إن أسوأ ما يجري علي الساحة المصرية منذ قيام ثورة 52 يناير يتمثل في سيطرة الغموض وغياب الشفافية فيما نشهده من قرارات وإجراءات. أصبح شيئا عاديا منذ ذلك الوقت وبعد انتقال سلطة إدارة شئون الدولة إلي المجلس العسكري أن يكون الغموض المريب هو الطابع الغالب علي الموقف. كان من الطبيعي ان يؤدي هذا المناخ غير الصحي إلي الكثير من الشكوك التي تعاظمت نتيجة للزحف الاخواني وتعمد عدم اجلاء أو تبرير ما يحدث من تطورات. كل ما لمسناه طوال فترة الريبة هذه هو الصمت الذي تم الخروج عنه أخيرا بصدور البيانات والاتهامات المتبادلة مع جماعة الإخوان والتي لم يظهر لها أي مردود واضح علي أرض الواقع لصالح تصحيح مسار العملية الديمقراطية ومستقبل العمل الوطني. وسط هذه الأجواء يدور الهمس واللمز حول تحركات واجتماعات واتفاقات سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة طرفاها المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين . لعل ما يجعل هذا اللغط مصبوغا بعلامات الاستفهام بعض المؤشرات التي تتركز فيما يلي: كل القرارات والإجراءات التي صدرت منذ قيام الثورة وتولي المجلس العسكري السلطة تصب في صالح جماعة الإخوان المسلمين وجاء الاستفتاء الدستوري بصورته المليئة بالثغرات والالغام الإخوانية لتتطابق مع المثل الذي يقول »أول القصيدة كفر« خاصة في الإصرار علي أن يأتي الدستور أبوالسلطات ومُنتجها بعد انتخابات مجلس الشعب التي استعدت لها الجماعة مسبقا. تعمد لجنة الانتخابات العليا المشكلة والمكلفة من المجلس الأعلي.. عدم التصدي للمخالفات او التحقيق فيها بما في ذلك الممارسات غير القانونية والمتنوعة التي تم ارتكابها أثناء العملية الانتخابية. مناهضة ما يقضي به الدستور بعدم قيام أحزاب علي أسس دينية وهو ما تمثل في قيام جماعة الإخوان بالاعلان عن تأسيس حزب الحرية والعدالة مع التأكيد علي أنه رافدها السياسي.. كما يجري في نفس الوقت مع استمرار سياسة التغاضي عن الوجود غير القانوني للجماعة لعدم التسجيل في وزارة التضامن كما يقضي القانون. توقيت العفو عن المهندس خيرت الشاطر مما يوحي أنه كانت هناك صفقة بين المجلس وجماعة الإخوان المسلمين ودون الإسراع بإعمال القانون الذي لا يسمح له بالترشح. الليونة إلي درجة »المياصة« التي لا تتفق والسمة العسكرية في التدخل الإيجابي في لعبة اختيار اللجنة التأسيسية للدستور وهو ما يعني التوافق علي ما قامت به جماعة الإخوان لجعلها هدفا أساسيا لها منذ تمكينها.. ليس للحصول علي حق أعضائها في الحرية وعدم الاقصاء وإنما للاستيلاء علي مقدرات مصر والاستناد في تفعيل هذه الخطة علي عملية انتخابية لم تضع أي اعتبار لمبدأ تكافؤ الفرص بين القوي الوطنية. استخدمت في ذلك المادة 60 من الاعلان الدستوري التي تم التعمد ان تكون فضفاضة وغير واضحة لتبرير قيام مجلس الشعب بانتخاب اغلبيةاعضائها من بينهم وهو ما يتناقض تماما والاسس التي يجب ان تشكل بها اللجنة التأسيسة للدستور. اتخاذ موقف عدم الاستجابة لرغبة الشعب بعد افتضاح عملية الانحراف في تحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والديموقراطية الحقيقية التي تقوم علي الرأي والرأي الآخر. عدم التجاوب مع الاحساس الشعبي العام بأن ما يجري لن يؤدي إلي تحقيق حلمه في هذه الديموقراطية وإنما يقود إلي الهيمنة والسيطرة والديكتاتورية التي تبعث الحزب الوطني من جديد بكل أخطائه في حق مصر . اسند هذا الدور الي الاخوان المسلمين الذين يتحركون تحت شعار »اللي يلاقي دلع وميدلعش يبقي حرام عليه «. كل هذا الذي أدي الي معاناة الوطن وغالبيته المغلوبة علي أمرها في مواجهة هذا التحالف الذي اتمني الا يكون صحيحا بين الإخوان والمجلس العسكري. تجعلنا نقول ان الشعب لن يرضي عن الاستمرار في هذه المهانة.. وأيضا نقول الفرج من عندك يا رحمن؟!