الماضي حال المعتقلين العراقيين، كنموذج، في سجن معسكر "الشرف" في المنطقة الخضراء، وكيفية معاملتهم واخفائهم عن الانظار عن طريق نقلهم من مركز احتجاز سري الي آخر، وكلها موجودة في ذات المنطقة. والمفارقة هي ان "هيومن رايتس ووتش" أجرت مقابلات في الفترة ما بين ديسمبر 2011 ومايو 2012 مع أكثر من 35 محتجزا سابقا وأقارب للمعتقلين ومحامين ونواب برلمان ومسئولين في الحكومة العراقية ومسئولين أمنيين من وزارات الدفاع والداخلية والعدل، وأعرب الجميع من دون استثناء عن قلق بالغ بشأن سلامتهم، وطلبوا من "هيومن رايتس ووتش" ألا تكشف أسماءهم أو تواريخ وأماكن المقابلات لحماية هوياتهم. وقالت المنظمة: ان مما يثير قلقاً بالغاً أن العراقيين، ومن بينهم مسئولون، خائفون علي حياتهم ويخشون تعرضهم لأذي بالغ إذا ناقشوا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. هذا الخوف العائق لطرح كارثة المعتقلين الذين تتجاوز أعدادهم عشرات الآلاف، وبعضهم محتجز علي مدي سنوات طويلة بلا محاكمة وفي اسوأ الظروف، هو نتيجة لحملة الترويع والاستهداف التي تمارسها حكومة المالكي وما سبقها من حكومات عملاء الاحتلال. الا ان جو الترهيب والترويع لم يمنع بروز أصوات شجاعة تنبه الي أوضاع المعتقلين واخضاعهم لأبشع انواع المعاملة إما كيداً أو انتقاماً أو لأسباب طائفية انعكاسا للصراعات الطائفية بين الساسة المتهافتين علي المناصب وسرقة المال العام. وتؤكد الناشطة السياسية العراقية هيفاء زنكنة ان ما يتعرض له المعتقل العراقي في سجون العراق الجديد اشد واكثر همجية مما يتعرض له المعتقل الفلسطيني علي يد المحتل الصهيوني. هذه هي الرسالة التي يحاول المعتقلون العراقيون إيصالها الي العالم الخارجي عبر نشطاء ومنظمات حقوق الانسان المستقلة، مع التنبيه بأنهم، من خلال المقارنة، لا يريدون تنظيف وجه النظام الصهيوني ولكنهم، لشدة ما قاسوه ويقاسونه، سواء تحت الاحتلال الامريكي المباشر او حكومات عملائه إنما يعبرون بصرختهم الانسانية الموجعة ومقارنة وضعهم بما يعتبرونه الأسوأ في العالم، عن عزلتهم اللا انسانية ويأسهم الجماعي من زوال الظلم الذي لحق بهم مادامت حكومات الاحتلال تواصل سياستها الطائفية الفاسدة في غياب القانون. ان التفنن في أساليب القمع العامة بلغ مداه في العراق. فمن حوادث اعتقال واستهداف الاساتذة والاكاديميين الي الكتاب والصحفيين ومحاولة إسكات الصوت والكلمة المستقلة.. الي اعتقال وتعذيب وإجبار المعتقلين الأبرياء علي الاعتراف بكل انواع العمليات الارهابية وعرضها بشكل مُذل علي شاشات التليفزيون، حيث تَستخدم أجهزة الاعلام الرسمية الناطقة باسم الحكومة وبعض القنوات الطائفية فضاءها للقيام بدور المحقق مع المعتقلين وإهانتهم، وهم في اكثر أوضاعهم الانسانية ضعفا، ما يجعل الاعلامي الذي يجري المقابلات أقرب ما يكون الي الجلاد، وهو استخدام لأجهزة الاعلام يتنافي تنافيا مطلقا مع دور الاعلامي صاحب الكلمة الحرة. كما يتنافي مع قوانين حقوق الانسان وعدم تعريض المتهم الي التشهير حسب قاعدة ان المتهم بريء حتي تثبت ادانته.. قضائيا وليس تليفزيونيا. ولكن لابد لليل ان ينجلي.. ودعوتي لكل معتقل برئ ان يضع أمامه علي جدار الزنزانة حكمة الامام علي بن أبي طالب: "إعلم ان الدهر يومان.. يوم لك ويوم عليك.. فان كان لك فلا تبطر.. وان كان عليك فاصبر". وهذه الحكمة وجدتها محفورة علي الجدار الأحمر في زنزانة المخابرات العراقية في النظام السابق حين تم اعتقالي لاني انتقدت وزيراً فاسداً، وكانت معيناً لي علي تحمل تلك الايام.