تركزت أنظار العالم أمس عند تطورات الأوضاع في مصر في الساعات الأخيرة. وكان التركيز حول الطريق الذي سيسلكه الرئيس المنتخب لاحتواء الانقسامات التي خلفتها المرحلة التي سبقت صعوده لقمة السلطة، والعقبات التي تعترض طريقه، وكذلك التحديات التي تواجهه. كما توقفت كبريات الصحف العالمية عند الخلاف الدائر حول الجهة التي سيحلف أمامها الرئيس الجديد اليمين الدستورية، ومستقبل العلاقة الملتبسة بينه وبين المجلس العسكري، ومدي تأثير صعود أول رئيس للسلطة في انتخاب حر إلي سدة الحكم في مصر علي دول المنطقة. كما علقت بعضها علي سفر المرشح السابق أحمد شفيق، وتحذير صحف أخري - من خلال كتابها - من انشغال المعسكر الثوري في مصر بالصراع بين الدين والعلمانية، بدلا من الانشغال بقضايا الوطن الأساسية. في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز"، ركز فيه علي تطورات الأوضاع في مصر بعد انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسا، قال الكاتب الأمريكي توماس فريدمان إن محنة شعوب دول الربيع العربي هي أنها في الوقت الذي نفضت عن كاهلها عقدة الخوف من حكامها، لا تزال قواها السياسية تخاف بعضها البعض . واعتبر فريدمان أن عدم التوافق الوطني هو أخطر ما يمكن أن يقوض مكتسبات ثورات هذه الشعوب. وقال فريدمان: إذا كان هناك من فكرة تلخص نقطة قوة ونقطة ضعف الثورات العربية فإن أفضل من يعبر عنها هو دانييل بلومبرج المدير المساعد لبرنامج دراسات الديمقراطية والحكم في جامعة "جورج تاون" الذي لاحظ أن الانتفاضات العربية تحدث لأن شعوب المنطقة تخلصت من عقدة الخوف التي كانت تحول بينها وبين الخروج لإسقاط حكامهم المستبدين، ولكن ما يعرقل هذه الانتفاضات أو الثورات هو أن القوي السياسية التي تضمها هذه الشعوب لم تتوقف عن الخوف من بعضها البعض. وأضاف فريدمان مستشهدا بمصر مبارك إن صراع القوي داخل دول الربيع العربي بعد إسقاط حكامها، هو نتيجة إذكاء هؤلاء الحكام نار الفتنة والفرقة، وزرع الخوف بين فصائل وطوائف شعوبهم، حتي يحكموا قبضتهم علي السلطة وأن هذا هو بالضبط ما كان يعمد نظام مبارك عمله بين مسلمي وأقباط مصر. وقال فريدمان إن رئيس مصر المنتخب الدكتور محمد مرسي يستطيع عمل عقد اجتماعي جديد في بلاده، ولديه القدرة علي إحداث توافق وطني بين الإخوان والليبراليين والسلفيين والعلمانيين والمسلمين والمسيحيين.وأكد فريدمان أن مرسي حال نجاحه في هذا فإنه سيقدم نموذجا تحتذي به دول المنطقة، وقال إن المؤشرات الأولي تشير إلي أن مرسي فعلا حريص علي هذا. وقال فريدمان إن مصر في حاجة إلي نيلسون مانديلا - في إشارة إلي الزعيم الجنوب إفريقي الشهير - الذي كان أول رئيس منتخب انتخاب حر في بلاده بعد حكم عنصري، واستطاع القيام بمصالحة تاريخية بين البيض والسود، ولم شمل أمة ممزقة، عانت الظلم والجور. وتساءل هل يكون مرسي نيلسون مانديلا مصر؟ وقد خصصت صحيفة "تايمز" البريطانية افتتاحيتها للشأن المصري وقالت إن انتخاب رئيس من جماعة الإخوان المسلمين هو الخطوة الأولي علي طريق رحلة مصر من الاستبداد إلي الديمقراطية. وقالت الصحيفة إن ولاية مرسي صعبة بكل المقاييس، في ضوء أن عسكر أكبر دولة في العالم العربي لا يبدو أنهم مستعدون للعودة بسرعة إلي ثكناتهم. وقالت الصحيفة إن مرسي هو أول رئيس لمصر يأتي في انتخاب حر، وقالت في إشارة لصلاحياته المنقوصة بفعل الإعلان الدستوري المكمل والبرلمان الذي تم حله: "لكنه حر في فعل ماذا تحديدا؟.. وإلي متي؟ صحيفة بريطانية أخري هي "فاينانشال تايمز" ركزت من خلال تقرير مراسلها بالقاهرة علي الخلاف الدائر حول اليمين الدستورية التي سيحلفها الرئيس الجديد وقالت إنه قبل أيام معدودات من أداء الرئيس المنتخب اليمين لا يزال الغموض يكتنف مكان مراسم أداء اليمين والجهة المنوطة بالحلف أمامها. وقالت المعضلة تكمن في أن مرسي والإخوان المسلمين يرفضون الاعتراف بقرار حل البرلمان. وقد أشار مسئولون في الإخوان إلي أن مرسي قد يؤدي اليمين أمام البرلمان المنحل، أو في ميدان التحرير، مسرح الاحتجاجات التي أدت إلي الإطاحة بمبارك. وقالت الصحيفة حالة انعدام اليقين حول مكان أداء اليمين الدستورية يوضح حالة الغموض حول سلطة الرئيس الجديد، وصراع القوي المعقد بين الجيش والقضاء، وبين الحرس القديم والقوي السياسية الناشئة التي ظهرت علي السطح إثر ثورة العام الماضي. أما "ديلي تليجراف" فقد توقفت عند مغادرة "مرشح النظام القديم المهزوم في انتخابات الرئاسة المصرية" أحمد شفيق البلاد، بعد بلاغين يتهمانه بالفساد. وقالت حملة شفيق الانتخابية إنه غادر مصر في زيارة قصيرة لأداء العمرة، ولكن مغادرته التي جاءت بعد فترة قصيرة من مغادرة عمر سليمان، رئيس مخابرات مبارك، أثارت تكهنات بأن رموز النظام القديم يخشون المحاسبة أو القصاص منهم لما قاموا به أثناء حكم مبارك. وتقول الصحيفة إن وكالة الأنباء الرسمية المصرية قالت إن شفيق غادر البلاد إلي أبوظبي مع بناته وأحفاده، كما يعتقد أيضا أن سليمان وأسرته في الإمارات. وفي مقال بعنوان"تأمين ثورة مصر يكون بنشرها"، حذر الكاتب البريطاني سوماس مايلن في صحيفة "جارديان" الرئيس الجديد من أن المؤسسة العسكرية من أن انتصار الجيش، لن يضر بالتغيير الديمقراطي في مصر فقط بل في الشرق الأوسط كله في ضوء مكانة مصر الحيوية في المنطقة. وينصح بأن الطريق الأنجع لمحمد مرسي، الرئيس الإخواني المنتخب، هو حشد قواعده والتعاون مع العلمانيين المناهضين للنظام العسكري القديم والجديد، لمواجهة المؤسسة العسكرية في القضايا الديمقراطية الجوهرية. ويحذر الكاتب من انشغال المعسكر الثوري في مصر بصراع أشبه بمعركة علي الطريقة الأمريكية التي تركز علي الصراع بين الدين والعلمانية، تضيع فيه قضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية والاستقلال الوطني.