أزيح الستار أخيرا عن قصة رهيبة ظلت طي الكتمان منذ سنة 6491، ولم يعرف عنها في ذلك الحين إلا ما نشرته الصحف الأمريكية من أن عالما كبيرا أصيب بأضرار قاتلة نتيجة لتعرضه لإنفجار ذري في مصنع القنابل الذرية في »لاس ألا موس« بولاية »نيو مكسيكو« ثم ما عرفه الناس بعد أيام من أن هذا العالم قد توفي. وقد بدأت القصة حين صدرت الأوامر بنقل الدكتور »لويس سلوتن« من المعامل الذرية بمانهاتن الي المعامل الذرية في »نيو مكسيكو« ليتم آخر تجاربه قبل اطلاق سراحه وعودته الي حياته العادية، حيث كان منصرفا الي العلم الذي يحبه وهو الكيمياء الحيوية والمواد الكيمائية في جسم الانسان. وفي صباح يوم صحو من مايو سنة 6491 وصل الدكتور »سلوتن« الي المعامل في »نيكومكسيكو« وكان مرحا، شديد الانشراح لقرب خلاصه من جو المعامل الذرية الرهيبة، وتوقع اليوم الذي ينسي فيه شياطين الذرة، ويعود الي كرسي الاستاذ المساعد بمعهد الاشعاع بجامعة كاليفورنيا. كان مرحا شديد السرور علي الرغم من الخطورة البالغة التي تنطوي عليها تجربته المقبلة، فهي الأخيرة علي كل حال، لم تكن حياته خالية من الأخطار، فقد كان عضوا بارزا في هيئة البحوث السرية في مؤسسة مانهاتن التي ساهمت بأوفي نصيب في انتاج القنبلة الذرية، أشد ما عرف البشر من وسائل التدمير، واحتفت به الحكومة الامريكية بكل أنواع التقدير برغم جنسيته الكندية، كما دفعت خبرته الواسعة المشرفين الي الاستعانة به في صنع أول قنبلة ذرية، وكانت مهمة بالغة الخطورة، تمت بنجاح، وتسلم الجيش الامريكي من الدكتور سلوتن -بإيصال بسيط- تلك الكرة الرهيبة التي أهلكت بلدة بأكملها. وحان يوم التجربة في 12 مايو سنة 6491، فاجتمع معه في المعمل ستة من أعوانه، وأحد رجال الجيش الامريكي كمراقب، وكانت التجربة -بقدر ما عرف عنها- تتناول مواد مشعة قابلة للإنفجار، وبكميات يكفي بضم بعضها الي البعض الآخر لكي يحدث انفجار ذري كقنبلة هيروشيما، وكان من أهداف التجربة تقريب المواد الي بعضها البعض حتي تحدث سلسلة تفاعلات ذرية هي في الواقع انفجارات ذرية، ولكن في نطاق محدود، والغرض من ذلك الوصول الي طريقة للسيطرة علي الطاقة الذرية وتوجيهها. وقبل بدء التجربة فحص سلوتن الاجهزة، وتأكد من أن كل شيء في مكانه، وأن الدروع الواقية من الاشعاع تفي بالغرض منها، ولا تسمح بنفاذ الأشعة القاتلة الي العلماء المجربين، أو بتسربها الي خارج المعمل لقتل الناس في الخارج. وبدأ العمل واحتل الجميع مواقعهم أمام عقارب المؤشرات الدالة علي سير التجربة بينما إنحني سلوتن بنفسه علي المنضدة التي تحمل أجهزة التجربة نفسها، وانطلقت الآلات تعمل وساد المعمل صمت عميق، وتعلقت الأبصار بالمؤشرات لتسجيل النتائج. وفجأة غمرت الغرفة حرارة خانقة، وانطلقت من الاجهزة اشعاعات قاتلة من شتي الأنواع، منذرة بتدمير كل شيء، وقبل أن يتنبه أحد لما حدث، قذف سلوتن بنفسه ليتجنب الكارثة التي ستحل بالمدينة، فقد انزلقت احدي الكتل المشعة من مكانها، وتدحرجت الي وضع مدمر، ولو أهملها لمدة ثانية واحدة لأصبحت كل المنطقة أثرا بعد عين! ولكن سلوتن إندفع بجسمه ويديه العاريتين يدمر جهاز التجربة، ويبعد المواد المشعة عن بعضها مما أوقف سلسلة التفاعلات الذرية، وأنقذ المنطقة بمن كان فيها من بشر، ومن دمار شامل ومحقق، وذهل زملاء سلوتن بحركته الجريئة، وتذكروا للفور الخطر المحدق، والأشعة القاتلة التي لا تراها العين، فهرولوا الي الخارج في حركات جنونية يطلبون النجدة. ويقول أحد العلماء الذين حضروا الواقعة أن سلوتن ظل فترة يجري حساباته وتقديراته الذرية، ثم استعاد ابتسامته ومرحه مؤكدا لزملائه أنهم لن يصابوا بأي خطر! أما عن نفسه فقد لزم الصمت، إذ كان واثقا ان جسمه الصغير قد امتص من المواد المشعة ما يكفي لقتل عدة أشخص! وهرعت سيارات الإسعاف الي المعمل لإسعاف المصابين، وأنقذ الجميع اذ كانت اصاباتهم مؤقته، ما عدا سلوتن الذي رقد في فراشه ينتظر النهاية، فقد دخل بجسمه بين المواد المشعة، فكان هدفا لها من كل جانب! وفي اللحظة الأخيرة من حياته، قدم خلاصة تجربته عن المواد المشعة للأطباء، وكانت هذه الخلاصة لا تتصل إلا بشيء واحد، هو تأثير الذرة المدمر علي البشر، وكان يعاون الاطباء علي تسجيل كل ما يشاءون عن جسمه في مراحل انحلاله، وبلغ به العلم بالتسمم الاشعاعي انه كان يتنبأ بما سيظهر عليه من أعراض وقرح وحروق قبل حدوثها. وجاء والده ليشهد مصرعه، وبالتدريج حولت الأشعة السامة جسمه الي هيكل عظمي، وصعدت روحه الي السماء بعد تسعة أيام، وتركت جسده المحترق ليكون عبرة لكل من يصنع الموت!