محمد على خىر لانستطيع ونحن نراقب المشهد السياسي الداخلي الآن افتراض الصدفة في كل مايصلنا من أخبار، كما لا ينبغي كذلك تفسير كل حدث بنظرية المؤامرة أو الاتفاق، ما يدعونا الي عدم الانحياز الكامل لمنطق الصدفة أو التسليم المطلق لمنطق المؤامرة هو أن الملعب السياسي ليس حكرا علي لاعب واحد مهما كانت قوة وذكاء هذا اللاعب، فهناك أكثر من طرف وفصيل سياسي وكل منه يتمتع بنقاط ضعف وقوة. المقدمة السابقة نراها ضرورية لتفسير مايجري حولنا والذي يكون أحيانا خارج نطاق تصديق العقل، والي الأمثلة للتوضيح حولها: 1-من يصدق أن يخرج أكبر ثلاثة مرشحين للرئاسة هكذا دفعة واحدة وبالقانون، دون أن تستطيع التشكيك فيما جري، ثم هل اقتنعت بأن اللواء عمر سليمان المرشح الرئاسي المستبعد سلم أوراقه ناقصة 34توكيلا، وهل أعضاء حملته من السذاجة لعدم توخي الدقة في العد، ثم مسألة العفو عن المهندس خيرت الشاطر، ليتضح أنه حصل علي عفو منقوص، مما يطرح سؤالا:لماذا كان العفو أصلا؟..وإذا انتقلت الي قضية جنسية والدة الشيخ حازم أبو اسماعيل، فهل أنت مقتنع بأن الدولة بكل أجهزتها لم تكن تعرف جنسية والدة المرشح الرئاسي الا مؤخرا أم أنها قد علمت (من بدري) ثم سكتت لإخراج الورق في الوقت المناسب، وعندما حان التوقيت، جري التنفيذ. 2-ثلاثة مواقف وضع فيها المجلس العسكري جماعة الإخوان المسلمين علي المحك أمام الرأي العام حتي يؤكد صورة عنهم لرجل الشارع العادي، هي صورة المتعجل للسيطرة علي كل سلطات الدولة عكس مايعلنه، وتلك قناعة المجلس العسكري لكنه لاينبغي أن يعلنها قولا بل كان عليه أن يثبتها فعلا، وبيد جماعة الإخوان وحزبها، لا بيد المجلس، وابتلع الإخوان الطعم علي النحو التالي: -فور تنحي مبارك، أعلنت جماعة الإخوان أنها لن تنافس سوي علي ثلث مقاعد البرلمان وأنها ترغب في التحالف مع مختلف القوي السياسية، بعد تلك التصريحات جرت الموافقة علي منح الإخوان حزبا رسميا وقربهم المجلس العسكري اليه، فكان لهم ممثلهم في لجنة التعديلات الدستورية، وأعلنوا دعمهم وتأييدهم لتلك التعديلات ثم نقضوا وعدهم السابق ونافسوا علي 95٪ من مقاعد البرلمان. -ترك المجلس العسكري المادة 60 من الإعلان الدستوري عائمة (ليس فيها حلا أو ربطا) تلك المادة التي جعلت البرلمان منوطا به تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور الجديد، وحدث الخلاف بين القوي السياسية حول تفسير تلك المادة وهل يجري تشكيلها من داخل البرلمان أم من خارجه، وانتهت جماعة الإخوان المسلمين الي انفرادها بالتفسير وخرجت التصريحات الحادة من قيادات حزب الحرية والعدالة وقادة الجماعة وجري اقصاء مختلف التيارات السياسية، وسيطر الإخوان علي الجمعية التأسيسية تفسيرا للمادة 60 وتشكيلا لعضويتها، وبدأ الرأي العام ينتبه الي مايفعله الإخوان من رغبة نهمة للتكويش علي كل السلطات بطريقة تتنافي مع ماسبق إعلانه علي لسان الجماعة من أن أهمية التوافق في تلك المرحلة الإنتقالية. - أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أكثر من مرة بأنها لن تنافس علي منصب رئيس الجمهورية وفي سبيل اثبات جدية قرارها فإنها فصلت القيادي البارز بها د.عبد المنعم أبو الفتوح بعد إعلانه خوض انتخابات الرئاسة، وقبيل غلق باب الترشيح للرئاسة قام المجلس العسكري بما له من سلطات (رئيس الجمهورية) باصدار قرارات العفو عن العقوبة، بالافراج عن نائب المرشد العام خيرت الشاطر، ليضع الإخوان المسلمين في اختبار حقيقي مع تصريحها السابق بعدم خوض انتخابات الرئاسة، وبلعت الجماعة الطعم وأعلنت فورا ترشيح الشاطر لانتخابات الرئاسة، وهو القرار الذي سحب من مصداقية الاخوان لدي الرأي العام، ودفع كثيرين لاتهامها بالتكويش علي كل سلطات الدولة، خاصة أنها تخوض عبر أكثريتها في البرلمان حربا عنيفة ضد حكومة الجنزوري لسحب الثقة منها. تعرف الجماعة وحزبها أن شعبيتها قد تأثرت كثيرا بسبب قراراتها المتضاربة وعدم الالتزام بتعهداتها التي تعلنها علي لسان قادتها، كما أن مجمل الأداء البرلماني لنوابها تحت القبة لم يرق الي المستوي المطلوب، وبعد قرار محكمة القضاء الإداري الذي أفضي الي حل تأسيسية الدستور ثم استبعاد مرشح الجماعة من سباق الرئاسة، لجأت الجماعة الي سلاح الحشد الجماهيري في ميدان التحرير وبقية ميادين الجمهورية في محاولة منها لاستعراض القوي السياسي وارسال رسالة الي المجلس العسكري ومختلف القوي السياسية أنهم الأكثر جماهيرية وتأثيرا، مما أثار تساؤلات مثل: 1- لماذا الإصرار علي نزول الإخوان الي ميدان التحرير جمعتين متتاليتين بدلا من جمعة واحدة، جري الحشد الإخواني فيها. 2- لماذا قرر الإخوان النزول الي الميدان رغم إعلانهم أن الشرعية للبرلمان وليست للميدان وطالبوا جميع الثوار في الميدان بإخلائه وعدم تعطيل مصالح الناس 3- اذا كانت جماعة الاخوان المسلمين تسيطر علي السلطة التشريعية ولديها القدرة علي اقرار القوانين والتشريعات ومساءلة الحكومة، ورغم ذلك تنزل الميدان، فإن هذا يعني مباشرة فشلها الذريع في استخدام مابين يديها من أدوات سياسية ورقابية، فما بالك بفصيل سياسي آخر ليس لهم ممثلين في البرلمان. بين الصدفة والمؤامرة، تدور الأحداث في مصر الآن.