حمدى رزق غضب علي غضب، الغضب بير ملوش قرار، غارت مياهه بعيدا، تكدرت مياهه عند القاع، في ظلام القاع العميق تبرز صخور مسنونة، تسكن القاع أشباح مجنونة، ياما جرحت ناس، وأذلت ناس، وكسرت نفس ناس، امتلأت البئر غضبًا. ثلاثون عاما ظلت تلقي في بئر الغضب بما في نفوسهم من كره أسود، أحالوه ظلاما لا يسر الناظرين، هل امتلأت، تقول هل من مزيد، طفحت البئر غضبا، وفاضت علي الحواف، أغرقت الأخضر واليابس بطوفان غضب. غضب علي غضب، كل هذا الغضب المخبوء تحت جلد هذا الوطن، يسري من شبابه وشيوخه وحتي أطفاله في المهد مسري الدم، انفجر الغضب في الوجوه، تطايرت البلاد أشلاء، ثياب الوطن تلطخت بالدماء، من بئر الدم، من بئر الغضب، بركان الغضب قديم، ثار من جديد، ثورة الغضب، ثورة البركان، حمم تشوي الوجوه، شاهت وجوه، وتشوهت وجوه، وعبست وجوه، وتكدرت وجوه. بئر الحرمان، لقد أورثوهم فقرًا، فقر علي فقر، الفقر يولّد فقرًا، الفقر يورث الغضب، غضب علي غضب، كانت القدور في الليالي السوداء تغلي بماء قراح، كان الأطفال يصرخون، والرجال يئنون، والنساء ثكلي في قعور البيوت الطينية في انتظار رحمة من السماء، تحسبهم أغنياء من التعفف. بئر النسيان، نسوا أنفسهم، كانوا لا يرحمون ولا يتركون رحمة ربنا تتنزل بالعباد، قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، قدت من حجر، ظنوا أنهم ورثوا الأرض ومن عليها، وهذه الأنهار تجري من تحتي، وما هم إلا عبيد إحساناتنا، صاحب البئر كان شحيحا، يشبعه ذل السؤال، لم ينزل البئر أبدًا، كانوا يغطونها من تحته بإحكام، يلقون بجواهر التاج في غيابات الجب ليخلو لهم وجه أبيهم، كان لا يطيق رائحة البئر، مياهه آسنة، الناس عفنت في البئر وهو جالس علي رأس البئر يرتسم للكاميرات، تطل بلاهة الحكمة المصطنعة من بين شفتيه الغليظتين، تحت مقعدته شعب مسحوق، ظن أنه لن يموت، لن يلقي في غيابات الجب بعد أن ألقي وطنًا بأكمله من وراء ظهره في اليم. بئر الحسرة، كانوا وهم في قاع البئر يتحسرون علي عمر ضاع، شاب الوليد في اللفة، وهرم الصبي في شرخ الشباب، ضاع رجال في لجات البئر الأسنة، وغاب شجعان في غيابات الجب، وسقط فرسان صرعي آلام حادة، مرضهم لا تداويه قرارات علاج، في البئر كانوا يستعذبون العذاب، يعالجون جروحهم بالنسيان، كانت الأغاني تشعل جروحا وتند عنهم آهات، وتصرخ في أحشائهم آلاما،عد الجروح يا ألم. بئر الألم، كان الناي الحزين سلوي المجروحين، ومن ناري ومن طول ليالي، بعضهم ولف علي الألم، كل يمضي ليله يغني علي ليلاه، كتر الحزن يعلم البكاء، بكوا بدل الدموع دما، كان البعض يهذي ألما، تحسبه مخبولا، وماهو بمخبول، لكن الألم قاس، مريع الغضب يمزق الأحشاء، سم زعاف يسري ، كانت الناس تكلم نفسها في الطرقات، كان بعضهم يتهيج من قسوة الغضب، يتشظي، يستحيل شظايا في كل الأرجاء، كثير منهم كانوا أمواتًا وهم أحياء، علي قيد الحياة ولكنهم خلوا من الحياة، كان الألم طاغيًا، والغضب مكتسحًا، مقتحمًا، سهادا لا ينامون من قسوة الألم، الألم طعامهم، شجر الزقوم طعام الأثيم، كالمهل يغلي في البطون، لا يسمن ولا يغني من جوع. بئر الجحود والنكران، جحود بشعب طيب الأعراق، بخير أمة أخرجت للناس، بوطن لا تري الشرق يرفع الرأس بعده، كانوا يسومونهم ْسوء العذاب، يذبحون مواهبهم، ويستحيون حرماتهم، وفي ذلك بلاء عظيم، كان سفاك المواهب يجول في المدينة كل عام، يستأصلهم من شأفتهم، كل الموهوبين فروا، كل النافعين فسدوا، يذبحون أبناءهم، حتي لا يرث أحدهم العرش، كان صرحًا من خيال فهوي. بئر تسع وطنًا، تفغر فاها، وطن في بئر، وبئر في وطن، سقط الوطن من حالق، سقط في غيابات الجب، لم يكن هناك سيارة يلتقطونه، تعفرت لحية الوطن، أهالوا علي وجهه الكريم من تراب نفوسهم المتصحرة، ألقوا علي رأسه الشريف من سناخ صدورهم السوداء، وسخوا وجه الوطن، قيدوا الأسد الهصور من قدميه بحجر ثقيل وألقوه في الغيابة، كان الوطن يصرخ وهو يهوي، كان يهدر وهو يذوي، لا مجيب، ثقيلة هي الحجارة كانت تسد فوهة البئر. طفح الكيل، طفح البئر، فار التنور، لا عاصم اليوم، غضب علي غضب، الوطن غاضب، يدمدم، بركان غضب، عندما يثور البركان لا تنتظر قريبًا أن يهدأ، لن تهدأ ثورة الغضب، لن يسكن الألم، لن يتعافي الوطن، الغضب صار وطنًا، الوطن صار غاضبًا، لن يهدأ الوطن، لن يسكن الغضب. ليس غضب ساعة، غضب كل ساعة، غضب السنين، غضب العقود، غضب العمر، غضب مركب، غضب متسلسل، تأصل في النفوس، غضب كاسر، كسر كل القيود، الكل غاضب، نفر منهم يكسر إشارة المرور غضبًا، يقطع السكك الحديدية غضبًا، يعتصم غضبا، يقتل غضبًا، يشتم غضبًا، يسب غضبًا، يغضب من نفسه وعلي نفسه وعلي الأقربين، علي من يحب وعلي من يكره، غضب أعمي. الغضب صار أقرب إليهم من الحلم، الحلم بضاعة لم يعد لها سوق في شارع الغضب، بضاعة الحلم بارت، سوق الحلم غلقت أبوابها، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، رحماء بينهم، ثلة من الأولين، ثلة من الآخرين، طائفة منقرضة، عملة ليس لها وجود في أسواق الغضب. بورصة الغضب صارت تجتذب كل الأطياف والطوائف والفئات، الغاضبون كثر، السلفيون غاضبون، الأبريليون غاضبون، الإخوان غاضبون، الأقباط غاضبون، الليبراليون غاضبون، الأزهريون غاضبون، المهندسون غاضبون، الأطباء غاضبون، القناوية غاضبون، السكندرية غاضبون، التكسجية غاضبون، المعاشات غاضبون، الطلاب غاضبون، صرخات الغضب المجنونة تعوي في وطن الغضب، لو زرعوا الوطن ببذور الغضب ما كانت نضجت كل هذه الثمار المرة، أرض الوطن حبلي، حمل سفاح، شيطان الغضب الأعمي اختلي ليلا بالمحروسة فأورثها الغضب.