لم يكن من قبيل الحلم او الاماني ما كتبته في مقال يوم الاربعاء »امس الاول« ان بناء مستقبل مصر المتقدمة لا يمكن ان يتم الا بقيام دولة سيادة القانون. كنت مؤمنا بان القانون هو الذي سوف ينتصر في النهاية للارادة الحقيقية للشعب وليس للمظاهر والظواهر التي يمكن لهذه الارادة ان تغيرها في اي وقت اذا ما توافرت الحرية والنزاهة والشفافية والقضاء الوطني العادل. في هذه الحالة فانه ليس من وصف لحكم مجلس الدولة حول الغاء الاجراءات التي تمت بشأن تشكيل اللجنة التأسيسية سوي انه تصحيح للمسار الديمقراطي علي اساس القاعدة التي ترسي دعائم دولة سيادة القانون. ان هذا الحكم يمثل في مضمونه انتصارا للانتماء الوطني وكذلك العدالة التي يتطلع اليها الشعب ويستند اليها لبناء مستقبله ودولته الجديدة المستقرة. انه تأكيد علي ان للقانون انيابا تستطيع ان تتصدي من خلال الايمان بالله والشجاعة وعلم القائمين علي تطبيقه للديكتاتورية في دولة ما بعد الثورة حتي لو كانت اغلبية برلمانية. ان مضمون الحكم الصادر من مجلس الدولة بإبطال تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور هو انتصار للقانون الذي من المفروض انه يحظر العدوان علي حقوق اي فئة بالمجتمع. انه إعلاء لمبدأ اساسي يقضي بان يكون الدستور في صالح الجميع ويصب في النهاية لصالح الوطن. يمكن النظر لاهمية هذا الحكم من منظور ما يعنيه من تأثير ايجابي في وضع دستور متقدم يناهض كل اخطاء الماضي ويؤسس لمستقبل يمتد لعشرات السنين القادمة. هذا الدستور لابد ان يعبر عن كل اطياف المجتمع وليس تيارا بعينه اتيحت له الظروف ان يحصل علي أغلبية المجلس التشريعي وقد لا يحصل عليها في المرات القادمة. لا يجب التعامل مع هذا الحكم في اطار ما هو متعلق بعوار تشكيلة اللجنة التأسيسية للدستور . ان الاهم هو النظر اليه باعتباره انذارا لاي سلوك يستهدف العدوان علي حق الشعب كل الشعب. ان القوانين التي يجري التعامل بها لتنظيم حياتنا وانضباطها تعني في مضمونها التحذير من اي خروج عليها باعتبارها تتحمل مسئولية تحقيق العدالة وصيانة الحقوق . الجدية في استخدام هذه القوانين تمثل انذارا لكل من يحاول الانحراف عما تقضي به الاعراف فيما يتعلق باعداد الدساتير. من ناحية اخري فانه يمكن للبعض النظر الي حكم مجلس الدولة وحيثياته علي اساس انه مؤشر علي موقف القانون من قضايا اخري في غاية الاهمية يمكن ان تقلب الموازين رأسا علي عقب. في هذا المجال يجدر بي الاشارة الي ما هو معروض علي المحكمة الدستورية العليا بشأن دستورية مجلس الشعب نفسه علي ضوء الطعن المقدم حول قانونية السماح بدخول احزاب منافسة علي مقاعد الفردي الي جانب انفرادها بمقاعد القائمة. وفي مواجهة الفوضي والانفلات علي الساحة السياسية وغير السياسية فان علينا جميعا ان نؤمن ان الالتزام بالقانون هو طريقنا للنجاة. لا جدال ان تفعيله بحزم وحسم يقودنا الي طريق الديمقراطية الصحيحة التي استهدفتها ثورة 52 يناير التي شارك فيها كل الشعب ويريد البعض حرمانه من حقه في جني ثمارها. هنا اقول انه يجب ألا يؤدي الحماس ونزعة الانتقام والخوف من المنافسة الحرة الي المساس بمبدأ حق المساواة الذي تقضي به المواطنة الحقة والايمان بحق الشعب في ممارسة حريته. لا احد يمكن ان يعترض علي محاسبة اي فرد مهما كان علي اي خطأ او انحراف او سلوك تم ارتكابه ضد الصالح الوطني.. ولكن ما يجب التحذير منه هو الانتقاء بهدف الانفراد بالساحة وفقدان شجاعة الاحتكام الي الشعب الذي هو وحده صاحب الحق في العزل او الاستبعاد من خلال صندوق الانتخاب. ان اي اجراء خارج هذا الاطار مع غياب اتهامات محددة قابلة للاثبات هو اخلال بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.. وهو ما يمثل عدوانا سافرا علي الحرية والديمقراطية. ان عدم الدستورية ستكون بالمرصاد في مواجهة مثل هذه النزعات الموتورة والدعاوي المليئة بالغل والحقد والتي تتعارض مع ادني درجات حقوق الإنسان.