لابد ان نقول بصراحة ووضوح، ان هناك فارقا شاسعا بين الموقفين الفلسطيني والاسرائيلي، في المفاوضات المباشرة التي انطلقت شرارتها في واشنطن، وبدأت فعالياتها في شرم الشيخ، ثم استؤنفت في القدس، بتواجد ومتابعة أمريكية قوية. الجانب الفلسطيني يطالب بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي المحتلة عام 7691، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة علي غزة والضفة الغربيةوالقدس العربية، وهو ما يتطلب الوقف الفوري لبناء المستوطنات التي تنشرها اسرائيل في الضفة كالسرطان وتلتهم الاراضي الفلسطينية جزءا وراء الاخر. والجانب الاسرائيلي يتجاهل ذلك،...، ويطالب باعتراف فلسطيني باسرائيل دولة يهودية كشرط مسبق وان يتم الاتفاق علي ترتيبات أمنية لضمان سلامة اسرائيل وشعبها اولا، وقبل كل شيء. وفي الوقت الذي يطالب فيه الوفد الفلسطيني برئاسة محمود عباس رئيس السلطة الوطنية ان تبدأ المفاوضات من حيث انتهت اخر جولات التفاوض بين رئيس الحكومة السابق اولمرت وابومازن، والتي كانت قد توصلت الي اتفاق حول النقاط الجوهرية التي كانت ولاتزال عالقة،..، فإن نتنياهو والوفد الاسرائيلي المفاوض يصر علي ان تبدأ المحادثات من نقطة الصفر، ويرفض الاعتداد بما تم التوصل اليه خلال المفاوضات مع اولمرت. وبينما يطالب الفلسطينيون بأن تركز المفاوضات علي موضوعات الحل النهائي والتي تشمل القدس، والمياه، والحدود، واللاجئين والمستوطنات، فإن الجانب الاسرائيلي يماطل ويسوف ويقدم بدلا من ذلك بحث قضية الامن باعتبارها القضية الاكثر اهمية بالنسبة لهم. واخيرا وليس اخرا، يؤكد محمود عباس علي ضرورة تحديد اطار زمني معلن وواضح للمفاوضات، بحيث لا تترك دون اجل معلوم، ويطلب ان يكون ذلك في حدود عام من بدئها، تلتزم فيه الاطراف بالتوصل الي اتفاق سلام شامل يقوم علي اساس حل الدولتين وفقا للمبادرة الامريكية، والتوافق الدولي. إلا أن الجانب الاسرائيلي وعلي رأسه نتنياهو يري عدم تحديد سقف زمني أو اطار زمني للتفاوض، ويطالب بترك المفاوضات تأخذ وقتها دون حدود، ويري انه لا داعي للعجلة ولا ضرورة لذلك، وانه لا مانع ان يستغرق الامر وقتا يصل الي سنوات وليس سنة واحدة. وفي هذا السياق، ومن اجل ذلك الفارق الشاسع بين الطرفين، لم يقل احد علي الاطلاق، ان رحلة البحث عن السلام الضائع في الشرق الاوسط، سهلة او ميسورة لأن ذلك اذا ما قيل سيكون قولا في غير موضعه،...، ولم يتوقع احد ان يكون الطريق الي تسوية شاملة وعادلة بين العرب واسرائيل ممهدا، ودون عقبات، او عوائق، لان هذا إن حدث يكون تفاؤلا في غير مكانه. وفي ذات الاطار لا يمكن لاحد التنبؤ او الجزم بنجاح المفاوضات المباشرة بين الجانبين والتي بدأت في واشنطن ثم شرم الشيخ منذ ايام، وبعدها القدس،...، بل وليس في مقدور اي مراقب او متابع لهذه المفاوضات ان يضمن استمرارها دون توقف، او فشل وصولا الي غايتها المرجوة. هذا ليس تشاؤما مفرطا من جانبي او من جانب غيري، في النظر لواقع الحال في الشرق الاوسط، او الصراع العربي- الاسرائيلي بصفة عامة، والقضية او المسألة الفلسطينية علي وجه الخصوص، ولكنها رؤية تحاول ان تكون موضوعية لما هو جار علي السطح، وهي قراءة تحاول ان تكون صحيحة لكل ما يحدث،...، وفي هذه الرؤية، وفي تلك القراءة لا مجال للتفاؤل او التشاؤم ولكن المجال الاكبر يجب ان يكون للحقائق المجردة، قدر المستطاع. وتقول الحقائق المجردة في رحلة البحث عن السلام الصعب بالمنطقة، ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ظل طوال العامين الماضيين يرفع صوته مطالبا في كل مناسبة، بالمفاوضات المباشرة بينه وبين الفلسطينيين، وظل يؤكد ضروة ان تكون هذه المفاوضات دن شروط مسبقة، مدعيا ان تلك ضرورة لازمة حتي تكون الفرصة متاحة امام الجانبين، لعرض وجهة نظر كل منهما، وبيان مطالبه علي مائدة التفاوض. ورغم ان نتنياهو لم يخف قبل ذلك وبعده رفضه لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ومبدأ الدولتين، وبالرغم من انه لم يتوقف عن اثارة جميع العقبات امام عملية السلام، ولم يبذل اي جهد يذكر لتهيئة الاجواء المناسبة والمشجعة للسير في طريق التسوية،...، الا انه نجح في اقناع الطرف الامريكي بضرورة المفاوضات المباشرة بينه وبين الفلسطينيين للتوصل الي اتفاق حول الموضوعات المختلف عليها، وهو ما دفع الجانب الامريكي لمطالبة الفلسطينيين بذلك باعتباره الطريق للتسوية، واقامة الدولة المستقلة. وقد وافق الفلسطينيون علي المفاوضات المباشرة باعتبارها ضرورة لابد منها، لكشف حقيقة نتنياهو امام العالم بصفة عامة، وامام الجانب الامريكي علي وجه الخصوص، خاصة بعد ان استطاع رئيس وزراء اسرائيل اقناع العالم واوروبا بالذات، بعدم صحة الموقف الفلسطيني الرافض للمفاوضات المباشرة، والمصر علي الاستمرار في المفاوضات غير المباشرة. وهكذا، وجد الفلسطينيون انفسهم، ومعهم العرب، مضطرين للقبول بالتفاوض المباشر، حتي لا يقع العالم في أسر الادعاءات الاسرائيلية التي تؤكد انها لاتجد المفاوض الفلسطيني، وانها تريد السلام عن طريق التفاوض المباشر، ولكن الرئيس الفلسطيني عباس هو الذي يرفض هذا الطريق،...، وجاءت الموافقة ايضا في اطار السعي الفلسطيني والعربي للضغط علي نتنياهو بخيار السلام، لعله يخالف نهجه الطبيعي وينصاع لمطالب السلام التي اصبحت مطلبا دوليا وامريكيا، بالاضافة الي كونه مطلبا عربيا وفلسطينيا. وبناء علي الموافقة الفلسطينية، والتي تمت بعد مناقشة الموضوع في اجتماع لوزراء خارجية الدول العربية، في الجامعة العربية، اعلنت مصر موقفها المؤيد للفلسطينيين، وهو الموقف الذي جاء امتدادا طبيعيا وتلقائيا للموقف المصري المعلن، والمستمر طوال سنوات الصراع الممتد منذ ما قبل منتصف القرن الماضي، وحتي اليوم، والقائم علي دعم الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة، ومساندة سعيه للحصول علي حقوقه المشروعة في التحرر، واقامة الدولة المستقلة علي الاراضي المحتلة عام 7691. والباحث عن الموقف المصري في هذه المفاوضات يجده واضحا ومحددا، لا لبس فيه، ولا ابهام، فقد اكده الرئيس مبارك في شرم الشيخ خلال استقباله لوزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون، وهو ذات الموقف الذي ابلغه لكل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو،..، وايضا هو نفس الموقف الذي ابلغه الرئيس مبارك للرئيس الامريكي اوباما خلال اجتماعهما في البيت الابيض قبل ساعتين فقط من اعلان اطلاق المفاوضات المباشرة. وهوالموقف ذاته الذي اعلنه زعيم مصر في كلمته بالغة الاهمية التي ألقاها في القمة الخماسية لحظة اعادة اطلاق المفاوضات المباشرة، وهي القمة التي ضمت اوباما ومبارك وعبدالله ومحمود عباس ونتنياهو، وشاهدها وتابعها العالم كله علي الهواء مباشرة. اقول ذلك بوضوح، تأكيدا لما اصبح معلوما ومعروفا لنا ولكل العالم بان مصر ليس لها غير رأي واحد، ووجهة نظر واحدة في جميع القضايا القومية والوطنية، وعلي رأسها القضية الفلسطينية، وان ما يقوله زعيمها مبارك في العلن هو نفسه الذي يؤكده في كل لقاءاته ومحادثاته واجتماعاته مع قادة العالم، وهو ما نراه متوافقا مع الصالح القومي والوطني العام،...، اما الشعارات الجوفاء، والعنترية التي يرددها البعض في العلن، ويقول غيرها في الاجتماعات المغلقة، فنحن لا نعرفها ولا نمارسها. ومن هنا نقول ان من يريد ان يعرف موقف مصر فعليه ان يراجع كلمة الرئيس مبارك في قمة واشنطن، والتي بدأت بالتأكيد علي اننا نتطلع لمفاوضات نهائية حاسمة تؤدي الي اتفاق سلام بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي خلال عام،..، وان ذلك هو نفس ما تتطلع اليه شعوب المنطقة والعالم بصفة عامة، والشعبان الفلسطيني والاسرائيلي بصفة خاصة. وعلي من يريد إدراك أبعاد الموقف المصري، أن يتوقف بالتدقيق والدراسة امام النقاط المهمة التي اكد عليها الرئيس باعتبارها الاسس والقواعد التي يقوم عليها هذا الموقف تجاه عملية السلام في الشرق الاوسط، والقضية الفلسطينية بالذات، والتي نعتبرها جوهر ولب الصراع في الشرق الاوسط. ويأتي في مقدمة هذه الاسس ما ذكره الرئيس من انه لم يعد مقبولا ولا معقولا في مطلع الالفية الثالثة، ان يكون هناك فشل في اقامة السلام العادل الذي ينهي النزاع، ولم يعد مقبولا استمرار الاحتلال وغياب قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وبالنسبة للمرجعية التي يجب ان تقوم عليها المفاوضات التي اعيد اطلاقها، اشار مبارك بوضوح الي ما انتهت اليه المفاوضات السابقة بين الجانبين، وما تم التوصل اليه من تفاهمات، وما تضمنته معايير كلينتون، وماوصلت اليه مفاوضات عباس واولمرت، وكذلك بيانات اللجنة الرباعية الدولية، وقرارات الشرعية الدولية، والمبادرة العربية للسلام، وايضا المبادرة الامريكية، ومبدأ قيام الدولتين،...، وكل ذلك يحدد وجهة نظر مصر ورؤيتها في عدة نقاط مهمة. اولا: ضرورة السعي بجدية وصدق من خلال هذه المفاوضات للتوصل الي تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية في غضون عام. ثانيا: ان التسوية تقوم علي اساس قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة، والمتصلة الاطراف، علي الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس العربية،...، وهي الاراضي التي احتلت في عام 7691، وان تعيش هذه الدولة في أمن وسلام مع جيرانها بالمنطقة. ثالثا: انه من الطبيعي والضروري كي يتم ذلك في مناخ ايجابي، ان تقوم اسرائيل بالتوقف عن بناء المستوطنات التي اصبحت سرطانا يلتهم الاراضي الفلسطينية يوما بعد يوم. رابعا: ان مصر لن تتوقف ابدا عن مساندة الشعب الفلسطيني وستستمر في دعمها لقضيته العادلة وبذل غاية الجهد لتحقيق تطلعاته وحقوقه المشروعة في قيام دولته المستقلة. والآن.... هذا هو واقع الحال في المفاوضات، وهذه هي المشاكل والخلافات القائمة،...، وتلك هي رؤية مصر الواضحة في كل هذا الشأن. والسؤال الذي يطرح نفسه ويشغل الكل هو ماذا بعد؟ وهل تستطيع الاطراف المتفاوضة التغلب علي الخلافات والوصول الي التسوية المأمولة في رحلة البحث عن السلام الصعب بالشرق الاوسط؟! هذا ما ستجيب عنه الايام القادمة.