قلبي، وعقلي، مع الزميل العزيز الروائي المصري والعالمي: جمال الغيطاني. فالكاتب الصحفي اللامع يخوض في هذه الأيام معركة حقيقية ضد قوي تكشفت خطورتها، وعظمت شراستها، و وسائل قمعها وانتقامها ليس فقط من أعداء توجهاتها ومعتقداتها، وإنما الأخطر من كل من يجرؤ علي الخلاف في الرأي مع قرار أعلنته، أو هدف تسعي إلي تحقيقه. الكاتب الصحفي كبرت مكانته وموهبته مثل زميلنا جمال الغيطاني، أو صغرت كصحفي تحت التمرين لا هم له ولا هدف سوي نشر أو التعليق علي ما سمعه وتأكد من صحته، ويترك لقارئه في النهاية حقه في اختيار ما اقتنع به. جمال الغيطاني كان ولا يزال ملتزماً بهذا المبدأ المهني الرئيسي المتعارف عليه عالمياً. وأبرز مثال علي ذلك ما قرأناه ونقرأه في عموده اليومي الشهير بصحيفتنا الغالية "الأخبار" تحت عنوان "عبور" تعليقاً علي ما يخطط له مجلس الشوري لحاضر ومستقبل المؤسسات الصحفية الرائدة، من إحكام سيطرته عليها، من خلال تشهيره بتاريخها، و إداراتها، وإنجازاتها، ورموزها الحاليين والسابقين وصولاً إلي فرض سيطرته، ومعايير اختيار القائمين علي إدارتها وإصداراتها، بقرارات غريبة، مرفوضة، من معظم العاملين في هذه المؤسسات المصرية، وليس لها مثيل من قبل أو بعد في الدول البعيدة عنا أو حتي القريبة منا (..). لم يجد مجلس الشوري الموقر "قضية" يمكنها لفت نظر الرأي العام المصري إلي وجوده علي الساحة السياسية والإعلامية سوي الاستناد إلي "ملكيته الافتراضية"، و"سيطرته الأسطورية" علي المؤسسات الصحفية القومية بحكم القانون والدستور الذي ألغته الثورة ليصول ويجول تشهيراً بها، والتشكيك في صلاحيتها، والسخرية من أصولها و رؤوس أموالها، وصولاً إلي إثبات حقه منفردا في إحكام السيطرة عليها.. بزعم إنقاذها من الإنحراف، والفشل، والخسائر، وسوء الإدارة، والأهم: التخلص من فلول النظام السابق الذين كما أكدوا يتحكمون فيها حتي الآن، ويعادون "الثورة" علي أعمدة صفحاتها (..). ولتحقيق هذه الأهداف الثورية، العظيمة، تفرغ مجلس الشوري لعقد جلسات الاستماع التي يحضرها من يوافقون علي توجهاتهم ويستبعدون من تفترض معارضتهم المسبقة لتوجهاتهم وبلورة هذا النشاط البرلماني غير المسبوق في وضع "معايير" لم يسبق سماعها أو تخيل وضعها، لاختيار رؤساء إدارات تلك المؤسسات و رؤساء إصداراتها (..). كثيرون من الزملاء هالهم قرارات مجلس الشوري " المالك الافتراضي" لحاضر و مستقبل الإصدارات التي ينتسبون إليها. وبعضهم كتب معارضاً لها، و مندداً بها، لكن الوحيد الذي كاد أن يتفرغ علي مدي الأيام العديدة الماضية، والقادمة لمحاولة إيقاظ الصحفيين من غفلتهم، وتحفيزهم لصحوة الدفاع عما يدبر لهم ولإصداراتهم بصفة خاصة وللصحافة المصرية بصفة عامة كان الأستاذ جمال الغيطاني، بإصرار وتواصل يومي علي صفحات "الأخبار" وهو ما أفقد المخططين والمنفذين لهذا التقزيم للصحافة القومية، في مجلس الشوري صوابهم، وانفلتت - معايير تعليقاتهم التي تخطت أصول أدب الحوار، و مودة الخلاف في الرأي، وهو ما كشف جمال الغيطاني عنه وأفزعني حقيقة في يومياته أمس في "الأخبار". كتب الغيطاني يقول: [أخبرني أحد الصحفيين الزملاء بعدوان علي شخصي من جانب عضو من مجلس الشوري لا أذكر اسمه ولا أعرف له دوراً من قبل ثم اتضح فيما بعد أنه "زعيم الاغلبية" في هذا المجلس الذي لا يزيد عن كونه :"هشاً"، "هزيلا"، ولا حضور له في الحياة السياسية.. مهمته تعيين رؤساء التحرير، وهذا وضع ورثته الصحافة عن النظام القديم، وكان وضعاً غريباً فجاً فالمجالس النيابية ليس من مهامها التملك والتعيين لكنها تخريجة لجأ إليها النظام السابق لتبرير سيطرته علي الصحف القومية المؤثرة في الرأي العام. وهذا هو جوهر الموضوع وأساس موقفي الذي عبرت عنه عندما مثلت عضواً في المجلس الاعلي للصحافة، فوجدت أهم عقول مصر، وأكبر الصحفيين فيها، يجلسون تحت رئاسة شخص لم نسمع به قط (..). وقد خاطبته مباشرة معبراً عن احترامي لشخصه الذي أجهله، ومقدراً لتخصصه كصيدلي يدرس المهنة في جامعة اقليمية، وربما يكون عبقرياً في تخصصه لكن المؤكد أنه لا يفهم شيئاً في الصحافة، كما لا يفهم أي من الصحفيين الكبار الموجودين في الاجتماع في الحديد والزرنيخ وأصناف الدواء وأسعارها (..). .. وأواصل غداً قراءة "يوميات" جمال الغيطاني التي أؤيد كل كلمة قالها، وفي الوقت نفسه أثارت مخاوفي المنطقية عليه.