حلمي عبد الباقي يرد على إحالته لمجلس تأديب: نية مبيتة للإطاحة بي    سوق جديدة ب «موقف السبتية»    وزارة «العمل» تصدر قواعد وإجراءات تفتيش أماكن العمل ليلًا    ترامب ونتنياهو.. أي احترام للاتفاق؟!    كواليس اللقاء الخامس ترامب ونتنياهو يبحثان ملفات غزة وإيران وسوريا    القاهرة الإخبارية: فرض حظر تجوال في اللاذقية جاء بعد مواجهات بين مواطنين موالين للحكومة ومعارضين    زيلينسكي: اجتماع أمني حاسم في كييف لتحالف الداعمين مطلع يناير    غزة.. إصابة نازحين جراء انهيار جدار متصدع من قصف إسرائيلي سابق    أهلي جدة يتخطى الفيحاء بثنائية في الدوري السعودي    ثمن نهائي أمم أفريقيا 2025| تونس تضرب موعدا مع مالي.. والمغرب ضد تنزانيا    الأهلي يفوز على هليوليدو في دوري مرتبط الطائرة للرجال    السيطرة على حريق داخل محل قطع غيار دراجات بخارية بالمرج    منصة كيريو: رصدنا مشكلات امتحان البرمجة ونتخذ إجراءات لمعالجتها    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يعلن برنامج تدريبي للشباب بأسيوط    مليون مشاهد وألف فعالية في عام أم كلثوم    أسماك أثرية ! اكتشاف ورش من العصر البطلمي.. وجبانة رومانية بالدلتا    أحمد العوضي يثير الجدل من جديد.. ما القصة؟    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ في تشكيل القرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    مصر تتسلم 3.5 مليار دولار ضمن مشروع «سملا وعلم الروم»    طلاب جامعة العاصمة يشاركون في قمة المرأة المصرية لتعزيز STEM والابتكار وريادة الأعمال    الخزانة الأمريكية ترفع العقوبات عن ألكسندرا بوريكو المرتبطة بروسيا    الطيران الحربي السوداني ينفذ ضربات على الدعم السريع تمهيدا لعمليات برية واسعة ( خاص )    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    محافظ البحيرة ورئيس جامعة الأزهر يفتتحان كلية الطب البيطري و    المقاولون العرب يحرز الهدف الثالث أمام الأهلي    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    نهاية تاجر السموم بقليوب.. المؤبد وغرامة وحيازة سلاح أبيض    حصاد الشرقية 2025.. تنفيذ 209 مشروعات خدمية بتكلفة 2.6 مليار جنيه    كشف ملابسات مشاجرة بالجيزة وضبط طرفيها    خبر في الجول - ناصر ماهر ضمن أولويات بيراميدز لتدعيم صفوفه في يناير    حبس رمضان صبحي سنة مع الشغل    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    بعد تهديدات ترامب.. بوتين وبزشكيان يبحثان الوضع بشأن البرنامج النووي الإيراني    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    الأمانة العامة لمجلس النواب تبدأ في استقبال النواب الجدد اعتبارا من 4 يناير    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 7 ملايين جنيه    بنك نكست يوقّع مذكرة تفاهم مع كلية فرانكفورت للتمويل والإدارة وشركة شيمونيكس لدعم استراتيجيته للتحول المناخي ضمن برنامج التنمية الألماني GREET    مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال يكشف عن بوستر دورته الأولى    مواجهات قوية في قرعة دوري أبطال آسيا 2    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    وكيل صحة سوهاج يلتقى أطباء قسم العظام بمستشفى طهطا لبحث تطوير الخدمات    وزارة العدل تقرر نقل مقرات 7 لجان لتوفيق المنازعات في 6 محافظات    إجراءات ضد أصحاب 19 مخبزافى السنطة بالغربية    إصابة شخصين فى حادث تصادم سيارتين بقنا    وزير الداخلية يعقد اجتماعا مع القيادات الأمنية عبر تقنية (الفيديو كونفرانس)    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    طاقم تحكيم مصري يدير مباراة السودان وبوركينا فاسو في كأس الأمم الإفريقية    محافظ المنوفية يضع حجر الأساس لإنشاء دار المناسبات الجديدة بحي شرق شبين الكوم    معبد الكرنك يشهد أولى الجولات الميدانية لملتقى ثقافة وفنون الفتاة والمرأة    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أقوى شبكة معارضة فى مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 07 - 2010

أعرف أن كثيرين منكم لن يشاركونى اندهاشى، ذلك أنه لابد وأن يكون معظمكم قد تعامل مع الإنترنت قبلى بسنوات طوال.. لم أبدأ أنا تعاملى مع الإنترنت سوى من ثلاثة شهور فقط، ولذلك ما أزال أكتب مقالى هذا بخط اليد، ولم أتمكن حتى الآن من أن أنضم إلى مجموعات بعض الأصدقاء فى الفيس بوك «ولعلها فرصة للاعتذار للأساتذة عزت قمحاوى ومعتزبالله عثمان وأسماء جراح ووليد راشد»، كما أننى لا أعرف كيف أحفظ وثيقة تهمنى أو أفتح مرفقات تحويها بعض الرسائل.. مع كل ذلك فإننى أستطيع أن أجزم بلا مبالغة أن الإنترنت هى أهم اختراع عرفته البشرية.. أهم من اختراع الغسالة الكهربية، وأهم من اختراع «البزازة» بالنسبة للأطفال وأمهاتهم..
لن أدخل كثيرا فى الجدل الذى سبقنى إليه آخرون وهم يخوضون فى مدى تأثير الإنترنت على الصحافة المطبوعة أو على الصحافة الناطقة والمسموعة.. شخصيا، لم أكن أتصور أن أقرأ الصحف على شاشة، وما أزال أنتظر صحف الصباح الساعة السابعة كما كنت أنتظر مواعيد الغرام وأنا فى سن المراهقة، كما أن رائحة رصاص حبر الطباعة لا يزال لها فى أنفى نفس الرحيق الأخاذ النفاذ الذى عرفته منذ بدأت العمل بالصحافة..
ومع ذلك فإن الإنترنت اليوم تبهرنى.. فى ساعة قليلة يمكننى الاطلاع على صحف العالم جميعا مهما كان المكان الذى أوجد فيه نائيا، بل إن دقائق قليلة تكفى للاطلاع على عناوين الأخبار وعلى الموضوعات التى تطرق إليها الكتاب الذين أحبهم.. ثم إن الإنترنت يتيح لى تبادل الرسائل مع آخرين، وأستطيع من خلالها حجز فندق والمقارنة بين أسعار تذاكر السفر، بل وأجرى اتصالات تليفونية بالصوت والصورة.. الإنترنت وسيلة للعمل والترفيه والتعارف والدراسة والتجارة والتسويق والتسوق، وفيها كنز من المعرفة يفوق ما فى أكبر مكتبة..
لا يمكن الآن لكاتب أن يكتب مقالا أو لصحفى أن يحرر تقريرا استقصائيا ولا لأى شخص عادى، أن يحصل على معلومة مهمة أو تافهة دون الرجوع للإنترنت.. الإنترنت ستؤثر على كل وسائط الاتصال الأخرى بقدر أو آخر كما رأينا فى كثير من بلاد الغرب، ليس فقط لأنها تستطيع أن تنقل الأخبار مباشرة وقت حدوثها «وهو أمر كان حكرا على الراديو ثم على التليفزيون عندما أطلقت الأقمار الصناعية فى السبعينيات من القرن)، بل لأنها لا تخضع لقيود الرقابة وضغوط الحكم ورأس المال التى حنطت التليفزيون الرسمى وخنقت التليفزيون الخاص كما لاحظنا فى مصر فى الشهور الأخيرة بالذات.
انظروا ماذا حدث يوم مظاهرة شهيد الإسكندرية خالد سعيد فى 13 يونيو الماضى.. اختفت يومها آلات تصوير القنوات الفضائية المحلية، ولكن عشرات المواقع والمنتديات نقلت المظاهرة فى نفس اللحظة.. وبينما كانت برامج التليفزيون المسائية غارقة فى سفسطة ألعوبة لفافة البانجو وأكذوبة الهروب من التجنيد وخدعة «تلويث سمعة جهاز الشرطة»، كان «طوفان شهيد الطوارئ يغمر الإنترنت» على حد وصف جريدة «الشروق»، وبلغ عدد مشاهدى الفيديو الذى يبدو أنه كان السبب فى مقتله 120 ألفا فى أسبوع واحد،
وظهرت عشرات المجموعات والصفحات والمواقع الجديدة انضم إليها ألوف وألوف أخرى للتنديد بالحادث والمطالبة بالقصاص من القتلة ومحاسبة وزير الداخلية بل ومساءلة رئيس الجمهورية، وللتضامن مع أسرة الشهيد وتدشين حملة محلية وعالمية لمقاضاة المتورطين.. وامتد التضامن إلى خارج البلاد فقامت مجموعات أخرى، منها واحدة فى تونس أطلقت على نفسها اسم «تونسيون من أجل خالد محمد سعيد».
أول من استغل الإنترنت فى مصر لأهداف سياسية بشكل مكثف كانت حركة 6 أبريل عندما خرجت فكرة إضراب 6 أبريل 2008 وانتشرت من رحم الإنترنت على موقع الفيس بوك.. واستمرت الحركة وبعض حركات الاحتجاج الأخرى فى استخدام الشبكة على نحو واسع لاستدعاء المتظاهرين وتوجيه حركتهم والإبلاغ عن تجمعات الشرطة وإعلان أسماء المعتقلين والمصابين..
أما أول شخصية سياسية مصرية تعتمد على نشر أفكارها بواسطة الإنترنت فكان الدكتور محمد البرادعى الذى ربما تأثر بمظاهر الاحتجاج التى أعقبت الانتخابات الرئاسية الإيرانية فى منتصف عام 2009، والتى عرفت بثورة «التويتر»، فقد واصل على مدى الشهور الأربعة الماضية إعلان آرائه بنفس الوسيلة.. لكنه حتى قبل أن يجئ إلى مصر ورغم أنه لم يعلن عن ترشحه لانتخابات الرئاسة فقد نشأت على الإنترنت حملة باسم «الحملة الشعبية المستقلة لدعم وترشيح البرادعى رئيسا 2011»، وبعد وصوله تم قيام «الجمعية الوطنية للتغيير» أصبحت الجمعية أكثر التجمعات السياسية نشاطا على الإنترنت، خاصة فيما يتعلق بجمع التوقيعات على البيان الذى تضمن المطالب السبعة التى توافقت على القوى السياسية الفاعلة.
الملفت هنا أن جماعة الإخوان المسلمين، وهى المعروفة بأنها الأكثر محافظة بين الحركات السياسية المصرية، قد اقتحمت شبكة الإنترنت بكل ثقلها هذا الأسبوع عندما أعلنت بداية حملة لدعم بيان التغيير وشنها المرشد بنفسه، وافتتحت نافذة إلكترونية لجمع التوقيعات بلغ عدد الموقعين فيها 7600 فى الأيام الثلاثة الأولى فقط.. ولكن الإخوان، شأنهم شأن الأحزاب، كان لديهم من قبل موقع معروف هو «إخوان أون لاين» قامت الحكومة بمطاردة رؤساء تحريره وحجبه عدة مرات، وهو ما فعلته أيضا مع موقع حركة كفاية وموقع جبهة إنقاذ مصر الذى يبث من بريطانيا.
قد لا تكون أنت متهما بالسياسة على الإطلاق.. لا بأس.. لديك مواقع فى كل مناحى الحياة يتدفق من كل منها شلال من المعلومات تستطيع أن تجد فيها إجابات لأى سؤال، من آخر موضات الأحذية فى العالم إلى كميات الكوليسترول فى الأطعمة، كما أنك تستطيع أن تقرأ كتبا بكاملها، وتستطيع أن تراجع تكاليف حياتك الزوجية كما راجعها أحد التجار بعد زفافه بخمس سنوات.. أما الذين ابتلوا بالسياسة فيمكن أن يصلهم فى اليوم الواحد أكثر من 250 رسالة، خاصة لو انضم أحدهم إلى منتديات أو مجموعات بريدية يختارها هو، أو إلى أخرى تبادر بضمه إليها إذا ما كانت اهتماماته تتفق مع أهدافها..
فى دنيا الإنترنت هناك كتاب سياسيون ليسوا هم بالضرورة أشهر الكتاب فى صحف الورق «ولو أن هؤلاء يتلقون فيضا من تعليقات قراء الإنترنت على مقالاتهم»، الإنترنت السياسى فى مصر يروج عادة المقالات الحادة التى قد يكون البعض منها منشورا فى جريدة «القدس العربى» مثل مقالات عبدالحليم قنديل ومحمد عبدالحكم دياب، كما أن له كتابا يكتبون له، من أشهرهم د.يحيى القزاز الذى كتب مؤخرا مقالا يدعو فيه إلى استيراد قضاة دوليين على غرار حكام الكرة للفصل فى الأزمة بين المحامين والنيابة، ود.جمال حشمت الذى قرأت له منذ أيام مقالا بعنوان «أولاد الكامب» يقصد كامب ديفيد..
فى الإنترنت السياسى تجد بين كل فترة وأخرى كتاب «علشان ما تنضربش على قفاك» منشورا بكامله لتعرف من كاتبه ضابط الشرطة المتقاعد عمرو عفيفى كيف تحمى نفسك قانونيا إذا ما وقعت فى قبضة البوليس، وتجد كل عدة أيام قصيدة مزيفة باسم أحمد فؤاد نجم عادة ما توصف بأنها «رائعة نجم الجديدة»، وتجد صور الأسطول الأمريكى وهو يعبر قناة السويس «ربما فى اتجاه إيران»، وتجد يوميا عشرات من بيانات التضامن مع المجاهد مجدى أحمد حسين الذى حكم عليه بالسجن سنتين لدخوله غزة دون إذن، ثم صدر ضده مؤخرا حكم آخر بالحبس سنة فى قضية نشر تعود إلى 14 عاما.. وكما تتوقع فإن نجم الإنترنت فى العالم الإسلامى كله طوال الشهر الأخير بالذات كان رئيس وزراء تركيا أردوغان، أما لعنات الشبكة فقد انصبت على أبومازن وخلية دحلان ورئيس وزرائه فياض وعلى حكام المنطقة المستبدين.
الإنترنت التى يتعامل معها الآن نحو 16 مليونا من المصريين معظمهم من الشباب هى واسطة الإعلام البديلة لمن لا يستطيعون إبداء آرائهم فى الصحف والراديو والتليفزيون خاصة من المقهورين والمهمشين، وهى بذلك تعتبر أقوى شبكة معارضة فى مصر.
كنت أخشى فى البداية أن أضع هذا العنوان فى صدر المقال حتى لا أزيد من تربص السلطة بالإنترنت، لكن قلت فى النهاية: ومن هى تلك السلطة القادرة على قمع تلك الشبكة التى تنتفض غضبا ومقاومة، ومن من الحكام مهما كان مستبدا يستطيع إيقاف تيار التغيير الهادر؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.