»جماعةالإخوان المسلمين« يحظرها القانون منذ عقود عديدة ماضية، ورغم هذا فهي حركة معلنة في كل مكان، ولها راية خاصة بها غير علم الدولة، ويرأسها »مرشد عام« يتم انتخابه، ويوزع سلطاته علي معاونيه ومرءوسيه. والدستور المصري يحظر قيام أحزاب علي أساس ديني، وهو ما يتعارض مع كل مانراه، ونسمعه، ونقرأه منسوباً إلي الجماعة المحظورة! ويوم السبت قرأت في الصحف اليومية أن »الجماعة« ترفض مقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادم، وستخوض معركتها بكل قوة علي أمل الفوز بمقاعد برلمانية تشريعية لا تقل إن لم تزد عن عددها في المجلس السابق. دهشتي من هذا الخبر ليست راجعة إلي الحظر السابق والحالي لنشاط الجماعة السياسي، بحكم القانون والدستور، وإنما ترجع الدهشة فقط إلي أن »الجماعة« تخوض انتخابات المجلس المعني أولاً بتشريع القوانين التي يضعها متخصصون، يستندون في مبادئها، وأحكامها إلي ما أُتفق عليه في معظم نصوص قوانين ودساتير الدول الديمقراطية الغربية حيث تعطي للمواطنين حق اختيار حكامهم، وممثليهم في البرلمان. فالناس في تلك المجتمعات هم مصدر القانون. والسؤال الآن: »مع هذه الحقائق.. كيف تبرر جماعة الإخوان سعيها إلي المشاركة في برلمان يحافظ علي نصوص الدستور الوضعي، ويوافق علي مواد القوانين الوضعية.. التي تتقدم الحكومة بها؟!«. وهناك إجابات متعددة عن السؤال، منها علي سبيل المثال: الديمقراطيون المثاليون يحلمون بنقل تجربتهم في أوروبا والولايات المتحدة إلي الدول النامية، والمتأخرة. وعلي رأس أولوياتها نجد: حق الانتخاب والتصويت للجميع، طبقاً لقوانين الديمقراطية ودساتيرها. ولا ننسي كيف كان الرئيس الأمريكي السابق »بوش« لا يكل ولا يمل من تكرار عزمه علي نقل الديمقراطية الغربية إلي دول منطقة الشرق الأوسط، بصرف النظر عن الأخطار والتهديدات التي يمكن أن تتعرض لها بعض دول المنطقة نتيجة لظروفها الخاصة. وقبل أن تتسرع عزيزي القاريء في استنكار هذا أنقل لك تجربة قرأت عنها في كتاب »عندما تتصادم العوالم« عن الانتخابات البلدية الأولي التي أجريت في »جدة«، والتي تعرف بأنها المدينة الأكثر اعتدالاً في المملكة السعودية.. كما وصفها المؤلف:»جين هيك«. أجريت انتخابات بلدية مدينة »جدة« في منتصف عام 2005 بتشجيع كبير من »الغرب الديمقراطي«، وتهليل من وكلائه في جمعيات حقوق الإنسان، وكان الفائزون جميعهم من الناشطين الدينيين الأصوليين، من أصحاب اللحي الطويلة (..). الفائزون في تلك الانتخابات هم أول المعارضين للديمقراطية الغربية، وأكثرهم رفضاً لأسلوبها في إجراء الانتخابات والاستفتاءات واستطلاعات الرأي! فهؤلاء يرون أن الانتخابات لا تزيد عن كونها »أداة« و » بداية« لتكرار النمط الخوميني/ الإيراني في البلاد، مما يجعل المسلمين المعتدلين الذين كانوا يرحبون بالانتخابات لولا ما حدث يتحدثون بأسي وندم علي ما كان ومضي. والأصوليون في كل الدول العربية يمقتون الديمقراطية الحقيقية، لكنهم في الوقت نفسه انتهوا إلي جواز استخدام النظام الديمقراطي لخدمة أغراضهم الضيقة. أو بمعني آخر أخذوا بالمبدأ الانتهازي الشهير: »الغاية تبرر الوسيلة«. وهو ما جعل مؤلف كتاب:»عندما تتصادم العوالم« يوجه رسالة إلي من وصفهم ب»هؤلاء الذين سوف يفرضون من الخارج الديمقراطية من أعلي إلي أسفل«، لتنبيههم وتحذيرهم من أولئك الأصوليين المتطرفين المتزمتين الذين سوف يستخدمون العملية الديمقراطية الانتخابات، ومشاركة الحكومة التي يمقتونها في تولي المسئولية مؤقتاً للوصول إلي السلطة والهيمنة المطلقة، وبعدها يتخلون في لمح البصر عن الديمقراطية وكل ما يمت لها من قريب أو بعيد. هذه الأمثلة، والنماذج، أكدها الصحفي الأمريكي الشهير: »توماس فريدمان« في مقال نشره في أوائل عام 2006 تعليقاً علي فوز الأصولي الإيراني المتشدد: »أحمدي نجاد« في انتخابات فترة رئاسته الأولي فكتب يقول: [.. حتي الآن، جاءت هوجة الديمقراطية التي ساعد فريق بوش في إطلاقها منذ هجمات11سبتمبر بالأصوليين الإسلاميين المتشددين إلي السلطة في العراق، وفلسطين، وإيران. كما مهدت الطريق لإستعراض قياسي للإخوان المسلمين في مصر 88 نائباً في مجلس الشعب وإذا ما ظللنا علي ذلك .. فإنه خلال أعوام قليلة سوف يكون »رجال الدين« في السلطة من المغرب، إلي حدود الهند. وليبارك الرب أمريكا!].