د. إكرام بدر الدىن أثناء حواره مع » الأخبار« ازمة الدستور والجمعية التأسيسية والصراعات الحالية بين عديد من القوي السياسية علي الساحة المصرية، وغيرها من قضايا الساعة وضعناها في الميزان السياسي للدكتور اكرام بدر الدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فكانت الكفة تميل إلي الشك في دستورية الدستور القادم اذا ما اكمل القطار مسيرته علي »القضبان« الراهنة والي تفضيل النظام الرئاسي البرلماني تفاديا لعيوب اي منهما منفردا، والي ضرورة تفادي الصدام بين جميع القوي السياسية الفاعلة اعلاء لمصلحة الوطن في هذه الظروف الدقيقة. كل قضايا الساعة الساخنة كانت حاضرة في هذا الحوار.. وإليكم التفاصيل. ما تعليقك علي الجدل الدائر الآن حول مشاركة نسبة 05٪ من اعضاء مجلسي الشعب والشوري في اللجنة التأسيسية للدستور؟ أري أن السبب الرئيسي للجدل ان العملية منذ البداية بدأت معكوسة، فكيف نجري انتخابات برلمانية دون ان نضع اولا دستورا يحدد مهام واختصاصات كل من السلطة التشريعية والتنفيذية ما فعلناه اننا اتينا بالابن قبل الاب، اي بدأنا البناء قبل ان نضع الاساس، وهذا هو سبب اللغط، وبعيدا عن البداية المعكوسة ونظرا للوضع الحالي، فان القانون العام والتشريع هو ما يصنعه الاغلبية، البرلمانية اما الدستور فهو الذي ينشيء السلطة ويحدد اختصاصاتها ولذلك لا يمكن لسلطة ان تنشيء دستورا فالدستور يجب ان يشارك في صناعته المجتمع كله بكل فئاته، وطوائفه، دون الرجوع للاغلبية أو النظر اليها. وهل جاء في الاعلان الدستوري ما يفيد مشاركة 05٪ من اعضاء مجلسي الشعب والشوري في وضع مواد الدستور؟ حملت المادة 06 من الاعلان الدستوري الكثير من التأويل فهي لم توضح من هم ال 001 عضو اعضاء اللجنة التأسيسية وهل هم من خارج المجلس ام من داخله، ام من الطرفين معا؟ وان كان فما هي النسبة؟ فعدم الدقة في هذه المادة فتح الباب امام الكثير من الاختيارات المتضاربة بالاضافة إلي ان بعض التفسيرات حللت هذه المادة من الناحية اللغوية واللفظية وهو ما قد يبيح وجود اعضاء من داخل المجلس في الجمعية التأسيسية اما التحليل الاخر وهو من الناحية القانونية والدستورية فيري عدم جواز دخول اعضاء من مجلس التشريع في جمعية وضع مواد الدستور. ما المخاوف التي نحن بصددها في هذه الحالة؟ المخاوف كثيرة فهي تحيط بعدم الدستورية وترتكز المخاوف علي امكانية الطعن علي الدستور بعدم المساواة لان 05٪ من واضعي الدستور تم اختيارهم من اعضاء مجلسي الشعب والشوري فقط واللذان لا يتجاوز عددهم الالف فيما تم اختيار ال 05٪ الاخري من باقي الشعب الذي يزيد عدده علي ال 58 مليون نسمة. والتخوف الثاني هو ان تقر المحكمة الدستورية العليا ببطلان الانتخابات البرلمانية استنادا لقانون المستقلين، وهذا وارد تماما في هذه الظروف لان المحكمة الادارية العليا احالت القضية للمحكمة الدستورية العليا بحيثياتها اي انها لن تأخذ وقتا في اصدار الحكم، وفي هذه الحالة ستكون شرعية الدستور باطلة بسبب مشاركة 05 عضوا من مجلسي الشعب والشوري سقطت شرعيتهم. وان كان ضروريا اختيار عدد من اعضاء مجلسي الشعب والشوري فيجب ان يتم اختيارهم بصفتهم الشخصية وليس بصفتهم البرلمانية للتغلب علي عدم الدستورية في حالة بطلان الانتخابات البرلمانية. اما التخوف الثالث فهو ماذا سيكون الوضع لو توالت الانسحابات من لجنة الدستور؟ ومن البديل؟ وكيف سيكون الوضع وقت اذن؟! اما التخوف الرابع فيدور حول كيفية اتخاذ القرار داخل الجمعية التأسيسية هل يؤخذ القرار بالاغلبية 05+1 ام باغلبية خاصة تحددها اللجنة، وان حدث هذا سيكون الامر كله في ايدي الاغلبية لانهم سيتغلبون بعددهم علي اي قرار معارض.. وانا اري ان القرار داخل الجمعية لابد ان يتخذ بالاجماع وهذا يضمن فكرة التوافق مثلما حدث في الدستور الامريكي ومعظم الدساتير الغربية. وما أهم المواد التي يمكن ان تثير خلافات بين اعضاء الجمعية؟ اولا المادة المتعلقة بشكل نظام الحكم اي تشكيل الحكومة القادمة هل سيكون رئاسيا ام برلمانيا ام رئاسيا برلمانيا.. وايضا تحديد اختصاصات رئيس الجمهورية وعلاقته بالبرلمان، وهل سيتم تقليص صلاحيات الرئيس القادم؟ ايضا من الممكن ان تثير المادة الثانية في الدستور المتعلقة بهوية الدولة الكثير من الخلافات وأري ان افضل الحلول ان تبقي هذه المادة كما هي.. ويمكن للمادة المتعلقة بنسبة ال 05٪ للعمال والفلاحين في مجلس الشعب ان تكون مثار جدل فمن الديمقراطية ان نحدد نسبة العمالة والفلاحين بل يجب ترك الفرصة للناس للاختيار وان تم الغاء هذه المادة فيجب طمأنة الاعضاء الحاليين الذين دخلوا المجلس تحت غطائها بأن القرار لن ينفذ إلا في الانتخابات المقبلة. ايضا الغاء مجلس الشوري من عدمه سيشهد صراعا داخل الجمعية وفي حالة الابقاء عليه هل سيبقي علي حاله ام سيتم اضافة مهام اليه وفي حالة الالغاء يجب ايضا طمأنة الاعضاء الحاليين الي ان الالغاء سيكون في الدورة القادمة وليس الآن. ما النظام المناسب لمصر الان، هل الرئاسي ام البرلماني؟ عودتنا إلي النظام الرئاسي يعني عودة رئيس الجمهورية الديكتاتوري.. اي ان كل السلطات والقوانين تشرع له ولمصلحته كما كان يحدث مع الرئيس السابق، اما اذا اخذنا بالنظام البرلماني الكامل فلن نجد احزابا قوية باستثناء حزبين أو ثلاثة لتطبيق هذا النظام.. اذن فالحل الامثل والوحيد هو اللجوء للنظام المختلط اي الرئاسي البرلماني، وان كنا يجب ان نميل ناحية البرلمان بعض الشيء، وبهذا تكون لرئيس الجمهورية اختصاصاته ومسئولياته، وتكون للبرلمان احقية في تشكيل الحكومة، ويعود كل هذا إلي الدستور فهو الذي سيحدد اختصاصات كل من الرئيس والبرلمان. وماذا سيكون الوضع اذا ما تمت انتخابات رئاسة الجمهورية دون وجود دستور؟ من سيحدد مهام هذا الرئيس؟ ستكون هناك عدة حلول اولها تطبيق النص الموجود الان في الاعلان الدستوري والذي يحدد مهام المجلس العسكري، وبالتالي ستنتقل هذ المهام للرئيس الجديد.. الحل الثاني هو ان يكون الرئيس القادم مؤقتا يسير البلاد حتي وضع الدستور ثم اجراء الانتخابات التشريعية ثم انتخابات رئاسة الجمهورية. ما الموقف اذا ما كان الرئيس القادم اسلاميا؟ وقتها سيكون الرئيس اسلاميا والحكومة اسلامية، والبرلمان اسلاميا. وهذا لن يكون في مصلحة الاغلبية الاسلامية لانها ستكون في ذلك الوقت مسئولة مسئولية كاملة امام الشعب عن كل ما يجري في البلاد، اي سيكون عليها حل كل المشاكل في مصر خلال مدة قليلة حتي تكسب التأييد الشعبي وهذا امر غاية في الصعوبة الان بسبب ضعف اقتصاد الدولة وانهيار كل مؤسساتها، كما ان الامر ايضا لا يتعلق بمصر فقط، فمصر هي جزء من العالم ودولة مؤثرة فيه، واي تغيير فيها سيؤثر علي علاقاتها، فالعالم كله لن يقبل بهذا الوضع وربما يكون للولايات المتحدة علي وجه الخصوص موقف عنيف ازاء الوضع المصري، مما قد يؤدي إلي حصار اقتصادي لمصر.. وهنا اقول للاغلبية الاسلامية يجب ان تنظروا إلي المكسب البعيد الذي فيه فائدة لمصر وألا ينظروا إلي المكسب القريب الذي قد يضر بهم وبمصر. وما رأيك في اداء حكومة الجنزوري والصراع الدائر الآن حول تغييرها؟ منذ قيام الثورة تعاقبت علي مصر ثلاث حكومات بمتوسط 4 شهور لكل حكومة وهذه الاشهر القليلة كافية للحكم علي اداء اي حكومة مع الوضع في الاعتبار ايضا الضغوط الشديدة التي تتعرض لها من ازمات اقتصادية وانهيار في البورصة، واضرابات واعتصامات فئوية في انحاء البلاد مع ازمات في الوقود والامن وخلافه مما يعني عدم الدقة في الحكم علي حكومة الجنزوري. اما عن موضوع سحب الثقة من حكومة الجنزوري، فانا اري انه من الصعب الان اقالة هذه الحكومة فالفترة الانتقالية لم يتبق عليها سوي شهرين واذا ما استمر المجلس في اجراءات سحب الثقة فلن تنتهي قبل منتصف يونيو المقبل اي قبل انتهاء المرحلة الانتقالية باقل من شهر. واري ضرورة ان تكون الحكومة القادمة سواء في الفترة الانتقالية أو بعد انتخاب الرئيس حكومة ادارة ازمة لتساعد مصر علي التخلص من الازمات التي تعانيها الآن. وكيف تري مستقبل البرلمان؟ المواطن العادي يحكم علي البرلمان بادائه في توفير متطلباته اليومية من مسكن ومأكل وسلع اساسية مع خفض الاسعار ومستوي التعليم والصحة، وانابيب البوتاجاز ووقود للسيارة، وكل هذه الاشياء نحن كمواطنين نواجه فيها ازمة الان، ولكن مع ذلك لابد ان نلتمس الاعذار للمجلس لانه لم يمض علي انتخابه الكثير ومن المبكر جدا الحكم عليه. وماذا عن مستقبل العلاقة بين المجلس العسكري وجماعة الاخوان المسلمين؟ اي صدام الآن غير مرغوب فيه سواء كان بين المجلس العسكري والاخوان أو بين اي تيار سياسي والمجلس أو الاخوان فنحن في مرحلة دقيقة تحتاج من الجميع ان يعلي مصلحة مصر فوق مصالحه واعتباراته. وهل حددت مرشحك الرئاسي؟ لا لم أحدده، فمازال الوقت مبكرا علي اختيار الرئيس ولم يقدم احد المرشحين برنامجه الانتخابي الكامل، كما ان باب الترشح مازال مفتوحا امام الجميع فمن الممكن ان يتقدم في خلال هذه الفترة احد لم يكن في حساباتنا ويقلب كل الاوراق، ولكن ما اراه مهما هو ان الرئيس القادم لم يعرف بعد علي العكس تماما من الاعوام الثلاثين الماضية التي كان اسم الرئيس فيها معروفا سلفا. وما الاوراق التي ترجح كفة مرشح عن الاخر؟ هي البرنامج الانتخابي ومدي قدرته علي حل المشكلات الحقيقية التي يواجهها المجتمع المصري، ثانيا مدي قدرة المرشح علي الوصول إلي عامة الشعب دون شعارات رنانة فقط، وانما بكلام يلامس بالفعل مشاكلهم اليومية، فالرئيس القادم هو مواطن بدرجة رئيس جمهورية سيجلس في الحكم لمدة 4 اعوام ثم يعود لمصاف الجماهير مرة اخري. وهل سيواجه الرئيس القادم قدرا من الاعتصامات والاضطرابات؟ اذا استطاع الرئيس القادم ان يجعل مؤسسات الدولة تقوم بدورها الحقيقي لن يعتصم الناس فمن الواضح انه تم تفريغ مؤسسات الدولة حتي لا تستطيع القيام بمهامها التي انشئت من اجلها. وما توصياتك لرئيس الجمهورية القادم؟ لابد للرئيس القادم ان يضع في اولوياته المصلحة المصرية اولا ثم تأتي بعد ذلك باقي المصالح الاخري كما يجب ألا تقتصر توجهاته الخارجية علي الدول الغربية وامريكا وانما لابد ان يتجه نحو الجنوب الي البلاد الافريقية التي يوجد بها شريان الحياة لمصر كما ان هذه البلاد تحتاج إلي بعض الخبرات المصرية لتنميتها بعدها يمكننا الاستفادة من خيراتها كثيرا.