أحرص علي قراءة ما تكتبه من مقالات رائعة في تفرّدها، و قوية بشجاعتها. وعادة أعثر علي الجديد من مقالاتها منشوراً في الزميلة صحيفة:»الحياة« واسعة الانتشار. إنها الأكاديمية، الكاتبة، الأستاذة ، الدكتورة :»بصيرة الداود« التي قرأت لها لأول مرة منذ فترة مقالاً بعنوان: »فتاوي بلا حدود!« شدني من أول كلمة في أول سطر. كتبت د. »بصيرة الداود« تقول: [أصبحت حال معظم الفقهاء ورجال الدين في عصرنا هذا تبعث علي الأسي والعجب في الوقت ذاته! هم يحرصون علي استخدام سلاح التكفير والتخويف به لتغطية فشلهم في فهم متغيرات العصر وأهمية القانون والدولة]. كلام قد لا نتوقف أمامه من كثرة سماعه وكتابته في صحفنا المصرية وغيرها لكن أن نراه منشوراً بقلم كاتبة سعودية فهذا هو ما يتطلب التركيز عليه، والتأني في مطالعته وكأنك تقرأه لأول مرة! منذ هذا اليوم وأنا أتابع كل ما تكتبه الأستاذة بصيرة الداود في »الحياة« و غيرها من الصحف كما عدت إلي أرشيف مقالاتها يحسب بالعشرات عبر العديد من المواقع الإلكترونية التي أعرفها أو تلك التي تعرّفت عليها حتي الآن. كانت هذه مقدمة سريعة أستأذنكم فيها قبل توقفي أمام مقال جديد للكاتبة المتألقة »بصيرة الداود« نُشر أمس في الزميلة »الحياة« بعنوان: »الأحزاب الدينية«. العنوان، وما تلا العنوان، جذبا العين المصرية التي تتابع حالياً ما قيل ويقال عن »الأحزاب الدينية«، التي يحظرها دستورنا، ويمنع قانوننا رفع شعاراتها في معارك الانتخابات التشريعية، أو النقابية، أو المحلية. لقد كتبنا، وقرأنا، و قلنا، وسمعنا، الكثير جداً عن مبررات حظر قيام »الأحزاب الدينية«. البعض اقتنع بهذه المبررات وأيد فصل الدين عن التحزّب السياسي، والبعض الآخر لم يقتنع بها، ويرفض هذا الفصل ولا يزال يتحدي الدستور والقانون ويرفع بمناسبة اقتراب انتخابات مجلس الشعب شعارات ولافتات وملصقات دينية. ولا أستبعد أن تكون الكاتبة السعودية د. بصيرة الداود قد سمعت، أو قرأت، بعضا مما يدور حالياً في مصر من تصادمات بين مؤيدي حظر قيام الأحزاب الدينية، وبين الذين يطلبون السماح بقيامها.. وهو ما شجعها علي الإدلاء برأيها في »الأحزاب الدينية« بصفة عامة. في بداية مباشرة بلا لف، أو دوران كتبت »بصيرة الداود« قائلة: [مع نهاية العقود الزمنية من القرن الماضي، واستمراراً إلي يومنا هذا.. لا تزال موجة الأحزاب الدينية التي تتحدث باسم الإسلام في ازدياد. وهي أحزاب تدعي الأصولية، وهو أمر أصبح منطقياً جداً بسبب الواقع المأزوم الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية وعلي مستوياتها كافة سواء الداخلية منها أو الخارجية، الأمر الذي يجعل من التمسك بالأصولية والميل الدائم نحو الماضي بطابعه الأسطوري وأوهامه الميتافيزيقية سبباً مهماً لتفشي ظاهرة العنف السياسي ذي الصبغة الدينية، فيقتات من تهميش المواطن في وطنه الذي يصبح مادة دسمة يسهل أن تتغذي الأحزاب الدينية عليها، وتعمل علي تحقيق أهدافها السياسية المبطنة وغير المعلنة من خلالها]. وبعلم، وثقافة، وبراعة في التبسيط.. تحدثنا الأستاذة »بصيرة الداود« في فقرة تالية من مقالها عن »الأحزاب المتأسلمة« فتقول: [ترفع الأحزاب الدينية شعار الإسلام عالياً، لكنها في الواقع تعمل علي تسميم سماحة الإسلام ديناً مستغلة التحديات التي تواجه العالم اليوم من انهيار لأنماط معينة من الأيديولوجيات في الغرب. وهو الواقع الذي بدأ يُشعر الكثيرين بأن العالم يتجه نحو الانهيار، فلا يجد له تعويضاً إلاّ باللجوء أكثر نحو الانكفاء والانغلاق علي الذات، ورفض الآخر، وكل ما يدور خارج حدوده فيقوده في النهاية إلي التطرف والتمسّك بالأصولية والخصوصية الإسلامية كرد فعل علي رفض كل أساليب وأنماط وأشكال العولمة والحداثة. كما تجد هذه الأحزاب في صفتها بالأصولية تعزيزاً لهويتها الإسلامية علي اعتبار أن كل مسلم هو أصولي لأن الإسلام قائم في الأساس علي أصولية الكتاب والسنة. ولهذا فمهما اختلفت مدارس وتيارات ومذاهب هذه الأحزاب فهي متفقة علي التمسك بأصول الدين من الكتاب والسنة، لكنها تعمل في الوقت نفسه علي شحن مصطلح الأصولية أيديولوجياً من أجل تحقيق أهدافها السياسية]. ويا هولها من أهداف.. نقرأ عنها غداً.